العمالة الوافدة في دول الخليج .. إلى أين ؟ ـ مستشار/ يحيى المصري ـ

العمالة الوافدة في دول الخليج .. إلى أين ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ سنوات وبعد انقضاء ما يزيد على ربع قرن بالنسبة للتوسعات في العمالة الوافدة إلى دول الخليج، وعندما بدأت عمليات التنمية الاقتصادية على نطاق كبير باستخدام فوائض عوائد البترول، بدأت مناظرات متعددة حول مدى استمرار العمالة الأجنبية في هذه الدول.

خاصة بالنسبة للعمالة غير الفنية التي انتهت فترة تزاحم الطلب عليها أثناء امتداد عمليات التنمية والتحولات الاقتصادية، وحتى لا تعتمد هذه الدول على مصدر واحد للدخل كما كان الحال عند بداية اكتشاف البترول.

وقد تعددت الآراء حول هذه القضية، وكان هناك من يرى تحديد مدة ثابتة لبقاء العمالة الوافدة خاصة بالنسبة للعمالة العادية الغير فنية كعمال التراحيل والسعاة والكتبة، بينما هناك من يرى ضرورة استمرارهم دون تحديد مدة ثابتة لانتهاء عملهم وعودتهم الى بلادهم، خاصة.

وانهم فئات مطلوبة لاستكمالها وخدمة المهام الرئيسية التي تقوم بها العمالة الفنية الماهرة طالما انهم يقومون بأعمالهم بكفاءة ونشاط وانه لم يظهر منهم ما يمكن ان يكون مدعاة لإنهاء عملهم طبقا للشروط المحلية والدولية لتشغيل العمالة الوافدة، وفى ضوء مدى الحاجة إليها.

ولم يكن هذا الامر بعيدا عن القيادات الخليجية، حيث نوقش هذا الموضوع بالتفصيل في القمة الخليجية المنعقدة في المنامة خلال ديسمبر 2004، وكان هناك اتجاه لوضع ضوابط محددة لبقاء العمالة الوافدة في اى من الدول الأعضاء لأكثر من ثلاث سنوات، وقد قام العاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإعداد مشروع لمواجهة ما كان يسمى بـ «مخاطر العمالة الوافدة».

كما قرر الزعماء الخليجيون حينئذ تفويض وزراء العمل والقوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي لبحث حلول جذرية لهذه المشكلة وأبعادها ومخاطرها المستقبلية، وفى أثناء ذلك صرح وزير العمل والشؤون الاجتماعية البحريني بما يفيد ان دول مجلس التعاون الخليجي لن تستغني عن العمالة الوافدة وانما ستسعى لتقنين أوضاعها منعا لتغيير الطبيعة الديموجرافية والثقافية للمنطقة.

وحتى ذلك الوقت لم يكن واضحاً ماذا يقصد بالعمالة الوافدة، هل المقصود هو كل العمالة التي لا تتمتع بجنسية الدولة التي توجد بها، ويدخل في ذلك العمالة العربية التي تحمل جنسية أي دولة عربية بما فيها دول الخليج ؟ ام يقصد بها العمالة الأجنبية التي لا تحمل جنسية عربية وتحمل جنسيات أجنبية فقط من خارج المنطقة العربية سواء كانت آسيوية او افريقية او حتى أوروبية؟

غير ان وزير العمل والشؤون الاجتماعية البحريني معالى الدكتور مجيد بن محسن العلوي أوضح هذه النقطة عندما ذكر في تصريح له ان المقصود بالعمالة الاجنبية الوافدة هي العمالة غير العربية، وكانت اشارة صادقة وضرورية من معاليه لان العمالة العربية لا تعتبر أجنبية في اى بلد عربي لغتها الرسمية هى اللغة العربية، وهى جزء لا ينفصل عن الوطن العربى الكبير الذي يعيش فيه كل العرب.

وقد ظلت المناقشات مستمرة في دول مجلس التعاون الخليجي حتى احتدت عقب توصية وزراء العمل والشؤون الاجتماعية الخليجين خلال اجتماعهم في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر الماضي .

