تخضع للغة الحسابات السياسية المعقدة

البحث عن «الألماس» في أفريقيا مغامرة محفوفة بكثير من المخاطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقة بين الألماس وأفريقيا غير قابلة للانفصام، وذلك على الرغم من أن بعض جواهر الألماس الأكثر شهرة في التاريخ تعود جذورها إلى بلدان غير أفريقية ،مثل جوهرة «كوه -1- نور» التي تنتمي بأصولها إلى الهند.وعلى مدار القرن الأخير، سيطرت المناجم الأفريقية على الإنتاج، ففي العام الماضي لوحده وفرت أفريقيا نحو ثلثي إنتاج العالم من الألماس.

وتبوأت دول أفريقية كأنجولا وبتسوانا وجنوب أفريقيا صدارة الدول المنتجة للألماس، رغم صعود إنتاج كل من كندا وروسيا ليسهما بنحو 30 % من الإنتاج العالمي، ومع ذلك يتفق خبراء صناعة الألماس على أن أفريقيا تبقى أكثر الأماكن إثارة في البحث والتنقيب عن المعدن، خاصة في الدول التي تمزقها الحروب على غرار سيراليون وجمهورية الكونغو الديمقراطية واللتين تواجه فيهما الشركات صعوبات في الاستثمار على مدى السنوات الخمس الماضية.

ودفعت شركة دي بيرز إلى تحولات في الموضة ونهج التسويق، وهو ما جدد الإقبال على جواهر الماس، فمن واقع إجمالي تجارة الألماس العالمية والتي يبلغ قيمتها 60 مليار دولار سنويا، تسهم الولايات المتحدة فيها بما يزيد على النصف، وإن كانت حصص الاقتصادات الصاعدة في آسيا آخذة في الارتفاع حيث يتسم طلب المستهلكين الأميركيين بالقوة، وذلك من وجهة نظر جاري رالف المدير الإداري لشركة « دي بيرز» التي تسهم بحوالي نصف إنتاج العالم من الألماس غير المصقول.

وهو يري كذلك أن هناك معدلات نمو آخذة في التزايد لدى بعض الاقتصادات الناشئة كالهند والصين ودول الخليج والتي تشكل إضافة مؤثرة للطلب العالمي. ومثل هذا الوضع سمح لشركة «دي بيرز» أن ترفع الأسعار في العام الماضي بنسبة 14 %، كما قامت برفع الأسعار خلال العام الجاري وحتى هذه اللحظة بنسبة 7 %. وقد تبنت شركة «دي بيرز» نهجا متدرجا في رفع أسعار الألماس خلال السنوات العشر لإطلاق معرضها الذي يحمل اسم « رؤى» SIGHTSالذي يقوم فيه تجار الألماس بشراء مجوهرات « دي بيرز».

وواصل سوق الألماس غير المصقول ارتفاعاته القوية، وهو ما يعني في رأي جاري رالف، استمرار الدائرة المفرغة من التعديلات المنتظمة والمحدودة في أسعار الألماس ووفقا لمحلل الماس جيمس بيكتون بشركة «في إتش إيريلاند» قد لا يعني ارتفاع الأسعار الشيء الكثير لكنه سيحمل تأثيرات محدودة في السنوات المقبلة، حيث رافق النمو الحاصل في طلب المستهلكين تراجع الإنتاج في العديد من المناجم، وهو ما سوف يخلف نقصا حادا في المعروض.

ومر ما يزيد على عشر سنوات على اكتشاف مستودع الألماس «أيكاتي» في كندا الذي يعد آخر أكبر اكتشاف،حيث انه من المعروف عن الألماس صعوبة العثور عليه، حيث تبلغ كمية الألماس التي يمكن استخراجها تجاريا من صخور مستودع الألماس نحو 1 %، وفي تقدير بيكتون، ستنتهي دورة حياه منجم «أيكاتيش في كندا بحلول عام 2015، وسيتعرض كذلك إنتاج منجم «تينتو ديافيك» للتراجع والذي يعد من أكبر اكتشافات مستودعات الألماس في كندا خلال عقد التسعينات.

