التجارة الحرة وسوق النفط (3), الحروب والأزمات وتأثيرها على مستويات الانتاج

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الحروب واحدة من العوامل الرئيسية التي لها تأثير قوي على اسعار النفط واستقرار اسواقه. وفي خلال السنوات الثلاثين المنصرمة كان الشرق الاوسط محورا للاهتمام العالمي, وسبب ذلك يعود إلى ان هذه المنطقة من العالم تمتلك اكثر من ستين بالمئة من الاحتياطي العالمي للنفط وشهدت هذه المنطقة ثلاثة حروب رئيسية خلال عشرين عاما وكان تأثير هذه الحروب على اسعار النفط وعلى الاقتصاد العالمي اكثر من عنيف. وكانت الحرب الرئيسية الاولى التي اندلعت في هذه المنطق ة هي الحرب العربية الاسرائيلية. فقد بدأت الحرب بهجوم شنته مصر وسوريا على اسرائيل في 5 اكتوبر 1973 ثم ما لبثت ان انضمت معظم الدول العربية الاخرى للحرب. في عام 1972 كان سعر النفط الخام نحو 3 دولارات وبنهاية عام 1974 تضاعفت اسعار النفط 4 مرات لتصل إلى 12 دولاراً للبرميل. وسبب هذه الزيادة السريعة كان الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط على الدول الغربية المؤيدة لاسرائيل وقد قلصت الدول العربية انتاجها بنحو 5 ملايين برميل في اليوم. وكرد فعل لذلك زادت انتاجها واستطاعت تحقيق مليون برميل في اليوم نتج عنها خسارة بلغت 4 ملايين برميل في اليوم استمرت حتى مارس 1974 ومثلت 7 بالمئة من الانتاج العالمي الحر. والحدث الرئيسي الآخر الذي اثر على اسعار النفط كان يتمثل في الثورة الايرانية التي بدأت باحتجاجات الطلاب على نظام الشاه, ثم سرعان ما امتدت عبر البلاد محدثة ثورة شاملة ونتج عن هذه الثورة خسارة 2 ـ 2.5 مليون برميل في اليوم من انتاج النفط الايراني بين نوفمبر 1975 ويونيو 1979 . وفي عام 1980 وقع حدث رئيسي ثالث عندما شنت العراق هجوما على ايران كان بداية لحرب رئيسية في المنطقة. وبسبب هذه الحرب انخفض انتاج النفط الع راقي إلى 2.7 مليون برميل في اليوم والانتاج الايراني بنحو 600 الف برميل في اليوم. وقد ادى تضافر هذين الحدثين إلى زيادة اسعار النفط لاكثر من الضعف لتصل من 14 دولاراً في عام 1978 إلى 35 دولاراً للبرميل في 1981 غير انه بانتهاء الحرب العراقية الايرانية كانت اسعار النفط تقترب من 14 دولاراً والذي كان يمثل رقم البداية لهذه الفترة. وكان غزو العراق للكويت هو الحرب الرئيسية الرابعة التي قامت في هذا الجزء من العالم والتي اعتبرت اكبر نقطة ساخنة والاكثر اهمية للاقتصاد العالمي الحديث. ففي شهر يوليو 1990 قبل شهر واحد فقط من الغزو العراقي, كانت اسعار النفط تبلغ حوالي 20 دولاراً للبرميل وخلال 6 شهور تجاوزت الاسعار حاجز 30 دولاراً للبرميل. وبعد تحرير الكويت دخلت الاسعار مرحلة هبوط ثابت حتى عام 1994 عندما كانت اقل من الرقم المبدئي قبل الحرب. الازمات الاقتصادية وتعتبر الازماتا لاقتصادية عاملا رئيسيا آخر له تأثير ملحوظ على اسواق النفط وتعتبر انهيارات سوق الاوراق المالية اكثر شكلاً ملحوظاً للازمات الاقتصادية التي تؤثر على اسواق النفط. وخلال العقد المنصرم كان انهيار الاسواق الآسيوية عام 1997 هو الاكثر اثارة وعنفا. ووفقا للاحصائيات فإن النتائج الداخلية لهذه الازمة كانت الاسوأ منذ الكساد الامريكي العظيم. ومع كل ذلك فإن الحصيلة الدولية لم تكن اقل مأساوية بأي حال من الاحوال. ومن بين النتائج الاخرى كان تقليص الطلب على البترول اكثر وضوحا وجلاء. وعند اندلاع الازمة في البداية في تايلندا في يوليو من عام 1997 كانت اسعار البترول تبلغ نحو 25 دولاراً للبرميل الواحد. ومع انتشار مشاعر الرعب والخوف في صفوف النمور الآسيوية الامر الذي ادى إلى انخفاض خطير في الانتاج والصادرات والواردات مع حدوث زيادة كبيرة في معدلات البطالة, كانت السوق تواجه هبوطا مضطرد ا في الطلب مصحوبا بقرار من منظمة اوبك يدعو إلى زيادة الحصص بنحو عشرة في المئة لتصل إلى 27.5 مليون برميل في اليوم الامر الذي احدث هبوطا حادا في الاسعار. ومع نهاية السنة كانت اسعار البترول تسعى جاهدة للبقاء فوق 15 دولاراً. المضاربات وعنصر الاثارة تتأثر جميع الاسواق العصرية بما يطلق عليه عنصر الاثارة. ويعني هذا العنصر ببساطة ان عناصر السوق تحمل فائق الحساسية لأي حدث خارجي او تنبؤات, الامر الذي يخلق بيئة سليمة لاولئك الذين يرغبون في الدخول في مخاطرة كبيرة من