والتي تضمنت المطالبة بتحديد مدة اقامة العمالة الأجنبية في دول المجلس بست سنوات يغادر بعدها العامل الى بلده على ان يسمح له بالعودة بعد انقضاء عامين على مغادرته، وقد أثارت هذه التوصية زوبعة وموجة من الغضب لكل دول المجلس.

وكان في مقدمة الذين اعترضوا عليها رجال الأعمال الخليجيون وغرف التجارة والصناعة الخليجية وأعضاء اللجان التي تشكلت خصيصا لبحث هذه التوصية وكذلك اتحاد غرف التجارة والصناعة الخليجية وهو ما تم نشره في بعض أجهزة الإعلام.

لقد ذكرت غرفة تجارة وصناعة قطر ان توصية تحديد مدة قصوى لإقامة العمالة الأجنبية في دول التعاون الخليجي اذا تم العمل بها فسوف تتسبب في إلحاق آثار سلبية جسيمة في الاقتصاد القطري.

كما أكدت لجنة التجارة والبحوث في قطر استحالة إحلال عمالة جديدة كل ست سنوات كما تطالب التوصية وخاصة ان العمالة الوطنية ما زالت غير كافية، وذكرت ان أكثر الدول تضررا من هذه التوصية هي قطر والإمارات العربية المتحدة وحذرت من الآثار السلبية العديدة اذا ما تم تطبيق التوصية.

ورفضت غرفة تجارة الرياض التوصية بكل ما ورد بها حيث اعتبرت ان ذلك سوف يؤثر بشكل سلبى وخطير على اعمال القطاع الخاص الخليجي ويكبد الاقتصاد خسائر فادحة.

كما ذكرت غرفة تجارة البحرين ان القرار الوزارى الخليجي بالحد من العمالة الوافدة من خلال تحديد مدة قصوى لبقائها في الدولة العضو حفاظاً على التوازن في التركيبة السكانية من شأنه ان يترك تداعيات خطيرة على مؤسسات القطاع الخاص التي مازالت تعتمد اعتماداً كبيراً على جهود العمالة الوافدة في تشغيلها ونموها بالنظر الى عدم توفر القوى العاملة الخليجية الكافية والمؤهلة والراغبة في الحلول محلها.

كما أكد اتحاد غرف التجارة والصناعة الخليجية ان هذا القرار ليس في صالح اقتصادات الدول الخليجية كما يضر بصالح القطاع الخاص الذي أصبح يحقق ازدهارا وانتعاشاً كبيرا في الوقت الحاضر، وهو ما اكده أيضاً احد رجال الأعمال الخليجيين البارزين الذي ذكر ان قرار تحديد مدة قصوى لإقامة العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون لن يؤدى إلى احلال المواطنين محل المقيمين.

ولا الى تقليص البطالة في صفوف الخليجيين لان دوافع استدعاء المقيمين للعمل في الخليج ستظل قائمة في ظل الواقع الراهن للقوى العاملة الخليجية وسلوكياتها واتجاهاتها ورغباتها الوظيفية وهو ما يستدعي اولا زرع ثقافة عمل في نفوسها وتغيير واقع سلوكياتها.

وقد انتهى المعارضون جميعاً الى ان ابرز تبعات القرار ستكون خسائر اقتصادية، لان مساهمة العمالة الوافدة في التنمية الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي واضحة للعيان ولا يمكن انكارها.

واكد ان وجود هذه العمالة الوافدة أملته ظروف تاريخية وضرورات تنموية لم يكن بوسع الدول الخليجية الإيفاء بها في حينها لأسباب موضوعية، منها قلة الأيدي العاملة المؤهلة القادرة حينئذ على القيام بأعباء التنمية المستدامة مما أدى إلى الاستعانة بالعمالة الوافدة لتغطية الاحتياجات الضرورية والتي مازالت مطلوبة أيضاً في الوقت الراهن.

وفى «قمة فهد» التي انعقدت في أبوظبي طالب القادة في ختام اجتماعهم بتاريخ 19/12/2005 باحالة ملف قضية العمالة الوافدة الى وزراء العمل لإجراء مزيد من الدراسة والبحث، خاصة وان هذه القضية من اهم القضايا المتعلقة بأوضاع التنمية الشاملة للشعب الخليجي بأكمله ولحياته ومستقبله.