أما المناجم الأخرى التي تم حفرها في كندا، فهي صغيرة نسبيا، ويجري النظر بالفعل إلى مستودع الألماس «آرجيلي» في أستراليا على أنه في مرحلة «النضوب»، وذلك على الرغم من أن شركة «ريو ينتو» قد تقرر في وقت لاحق من العام الجاري العمل على مد حياة المنجم، حتى منجم فينيتيا الذي يعد من أكبر المناجم التي تملكها شركة « دي بيرز» سيتعرض إنتاجه في غضون عشر سنوات.

وفي العام الماضي، بلغت قيمة الألماس غير المصقول الذي تم بيعه نحو 11 مليار دولار، مقابل 9 مليارات في عام 2002، ويمكن لهذا الرقم في تقدير بيكتون أن يرتفع إلى 18 مليار دولار بحلول عام 2015، وهو ما قد يؤدي إلى بروز عجز في المعروض قيمته 7 مليارات دولار .ودفع الطلب المتصاعد على الألماس خلال السنوات الخمس الأخيرة الشركات إلى تكثيف جهودها في الكشف والتنقيب عنه في كل الأماكن، أملا في العثور على اكتشاف ضخم آخر.

وفي الغالب، ينظر إلى كل من أنجولا وسيراليون وجمهورية الكونغو الديمقراطية على أنها من أكثر المناطق مبشرة لاستكشاف الماس. وفي العام الماضي، قفزت معدلات الاستثمار في هذه الدول الثلاثة.كما حفز القلق من نقص المعروض من الألماس في المستقبل الشركات على استخدام التكنولوجيا الجديدة وأساليب تعدين مختلفة لتعظيم إنتاج مجوهرات الألماس، ففي غرب أفريقيا وناميبيا والساحل الغربي لجنوب إفريقيا، توجد وفرة في رواسب مستودعات الألماس، حيث يتم نقل خام المعدن من مصادر استخراجها إلى السواحل عبر الأنهار.

وهناك صعوبة في العثور على رواسب مستودعات الألماس بسبب تبعثر أحجار الماس على مساحة متسعة، وإن كانت تميل إلى أن تكون أرخص في تعدينها بسبب إمكانية استخدام أساليب «التنبؤ المفتوح» opencast.وغالبا ما يكون في مقدور الشركات الصغيرة الانخراط في مشروعات التنقيب عن أحجار الألماس في رواسب الماس، بالنظر إلى أن هذه المشروعات ليست كثيفة رأس المال، وذلك بالمقارنة مع المناجم الموجودة تحت سطح الأرض.

وتعتبر ناميبيا من بلدان العالم ثراء برواسب مستودعات الألماس، وتنتج بالفعل شركة «فاير ستون» المدرجة في سوق لندن للاستثمار البديل، الألماس من ثلاثة مناجم باستخدام أسلوب «التنبؤ المفتوح». لكن الشركة تقول ان أكثر آمالها إشراقا في جنوب أفريقيا معقودة على المنطقة التي تحيط بوادي نهر جروين، حيث تم العثور على كميات كبيرة من الألماس عالي الجودة، وتنطوي المنطقة على أفق جيدة للعثور على رواسب مستودعات الألماس.

وستكون الخطوة المنطقية التالية، عقب تعدين رواسب مستودعات الألماس، هي محاولة العثور على الأحجار التي تقذفها مياه الأنهار إلى البحار، وقد تصاعدت أنشطة التنقيب البحري عن المعدن في السنوات الأخيرة، وقد استثمرت شركة «دي بيرز» بشكل خاص في بناء سفن خاصة بهذا المجال لرفع تلك الرواسب الموجودة بمحاذاة سواحل جنوب أفريقيا وناميبيا، علاوة على أن شركة « ترانس هيكس» الجنوب إفريقية تعتبر متمرسة في هذا المجال، وقفز إنتاجها من الألماس الناتج عن التنقيب البحري في العام الماضي بنسبة 87 %، فيما هبط إنتاجها من المناجم الموجودة تحت سطح الأرض بشكل طفيف.

ويعتبر صعود الاستثمارات الأجنبية في مجال التنقيب عن الألماس في أفريقيا فرصة جيدة بالنسبة للمنطقة، خاصة بالنسبة للدول التي تمتلك بنية تحتية ضعيفة، كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن الواقع يبدو أكثر تعقيدا، حيث من النادر أن يحصل السكان المحليون الذين يقومون بالتعدين عن الماس عن كامل قيمة قطع الألماس من تجار الألماس العديدين، علاوة على أنه من السهولة نسبيا تهريب الألماس، ويتسرب الشطر الأعظم من قطع الألماس خارج القنوات الرسمية، وهو ما يحرم الحكومات من عوائد الضرائب التي هي في أمس الحاجة إليها.

