توقعات بفائض مالي جوهري على المدى المتوسط في الإمارات

توقعات بفائض مالي جوهري على المدى المتوسط في الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

قالت النشرة الشهرية لبنك دبي الوطني في عددها الأخير: إنه في ثلاثة عقود ونصف العقد شهدت دولة الإمارات نمواً ملحوظاً في مسيرتها التنموية حتى صار يُنظر إلى الدولة اليوم إقليمياً ودولياً كنموذج للتنمية الاقتصادية والانفتاح وتنوّع مصادر الدخل.

ويكمن بروز تلك النتائج بشكل أساسي في السياسات التي تم انتهاجها في الاقتصاد الكلي للدولة من أجل تحوّل البنية الاقتصادية والقياسية للأعمال والمؤسسات الحكومية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التطور المشهود على جميع المستويات، فإن عملية التنمية يجب أن تبقى مستمرة ويجب اتباع سياسات أبعد وإيجاد أطر عمل تضمن استمرار النمو الاقتصادي والازدهار.

فيما يلي سنلقي الضوء على بعض القضايا الجوهرية والتغيرات الهيكلية التي ينبغي الأخذ بها في المديين القصير والمتوسط، أما المسائل الأخرى الخاصة بالثبات على المدى الطويل، فلن نتعرض لمناقشتها هنا.

فمن أجل الاستمرار على طريق النمو نفسه، فإن تنمية اقتصاد الدولة سوف تعتمد على صياغة وتطبيق العديد من برامج السياسات الإدارية التي تستهدف السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات الهيكلية.

؟ السياسة المالية

هناك حاجة ملحة لتنسيق سياسة مالية ما بين حكومة كل إمارة على حدة من جانب، والحكومة الاتحادية من جانب آخر، إذ ان مثل هذا التنسيق لا يزال ضعيفاً حتى الآن، كما انه لا توجد هناك معايير قياسية في المنهجيات والأصول المحاسبية المتبعة. وتثار حالياً مناقشات حول قضايا إصلاح رئيسية مثل توسيع قاعدة الضرائب على المستوى الاتحادي وتخفيض الدعم الحكومي للكهرباء والماء على مستوى الإمارة.

وقد تم مؤخراً تشكيل لجنة تخطيط اقتصادية للعمل على رفع مستوى تنسيق السياسة المالية ما بين الإمارات، وقد تتمكن هذه اللجنة من التوصل إلى تصنيفات مماثلة لبنود الموازنة والارتقاء بتحليلات السياسة المالية، أما على المستوى المحلي، فقد تبنت إمارة أبوظبي (المنتج الرئيسي للنفط في الإمارات) توقعات متحفظة لأسعار النفط عند إعداد موازنتها.

وهذا يعني أن معظم عائدات النفط قد تم ادخارها بدلاً من ضخها في الاقتصاد. مما يعكس سياسة أكثر حرية في الإنفاق المالي بعكس تلك السياسات التي كانت متبعة خلال السبعينات وبداية الثمانينات.

بالإضافة إلى ذلك، فقد استخدمت أبوظبي معايير عدة لمراقبة الإنفاق العام، وتشمل الأمثلة على ذلك إيقاف الدعم الزراعي وتقليل عبء فاتورة الأجور من خلال تخفيض حجم التوظيف العام وخصخصة بعض الخدمات.

ومع ذلك، تبقى الحكومة الاتحادية مقيّدة بمحدودية قدرتها على تحقيق إيرادات من خلال بعض الرسوم والضرائب. هذا وتمثل إسهامات كل من أبوظبي ودبي المصدر الرئيسي للموازنة الاتحادية إلا أن تلك الإسهامات ظلت ثابتة من دون أن تطرأ عليها أي زيادة منذ سنوات. وعلى المدى المتوسط فإنه يتوقع للوضع المالي المجمع لدولة الإمارات أن يحقق فائضاً جوهرياً.

وتظهر تحليلات صندوق النقد الدولي (MIF) أن الوضع المالي لدولة الإمارات يتمتع بالثبات على مدى المستقبل المنظور، وذلك بناءً على سيناريوهات المحافظة على العائد على الاستثمار لصافي حقوق الملكية. ويظهر من التحليل بأنه في حال انخفضت أسعار النفط إلى 25 دولاراً للبرميل.

فإن التعديل السنوي المالي المطلوب للمحافظة على المستوى الحقيقي لصافي الثروة يعادل 1% فقط من إجمالي الناتج القومي على مدى السنوات الخمس المقبلة. وعلى ما يبدو فإن هناك العديد من التحديات تواجه السياسة المالية لدولة الإمارات، إذا ما أريد لها تحقيق أداء أكثر سلاسة، منها:

ـ على الرغم من أن العجز المالي غير النفطي (كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي) آخذ بالتقلص منذ 2001، إلا أنه يجب العمل للوصول به إلى مستوى التوازن.

ـ مع ارتفاع نسبة البطالة الوطنية، وقلة الاستثمارات في التعليم والصحة، وعدم سداد التزامات التقاعد المحتملة غير الممولة، فإن نقاط ضغط الإنفاق قد تنشأ من جهة النفقات.

