الدوافع الاقتصادية الأميركية في ضرب العراق (12)

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 29 رجب 1423 هـ الموافق 6 أكتوبر 2002 على الرغم من الموقف الدولي شبه الكامل الرافض لقيام الولايات المتحدة بضرب العراق، إلا ان القيادة الأميركية تصر على توجيه ضربة عسكرية للعراق، وعلى الرغم من موقف الأمم المتحدة من هذا الأمر إلا ان الولايات المتحدة تصر على الضربة العسكرية!! وعلى الرغم من ان الموقف العربي المختلف كليا عما كان عليه في سبتمبر 1991 الرافض لضرب العراق رسميا وشعبيا إلا ان القيادة الأميركية تصر على ضرب العراق. وعلى الرغم من يقين الولايات المتحدة بأن توجيه ضربة عسكرية للعراق له آثار تدميرية على البيئة في المنطقة والعالم عامة، وبأن هذه الضربة تشكل تهديدا مباشرا للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية لدول العالم، وبأن هذه الضربة سوف تخل بالتوازنات الدولية، إلا ان الولايات المتحدة لا تسمع سوى صدى صوتها ومصرة على تحقيق أهدافها غير عابئة بما سوف يحدث للمنطقة والعالم فماذا يعني ذلك ولماذا كل هذا الاصرار وما هي دوافع ومبررات الولايات المتحدة في ضرب العراق ولماذا تنسف علاقاتها مع حليفاتها من دول العالم ومنها دول عربية كمصر والسعودية اللتين ترتبطان بها بحلف استراتيجي؟! اذا كانت منطقة الشرق الأوسط قد شهدت وخلال القرون الماضية اهتماما كبيرا من قبل الدول العظمى فان الألفية الثالثة سوف تشهد تزايدا لهذه الأهمية واذا كانت منطقة الخليج العربي احدى محاور منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية فانها سوف تصبح أكثر مناطق العالم سخونة وصعوبة بعد ان تزايدت أهميتها خلال السنوات الماضية بسبب وجود آبار النفط فيها ومخزون واحتياطيات النفط الذي لا يدخل في صلب العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية فحسب وانما يشكل شريان الاقتصاد العالمي للشرق والغرب على السواء. الدول الصناعية أو حتى الدول النامية والفقيرة وما كان اهتمام الدول العظمى بانضمام دول المنطقة الى منظمة التجارة العالمية إلا تحقيقا لأهدافها الاستراتيجية!. إن السر في تزايد سخونة المنطقة خلال الألفية الثالثة يكمن في ان مختلف دول العالم تعمل على تحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية من خلال هذه المنطقة ففيما ينظر البعض على انها مخزن للنفط والغاز ينظر البعض الآخر اليها على انها سوق جيدة لتسويق منتجاته وسلعه الاستهلاكية. وكذلك سوق جيدة للسلاح فيما ينظر البعض الثالث إليها على انها منطقة لتصدير رؤوس الأموال الناجمة من عائدات النفط هذا فضلا عن أهمية الموقع الاستراتيجي لمنطقة الخليج في حركة التجارة العالمية بين الشرق والغرب ومن هذا المنطلق تزايدت الأهمية الاقتصادية وبالتالي الاهتمام الدولي بهذه المنطقة، ولكن في الوقت ذاته اختلفت الاهداف وتضاربت الاستراتيجيات وتعارضت المصالح خاصة مع تزايد العامل الاقتصادي وتفاقم المشاكل الاقتصادية في العالم بسبب تناقص الموارد الاقتصادية الطبيعية وأهمها مصادر الطاقة ثم تأتي متطلبات العولمة الاقتصادية وتداعياتها، وضرورات النفوذ الاقتصادي العالمي للدول والتكتلات العالمية. من هنا فمن الطبيعي أن يكون هناك اختلاف واضح بين دول العالم في الموقف من ضرب العراق، وخاصة من قبل الأوروبية التي وجدت نفسها انها لم تستفد كثيرا من ضرب العراق في المرة السابقة (1991) وان نصيب الأسد من حصاد الحرب كان لصالح الولايات المتحدة التي فرضت هيمنتها على المنطقة وحققت مكاسب مادية كبيرة، هذا على الرغم من ان الدول الأوروبية قد شاركت في العمليات العسكرية غير مدركة على انها قد مهدت الطريق أمام الولايات المتحدة في فرض هيمنتها وسيطرتها على منطقة الخليج التي هي مازالت موضع خلاف بين مختلف دول العالم!! إن المعارضة الدولية سوف تتزايد مع اصرار الولايات المتحدة على ضرب العراق فالخليج لم يعد