ولا شك انه قرار صائب يأتي نتيجة شعور القادة بأهمية الموضوع وضرورة استيفائه بدراسات واسعة وعميقة حتى لا يؤثر على فئة او أكثر من أبناء الخليج وفى مقدمتهم رجال الأعمال الخليجيون وأصحاب المؤسسات الخليجية.

ولاشك ان وزراء العمل الخليجيين سيعيدون بحث الموضوع بشكل أوسع وأعمق تلبية لتوصية القادة، ويهمني بهذه المناسبة ان اعرض بعض الملاحظات التي قد تساعد في اعادة الدراسة الموسعة:

(1) مراعاة جوانب التنمية الشاملة لمنطقة الخليج كل في ضوء التعاون الخليجي المشترك الذي يسعى الى تدعيمه مجلس التعاون الخليجي، خاصة بالنسبة لتطبيق الحريات الخمس:

حرية التنقل للسلع والخدمات والأموال، حرية العمل والاستيطان للمواطنين، حرية الإقامة، حرية التملك، حرية الإيصاء والإرث، وهو ما تضمنته اتفاقيات الوحدة الاقتصادية العربية والسوق العربية المشتركة والسوق الخليجية المشتركة .

(2) مراعاة تطبيق التعليم التدريبي لأبناء الخليج، بحيث يؤهل كل مواطن للتخصص في عمل او حرفة معينة او في مركز اداري او فني او علمي وهو ما يتطلب إنشاء معاهد تدريبية عليا في تخصصات عملية مطلوبة لأغراض التنمية والتقدم والتنوع الاقتصادي ؛ فينشأ معهد للتخصص المهني.

ومعهد للتخصص الحرفي، ومعهد للتخصص في إنشاء المشروعات الصغيرة، ومعهد للتخصص في إنشاء المشروعات المشتركة، ومعهد لاعداد القادة الفنيين والإداريين، على ان يضم ذلك كله جامعة فنية علمية على احدث الوسائل التكنولوجية.

(3) مراعاة الناحية الإنسانية عند البت في إنهاء مدة العاملين الأجانب الذين يمكن الاستغناء عنهم وعلى ان تكون البداية مع من يكون لديهم عقود عمل مؤقتة انتهت مدتها وان يكون هناك من المواطنين من يستطيع تولي العمل بجدارة حتى يستقيم العمل.

ولا تحدث فوضى به، اما الذين تم تعينهم لفترات طويلة مقبلة او لديهم عقود عمل دائمة فإن الدراسة واجبة لكل حالة على حدة، وعلى ان تتم عن طريق هيئة خليجية تتخصص في التقييم والإحلال والمتابعة المستمرة لسير العمل لفترة انتقال قد تصل الى سنة او سنتين.

(4) البدء من الآن فصاعدا بدراسة الاحتياجات الفعلية للعمالة الأجنبية المطلوبة بالتنسيق مع المشروعات والمؤسسات الإنتاجية المزمع إنشاؤها في المستقبل، ومع النص في عقود تعيينهم على فترة محددة للعمل .

وان يراعى بالنسبة لكل عامل أجنبي ان يكون هناك مواطن يتدرب معه في مزاولة العمل نفسه ويكون قادرا على تحصيل كل المعلومات المتوافرة لديهم، حتى لا يتكرر ما حدث عند سحب المرشدين الأجانب من قناة السويس في الخمسينات عندما توقف العمل بها إلى ان تم تدريب بعض المرشدين المصريين والعرب كبديل عنهم.

إن الدراسة المتأنية والشاملة والمتعمقة لهذه القضية من مفكرين وباحثين عرب أمناء يمكن ان تصل الى نتائج مفيدة ومجدية للشعب الخليجي الذي يتهيأ اليوم لإقامة وحدة اقتصادية خليجية .

ـ وبإعادة الهيكلة وإعادة التنظيم ستقود في المستقبل الى دولة واحدة ان شاء الله، دولة لا تقل في مستواها وفي تكوينها عن الآليات والتنظيمات الإدارية التي أنشأها الاتحاد الأوروبي وحقق عن طريقها اتحاده التاريخي.

ـ كاتب اقتصادي مصري

Email