الاقتصاد الألماني يستعيد عافيته بعد سنوات عجاف

الاقتصاد الألماني يستعيد عافيته بعد سنوات عجاف

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت ألمانيا وبعد أربع سنوات من الركود تظهر مؤشرات على استرداد اقتصادها لعافيته.ويقول محللون إن الفضل يعود في معظمه إلى شركات عريقة مثل شركة هايد ليبرغردر كما شيتن كبرى شركات تصنيع المطابع في العالم.

والتي كانت على شفير الإفلاس منذ ثلاث سنوات فريسة لتدهور صناعة الإعلام ولجوء المنافسين اليابانيين إلى المضاربة في الأسعار، اما الآن وبعد جراحة مؤلمة شملت تسريح 3500 موظف، فان الشركة عادت تغرد من جديد .

وعلى الأرجح، أن تلتحق سائر قطاعات البلاد بالركب، إذ توحي تشكيلة الإحصائيات الأخيرة، أن ألمانيا ثالث كبرى الاقتصادات بعد الولايات المتحدة واليابان، في طريقها إلى النهوض بوتيرة تنموية متسارعة، معززة ثقة المستهلك، مطلقة مؤشرات على إعادة إحياء الإنفاق الاستهلاكي، وظهور انخفاض خجول في معدل البطالة.

ويقول محللون إن البعث الألماني المتجدد، سيلقي بظلاله على نطاق واسع، على أوروبا، وربما على الاقتصاد العالمي برمته. فهي تمثل خمس النشاط الاقتصادي للاتحاد الأوروبي بكامله، وموقعها كأكبر مصدري العالم، هو لقب توجته لنفسها، حتى في ظل السنوات العجاف تلك.

وإلى ذلك يقول نوربرت وولتر، كبير الخبراء الاقتصاديين في دويتش بانك، »إن الأقاويل عن موت ألمانيا تنطوي على شيء من المبالغة«، مضيفاً: »بأننا أحرزنا مؤخراً قسطاً وافراً من التقدم. وقد انطلقنا انطلاقة جيدة بداية العام 2006«.

لقد شهدت ألمانيا، بالطبع، فجراً زائفاً. وقد تفجرت موجة من الحماس إبان الشتاء الماضي، قبل أن يعاني الاقتصاد من نكسة، واضطرار الحكومة الألمانية التي فقدت شعبيتها إلى إجراء انتخابات مبكرة.

وحقق الاقتصاد الألماني، نمواً لما يتجاوز الواحد في المئة، عام 2005، كما أن أكثر التوقعات تفاؤلاً لهذا العام، رجحت نموه بواقع 2 في المئة غير أن ثمة شعوراً حقيقياً.

وللمرة الأولى منذ تفجر فقاعة التكنولوجيا عام 2000، بأن ألمانيا في طور التحرك. وتمثلت البداية، بتصويت الألمان على حكومة جديدة، تحت زعامة رئيستها الأولى، التي ساهمت في رفع المعنويات في هذا البلد الذي يغلب عليه الطابع التشاؤمي.

وقد حققت المستشارة أنجيلا ميركيل، التي التقت الرئيس بوش في واشنطن في يناير الماضي، بداية صلبة، حسبما قال المحللون، معززة الآمال في قدرتها على النهوض بالتغييرات الاقتصادية المنتظرة.

أما العامل الآخر، فهو أن الصناعة الألمانية، استعادت نشاطها، ونهضت من كبوتها، بعد اتخاذها خطوات لقيت استهجاناً شعبياً، وبتقليصها للوظائف وتمديدها لساعات العمل دون تعويضات إضافية، ونقل الإنتاج إلى بلدان أكثر رخصاً وكلفة، فإن الشركات غطت مصاريفها.

واستعادت موقعها التنافسي في الأسواق العالمية، وفي المقابل، فإن الصناعة الألمانية راحت تنشر أجنحتها، وتمد أذرعها، في الخارج، فقد تقدمت شركة المواد الكيماوية باسف، مؤخراً بعرض قوي ببملغ 4.9 مليارات دولار لشراء الشركة الأميركية انجلهارد.

في حين دخلت صانعة الفولاذ تايسن كروب في صراع شرس لشراء إحدى شركات الفولاذ الكندية، وإلى ذلك يقول الكساندر ديببليوس، الشريك في غولدمان ساشز، والذي يدير مكتبها الألماني، إن قوة الشركات الألمانية كانت متوارية وراء الإنتاجية وخسائر النفقات« مضيفاً »بأنها عند زيادة إنتاجيتها، فإن منتجاتها لا تقاوم«.