اجل الحصول على عائدات سريعة وغير مألوفة لاستثماراتهم . وعموما تحدث هذه الظاهرة في الاسواق غير الكفؤة التي تعكس فيها الاسعار الراهنة بصورة تامة جميع البيانات المتضمنة في التاريخ السابق للاسعار , ولكن لا تعكس جميع البيانات الاخرى العامة او التي تمت حيازتها بصورة خاصة في الوقت الراهن. وتتسم اسواق البترول بضعف الفعالية بسبب غياب الشفافية من جراء نقص البيانات الدقيقة والكافية والموثوق فيها. ان الوضع الراهن لسوق البترول يشجع المضاربون على الاستفادة ولعب دور هام في تحديد وزيادة اسعار البترول. وعلى سبيل المثال فإن رودرجويز الرئيس الحالي لمنظمة (اوبك) اعلن مؤخراً ان المضاربات في الوقت الراهن تضيف ما بين دولارين وثمانية دولارات على الاسعار الحقيقية للبترول, وبالاضافة إلى ذلك بسبب الطبيعة, التي يتعذر التنبؤ بها لاسواق البترول فإن اية بيانات او اشاعات ايا كان مصدرها, تترك تأثيرات فعلية على السوق وعليه تؤثر على الاسعار. وكمثال لذلك القرار الذي اعلنه الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون مؤخرا والداعي إلى استخدام 30 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي للبترول الامر الذي ادى إلى هبوط الاسعار من 30.50 دولارا في شهر سبتمبر إلى 24.75 دولارا في اليوم الخامس من اكتوبر على الرغم من ان البترول لن يصل إلى الاسواق قبل ديسمبر من عام 2000 . مستقبل السوق ان مستقبل سوق البترول ليس واضحا كما ينبغي ان يكون. ومع ذلك توجد بعض التحليلات التي تحاول رسم مستقبل سوق البترول. ومن اجل التعرف بصورة اوضح على مستقبل اية سلعة او خدمة يتعين على المرء التنبؤ باحتمالات العرض والطلب الكامنة فيها. توجد العديد من الاحصائيات والتقديرات للاحتمالات المستقبلية لمستقبل العرض والطلب للبترول والتي تجري المحاولات عبرها لوضع تصورات لسوق البترول والاسعار لعشر سنوات او لعشرين او لثلاثين سنة من الآن. وعلى كل فإن معظم هذه الاحصائيات تفتقر إلى الموضوعية والحياد. وتشير دراسة قامت باعدادها (شيفرون) إلى انه على رغم ان الجهود المبذولة من قبل البلدان الصناعية من اجل الحصول على بديل ملائم للبترول الخام كمصدر للطاقة فإن الطلب العالمي الشامل للبترول الخام سيظل في تصاعد متواصل. ووفقاً لهذ ه الدراسة فإن الطلب في البلدان الصناعية سيزداد من 42 مليون برميل في اليوم إلى 52 مليون برميل في اليوم في عام .2010 وهذا يعني ان الزيادة تصل إلى 10 ملايين برميل في اليوم خلال فترة عشر سنوات بمعدل قدره مليون برميل في اليوم خلال السنة , وهذا بعد وضع الاعتبار ل لمزايا التكنولوجية التي تزيد من جدوى الانتاج واستخدام الطاقة بصورة كفؤة وفعالة. وفي حالة استمرار هذه النتائج فإن الارقام ستتجاوز 60 مليون برميل في اليوم في عام 2015 وكذلك ستتجاوز 70 مليون برميل في اليوم في عام .2020 ومع ذلك تبين بعض التحليلات استقرار الطلب عند 65 مليون برميل في اليوم نتيجة للمزايا التكنولوجية ومعدلات نمو السكان والسياسات الاقتصادية. وفي البلدان النامية فإن الزيادة في الطلب تسجل معدلات مثيرة. وتتنبأ هذه الدراسة بان الزيادة في الطلب في هذه البلدان ستقفز من 32 مليون برميل في اليوم خلال عام 2000 إلى 40 مليون برميل في اليوم في عام 2005 .ومع نهاية العقد من المتوقع ان يتجاوز الطلب في هذه البلدان رقم 48 مليون برميل في اليوم في عام 2010. وهذا يعني ان متوسط الزيادة في الطلب ستبلغ على وجه التقريب 1.6 مليون برميل في اليوم سنويا. ومع معدلات النمو السكاني في الوقت الراهن من المحتمل ان تتصاعد الزيادة في الطلب إلى 72 مليون برميل في اليوم عند نهاية العقد الثاني , ومع الاخذ بالاعتبار الصعوبات الاقتصادية التي تواجه هذه البلدان خلال جهودها الرامية إلى تحسين بنيتها الاقتصادية, فإن التأثيرات ستكون مأساوية اذا لم تن جح في توفير احتياجاتها من البترول باسعار معقولة الامر الذي يؤثر لا محالة على الاقتصاد الدولي. وبتجميع الارقام في الحالتين فإن الطلب العالمي على البترول الخام سيزداد من 80 مليون برميل في اليوم في عام 2000 إلى 90 مليون برميل في اليوم في عام 2005. وفي حالة اس تمرار هذه الحالة فإن الطلب سيخترق حاجز 100 مليون برميل في السنة خلال عام .2010 ومن المتوقع ان يصل الطلب الاجمالي نحو 130 مليون برميل في اليوم في عام 2020.

Email