ـ لتعزيز إمكانات تحقيق الإيرادات، فإن هناك حاجة لتوسيع قاعدة الضرائب عن طريق فرض ضرائب الدخل على مؤسسات القطاع غير النفطي. وربما يتأتى ذلك من خلال تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة (VAT).

السياسة النقدية كاستجابة لأنشطة اقتصادية قوية وتدفقات مرتفعة لرؤوس الأموال فإن النقد الخارجي (M2) قد تزايد بنسبة 24% في عام 2004، لقد ارتبطت هذه الإجراءات النقدية المهمة بتوسعات قوية في مستوى الإقراض للقطاع الخاص الذي نما بدوره بنسبة 7,24% في عام 2004 مقارنة بنسبة 5 ,13% في عام 2003.

وبشكل عام، فإن قطاع المصارف في دولة الإمارات يبقى قوياً ومحكم الرقابة، ويتبع في الإقراض ممارسات سليمة وموثوقة ومستمدة من نمو اقتصادي قوي، ومع ذلك فإنه من خلال اتباع نظام معدل صرف ثابت وإعطاء حرية كاملة لانتقال رؤوس الأموال فإن فعالية السياسة النقدية في دولة الإمارات تبقى محدودة.

ولأن معدلات الفائدة المحلية تتبع معدلات الفائدة على الدولار، فإن المصرف المركزي يحاول ضبط التذبذبات بدقة في السيولة المحلية ويتم ذلك بشكل رئيس من خلال شهادات الودائع. إن التدفقات اللافتة للنظر لرؤوس الأموال الأجنبية يتوقع ان تزيد من عرض النقود، بشكل حاد في عام 2005.

وللعمل على تجنب نمو مفرط في عرض النقود فلربما تحتاج السلطات إلى التضييق على زيادة تسهيلات الائتمان للقطاع الخاص من قبل قطاع المصارف باستخدام عدة معايير رقابية.

كما يبدو أيضاً ان هناك حاجة أكبر لدمج أسواق رأس المال والوسطاء الماليين غير المصرفيين ومراقبتها مع تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية حديثاً والقوانين المتغيرة على ملكية الأجانب للعقارات. فإن مثل هذا التنسيق وتوحيد الهيئة النقدية يعتبر أمراً حاسماً جداً.

وقد يستلزم هذا تعميق القوانين الحالية وآليات متابعة الاستثمارات والشركات المالية. ولحماية مصالح المستثمرين فإنه يجب عرض الفجوات والثغرات الموجودة في القوانين الحالية ومناقشتها لضمان عدم فقدان الثقة.

أخيراً، فإن إحدى المناطق المنذرة بالخطر والتي ينبغي على دولة الإمارات اختبارها بعمق، هي مسألة تزايد المراكز المالية الدولية المحتملة اللاحقة لتأسيس مركز دبي المالي الدولي (DIFC). فالأنشطة العرضية التي تمنحها تلك المراكز وهياكلها المؤسسية قد تولد بعض المخاطر والتحديات على النظام النقدي للدولة.

السياسات الهيكلية: هناك العديد من السياسات المبتكرة متاحة للتطبيق في دولة الإمارات لتعزيز تنمية أكبر، وتحقيق معدلات نمو اقتصادية أسرع. لاسيما على المدى المتوسط.

الاستثمارات الخارجية المباشرة (FDI) إحدى مسائل السياسة الحرجة المتبقية هي مسألة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع الخاص والتي مازالت تفتقد إلى تشريعات واضحة، وبالإضافة إلى ذلك فإنه لم تتم بعد صياغة إطار عمل يحقق قيمة مضافة أكبر ونقل تقنية متطورة وبناء قدرات استيعابية للاستثمارات الأجنبية لدعم نمو اقتصادي نوعي.

تضارب القرار وتصنيف الائتمان تطور رئيس آخر يعزز بيئة الأعمال في دولة الإمارات وذلك هو تأسيس مركز دبي للتحكيم الدولي (DIAC) في عام 2004. وهناك مسألة أخرى بإمكانها رفع الثقة في مصداقية صفقات الأعمال بقدر كبير وهي تتمثل في النظر في تأسيس وكالة لتصنيف الائتمان وتقديم البيانات.

الخصخصة على جبهة أخرى فإن تقليص الأنشطة الاقتصادية الحكومية لإفساح المجال أمام القطاع الخاص قد أظهر تقدماً بشكل جوهري من خلال جهود الخصخصة الناجحة في قطاع الخدمات العامة.

وبالإضافة إلى إلغاء الدعم وتخفيف الضغوط المالية من جهة النفقات المخصصة للإنفاق الحكومي، فإن الخصخصة في هذا القطاع سوف تمهد الطريق أمام مزيد من جهود الخصخصة في قطاعات أخرى ومشاركة أكثر فاعلية من قبل القطاع الخاص في أنشطة اقتصادية مشابهة.

Email