إن عودة الثروة، بادية في هايدلبيرغ، حيث يبرز اسم الشركة بكل وضوح في واجهة برج زجاجي براق، قبالة محطة القطارات، ومصنع مترامي الأطراف خارج المدينة وكانت »هايدلبيرغ دركماشينن« منذ عقد مضى، تعكس انحدار الصناعة الألمانية فقد انخفضت مبيعاتها 17 في المئة عام 2003، مع إلغاء عملائها لقوائم شراء كبيرة.

وإذا كان لارتفاع اليورو مقابل الدولار والين أثره البالغ في جعل مطابع هايدلبيرغ أغلى بثلاثين في المئة من منافساتها اليابانية كما خسرت في السنة المالية 2004، 840 مليون دولار.

في مبيعات بلغت 4.5 مليارات دولار وما كان من الشركة إلا أن اتخذت إجراءات صارمة إذ باعت اثنين من الأقسام التابعة لها، وهما موقع الطباعة الذي يطبع الصحف والطباعة الرقمية وألغت 3500 وظيفة وانتزعت اتفاقاً مع اتحادها، آي جي ميتال، لتحديد ساعات العمل الأسبوعية إلى 36.35 ساعة أسبوعياً، من 35 ساعة وبنفس المرتب.

وفي معرض تعليقه على ذلك قال بيرنارد شريير، الرئيس التنفيذي لهايدلبيرغ: »ذهبنا إلى العمال وقلنا لهم انظروا لابد من اتخاذ قسط من المرونة مضيفاً بأن الأوقات كانت عصيبة بالنسبة للاتحادات خلال العامين أو الثلاثة الماضية.

ولذلك، كان حتماً عليهم تقديم كثير من التنازلات خلال مفاوضات الشركة« وقد تكرر الأمر في كثير من أنحاء ألمانيا، فقد أرغمت سيمنز، وفولكسفاغن، وديملر كرايسلر، اتحاداتها على القبول بمبدأ تجميد الأجور أو بزيادات متواضعة تحت التهديد المستمر بنقل الوظائف إلى الخارج.

وبالرغم من سمعة ألمانيا، كفردوس للعمال، فإن زيادات الأجور تتخلف بكثير عن الأجور السائدة في بقية بلدان الاتحاد الأوروبي، بمقدار عشرة في المئة منذ 1996، وفقاً لتقرير أصدره بانك أوف أميركا.

ويذكر ان الاتفاق في حالة هايدليبرغ، يقتضي خفض مصاريف العمل بحدود 121 مليون دولار، أو عشرة في المئة سنوياً بحلول عام 2002، وقد ساهم ذلك.

بالإضافة إلى ضعف اليورو عام 2004، في سد الفجوة السعرية بين هايدليبرغ واليابان.

كما ان ازدياد قوة الاقتصاد العالمي، انعش الطلبات من الولايات المتحدة وآسيا.

غير ان ذلك التحول تطلب جرعة مؤلمة من الاستكانة. فقد آثرت هايدليبرغ الانسحاب من صناعة طباعة الصحف، وفي حين رأت في السابق ان المستقبل هو للطباعة الرقمية، فقد اقرت عن عجز بعدم قدرتها على منافسة عمالقة كبار مثل كوداك، التي باعتها عملياتها الرقمية.

كانت هايدليبرغ، آن ذاك، شركة صغيرة، ولكنها أكثر لياقة، بهامش أرباح قبل اقتطاع الضريبة بلغ 5 إلى 15 في المئة، وارتفع سعر سهمها 31 في المئة خلال الشهور الأثنى عشرة الماضية.

ومن جهته أعرب شريير، الذي سبق لأبيه العمل في الشركة ذاتها، عن ثقته بأن تواصل الشركة النماء من قاعدة ألمانية.

مضيفاً بأن »التكنولوجيا التي نستخدمها اليوم، هي تكنولوجيا باقية«.

ان عزم الشركات في الاستخدام هو عامل حيوي في حل إحدى مشكلات ألمانيا المزمنة الأخرى، ألا وهي البطالة.

فقد أوردت الحكومة ان عدد العاطلين عن العمل في الشهر الماضي، انخفض بحدود 110.00، على أساس قاعدة معدلة بصورة موسمية، ولاشك ان ذلك، كان أفضل مما هو متوقع غير ان هناك 4.6 ملايين آخرين مازالوا عاطلين عن العمل.

وهو رقم يوازي الرقم المسجل خلال الفترة التالية للحرب.

ترجمة: وائل خطيب

Email