وفي رأي ريتشارد ووكر الاستشاري في مجال الألماس والذي عمل في جمهورية الكونغو الديمقراطية أن التجار يلجأون في الغالب إلى البخس من قيمة قطع الماس لتجنب ضريبة التصدير، وقد هدأت مشكلة الصراع على الألماس في السنوات القليلة الماضية، وتسير الإجراءات التي تتخذها كيمبيرلي في أعطاء الشهادات والتي تتعقب مصادر قطع الماس والجهات التي تتلقي العوائد سيرا حسنا، كما أنه على الرغم من وجود جيوب للصراعات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلا أن الوضع بشكل عام في تقدير المحللين صار أكثر سلما واستقرارا، وينظر إلى ساحل العاج على إنها الدولة الأفريقية الوحيدة التي تتأجج ��يها مشكلة الصراع على الألماس .

وفي هذا الصدد، وضع آليكس ييرسليي بجماعة الضغط «ويتنس جلوبال» في صدارة أولوياته - حسبما قال - البحث في أوجه الروابط بين صناعة الألماس والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات وحتى الإرهاب. فعلى سبيل المثال في انجولا - والكلام على لسانه - يتم استيراد الكوكايين من البرازيل في مقابل الماس، وتشرف جماعات لبنانية على هذه العمليات، حيث تسيطر المافيا اللبنانية على تجارة الماس غير المشروعة والتي قدمت إلى هناك في عقد الستينات، مضيفا «بأن المافيا اللبنانية صارت الآن محصنة بشكل جيد وأنه لابد من العثور على حل لهذا الوضع».

ولهذا يتشكك آليكس ييرسليي في إمكانية توسيع قاعدة المستفيدين من نمو صناعة الألماس في إفريقيا.وقال «كان من الممكن اعتبار حالة بتسوانا كنموذج للدولة التي استطاعت الاستفادة من صناعة الألماس في النهوض باقتصادها، ولكنها تعاني الآن من الإفراط في الاعتماد على الألماس، وهي تحاول تطوير قطاعات صناعية أخرى بإمكانها البقاء والاستمرار بعد نفاد الألماس الموجود لديها.

ويعتبر موضوع توسيع قاعدة المستفيدين من الألماس من الموضوعات المثيرة للجدل على نطاق واسع خاصة في جنوب أفريقيا التي يحتدم فيها السجال حول هذا الموضوع طوال الوقت ، وتطالب حكومة جنوب أفريقيا بأن تجري عمليات صقل وقطع أحجار الألماس في الداخل، بحيث لا تصبح جنوب أفريقيا مجرد مكان يتم فيه التعدين عن الألماس، وهو من شأنه أن يؤدي إلى خلق فرص للعمالة الماهرة، واستفادة الاقتصاد من أموال تلك الصناعة.

وستستأثر الاعتبارات السياسية المتعلقة بالاستفادة من صناعة الألماس وتفعيل اقتصاد ذوي البشرة السوداء بمعظم أوقات المديرين في شركة» دي بيرز «خلال السنوات المقبلة، وإن كانت هناك قضية ضخمة، تتعلق بنمو خطر منافسة الشركات الأخرى والتي باتت تنافس شركة « دي بيرز» على مناطق استخراج الألماس الواعدة، فعلى مدار السنوات الخمس والعشرين الماضية، استحوذت شركة «دي بيريز» على 85 % من سوق الألماس غير المصقول.

ولكن تراجعت هذه الحصة إلى 50 %، حيث تنوعت الشركات التي تقوم بالتعدين عن المعدن، ومن بينها، شركات على غرار «بي إتش بي بيليتون» و«ريوتينيتو» اللتين أصبحتا فواعل رئيسية في صناعة الماس العالمية. وتتيح أسواق الأسهم القوية في تورنتو ولندن وسيدني للشركات الصغيرة إمكانية للحصول على تمويل لأنشطتها في مجال الاستكشاف عن المعدن.

Email