منطقة نفوذ الولايات المتحدة وحدها وإنما هناك أطراف عديدة منها دول أوروبية، ودول آسيوية، ودول افريقية، ومنها دول عربية تتصاعد فيها المعارضة الشعبية وضعوط الشركات الصناعية فيها من قيام الولايات المتحدة بضرب العراق لما في هذه الضربة من آثار تدميرية على الاقتصادات العالمية ومنها اقتصادات دول الخليج التي أصبحت تعاني هي الأخرى من ظروف وأوضاع اقتصادية غير مريحة برزت في عجوزات موازين مدفوعاتها وتراجع معدلات النمو وعدم قدرتها على تنفيذ مشاريع التنمية فيها، ثم ان شعوبها ترفض الهيمنة الأميركية، لا سيما في ظل موقف الولايات المتحدة السافر والمعلن. الداعم (لاسرائيل) لتنفيذ مخططاتها التدميرية للشعب العربي الفلسطيني. من ناحية أخرى فان الشركات والفعاليات الاقتصادية في مختلف دول العالم ولا سيما في أوروبا والشرق الأقصى تمارس ضغوطا على حكوماتها وبرلماناتها لاتخاذ موقف معارض من سياسة الولايات المتحدة لضرب العراق لما يشكل ذلك من تهديد مباشر لمصالحها، ولما يعني ذلك من تمكين الولايات المتحدة من بسط نفوذها وهيمنتها على منطقة ذات أهمية كبرى لتلك الشركات والفعاليات، ثم هناك خشية من امتلاك الولايات المتحدة للقرار الاقتصادي الاستراتيجي في العالم من خلال سيطرتها على منطقة الخليج وبالتالي تستطيع الولايات المتحدة من استغلال هذا القرار كعصى اقتصادية تلوح بها في وجه الدول التي لها مصالح مباشرة غير مباشرة في منطقة الخليج. ولقد استفاد العراق من تباين المصالح الاقتصادية واختلاف الأهداف بين دول العالم، ومارس دبلوماسية اقتصادية ترجمها الى توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع بعض دول العالم وعلى رأسها روسيا وفرنسا ليضع مصالح هذه الدول في مواجهة حملة الولايات المتحدة في توجيه ضربة عسكرية له. لم يكن موقف هذه الدول من العراق فحسب وانما تضامنا مع دول مجلس التعاون وبقية الدول العربية والاسلامية الرافضة لقيام القوات العسكرية الاميركية بضرب العراق، خاصة بعد ان تعززت علاقات الدول الاجنبية مع الدول الخليجية خلال السنوات الماضية سواء في صفقات الاسلحة، أو فتح اسواقها للسلع المنتجة في تلك الدول، أو لتدوير استثماراتها تجاه هذه الدول نفسها أو بسبب الاتفاقيات التجارية والاستثمارية مع دول المجلس. ومن هنا تأكد للعالم بأن توتر هذه المنطقة وحدوث أزمات أخرى من شأنه أن يهدد المصالح العالمية كما تأكد للعالم بأن حدوث أزمة جديدة تنجم عن ضرب القوات الأميركية للعراق انما يجسد انتهاكا صارخا للمصالح العالمية وبأن هذه الأزمة لن تكون كأزمة اغسطس 1990 حينما كان هناك اجماع دولي على تحرير الكويت واجبار القوات العراقية بالخروج منها حتى بالقوة العسكرية، وانما سوف يترتب على الازمة الجديدة في الفترة الحالية أو المقبلة شق العالم الى معسكرين أحدهما يضم الولايات المتحدة الاميركية وربيبتها بريطانيا واسرائيل فيما معظم دول العالم أوروبية وافريقية وآسيوية ومنها العربية والاسلامية سوف تصف في معسكر واحد واذا كان الموقف الرافض لضرب العراق من قبل بعض هذه الدول ليس من منطلق انساني واخلاقي ولا يستند الى مرجعية اخلاقية فانه سوف يكون من أجل مصالح استراتيجية ومنافع اقتصادية في المدى القصير والطويل. ولعل بروز سياسيين واقتصاديين أميركيين سواء في الكونغرس الأميركي أو أصحاب الشركات والنفوذ الاقتصادي قد عبروا عن رفضهم لضرب العراق انما يأتي هذا الموقف من منطلق مصالح اقتصادية وتجارية سواء مع العراق أو مع دول خليجية وعربية واسلامية عبرت عن رفضها لضرب العراق. ولكن لماذا اصرار الولايات المتحدة الاميركية على ضرب العراق؟ هل هذا الاصرار من منطلق تخبط في السياسة الاميركية، هل فقدت الولايات المتحدة توازنها من جراء زلزال سبتمبر 2001؟! أم ان ذلك يأتي من منطلق مناورة أميركية دولية لأهداف معينة ترمي إليها وسوف نأتي إليها في الحلقة المقبلة. بقلم: نجيب عبدالله الشامسي

Email