فرص متزايدة أمام الاستثمار الاجنبي بليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل من أهم اهتمامات الدول النامية خلال العقود الثلاثة الأخيرة التي تتعلق بكيفية تشجيع الاستثمار الاجنبي بها وتقديم الحوافز الممكنة بها أصبح الكثير منها يتنافس على تقديم تسهيلات وحوافز أكثر استقطابا للاستثمارات. ومن خلال بعض الاحصائيات المنشورة لاحظنا انه قد ارتفع نصيب الدول النامية في السنوات الأخيرة من تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر الى حوالي 29% من المجموع العالمي للاستثمار الأجنبي الذي بلغ متوسطه 200 مليار سنوياً خلال السنوات الأخيرة. ومن المتوقع ان يصل نصيب الدول النامية من اجمالي الاستثمار الى أكثر من 50% خلال السنوات المقبلة وذلك اذا ما أخذنا في الاعتبار انفتاح بعض الدول النامية على مبدأ الاستثمار الاجنبي بالاضافة الى محدودية الفرص الاستثمارية المتاحة في بعض الدول المتقدمة بشكل عام وكذلك وجود إمكانية طبيعية وبشرية هائلة في بعض الدول النامية يمكن ان تكون حافزاً كبيراً لتدفق الاستثمار الاجنبي. ولتحقيق ذلك دأبت مختلف دول العالم على المضى قدماً في تشجيع المستثمر الاجنبي للخوض في مجالات استثمار معينة وهيأت له البنية والبيئة المحلية بشكل كبير وخاصة فيما يتعلق بالموافقة السيادية من حيث المبدأ على تدفق الاستثمار الاجنبي للدول وأيضا سهلت الكثير من السياسات والعوامل الاخرى الهامة والتي تعتبر حافزاً رئيسياً للاستثمار الاجنبي ومنها. ــ التسجيل والملكية, البنية الاساسية وملكية الارض, سياسات التجارة والنقد, الضرائب والحوافز, أسواق رأس المال, مصادر التمويل المتوفرة, العمالة والسياسات الادارية والحماية القانونية. وبالرغم من وجود بعض السلبيات التي تصاحب تدفق الاستثمار الاجنبي إلا ان معظمها حقق ايجابيات كبيرة تتعلق بالعمالة واستغلال مواردها الطبيعية وتحسين مستوى دخل الفرد بها اضافة للحصول على موارد اخرى للنقد الاجنبي. ويمكننا القول بأن الاستثمار الاجنبي في بعض الدول كانت له مزاياه ولكن لايجب ان ننسى بعض السلبيات وهي على سبيل المثال: ــ الاستغلال السىء للموارد الطبيعية وبشكل ينم على حقيقة هامة وهي ان المستثمر لايهمه بأي حال من الأحوال الحرص على الاحتياطي للدولة المضيفة من الموارد الطبيعية وترشيد استخدامها واستغلالها الاستغلال الأمثل بل كل ما يهمه هو تحقيق أكبر ربح ممكن وبأسرع ما يمكن. ــ سيطرة رأس المال الاجنبي في عدد من الدول المضيفة للاستثمار على مقدرات تلك الدول بل امتد تأثيره المباشر الى توجيه سياسات الدول وتحقيق مكاسب المستثمرين السريعة. أما بالنسبة للاستثمار في ليبيا وفيما يتعلق بتدفق الاستثمار الاجنبي نلاحظ بأن ليبيا بدأت الاهتمام بهذا الموضوع في وقت متأخر جداً وكان اهتمامها لا يتعدى اصدار القانون رقم 5 لسنة 1997 م بشأن تشجيع الاستثمار ورأس المال الاجنبي ولم يتم حتى الآن تنفيذ مشاريع استثمارية باستثناء مشروعين تقريبا مما يدل على ان ليبيا لم تهتم حتى الآن بالاستثمار الاجنبي ولعل السبب الرئيسي يتعلق بمدى قبول الليبيين بالاستثمار الاجنبي من حيث المبدأ ام لاشك بأنه خلال السبعينيات والثمانينات لم تكن تفكر بتدفق المال الاجنبي لعدم حاجتها إلى المال حيث ان الموارد النفطية كانت هي الغطاء التمويلي لمعظم المشروعات الاستراتيجية والمصانع الكبيرة انتهاء بالنهر الصناعي. وكان يعتقد ان الاستثمار الاجنبي مرادف لفقدان السيادة الوطنية مع معطياتها الاخرى المتعلقة بتأثيره السلبي على ثقافتنا ناهيك عن الهاجس الامني الذي عاش ولا يزالا مسلطاً على عنق الاستثمار الاجنبي. ولعل ليبيا تدرك الآن انه لا يمكن الاعتماد على النفط بشكل دائم ومستمر كقوة خارقة تمكننا من استغلال مواردنا الطبيعية الاخرى وخاصة بسبب هبوط اسعاره من حين لآخر وتحكم التقنية والشركات الاجنبية في انتاجه بالشكل وفي الوقت الذي يلائمهم. وخلال سنوات الحصار على ليبيا والتي حدت بشكل كبير امكانية استخدام هذا المورد الاساسي وربما الوحيد ايضا, ولا يجب ان ننسى دور العولمة وما يتطلبه الامر من اندماج في فضاءات اقتصادية مؤثرة وفاعلة. كل هذه العوامل جعلت ليبيا اخيراً تهتم وتتعامل مع مبدأ تدفق الاستثمار الاجنبي في ليبيا بشكل ايجابي والذي تمخفض عنه صدور القانون 5 لسنة 1997م. بهدف الضمانات المشجعة لتدفق رأس المال الاجنبي والتي اهمها:ـ ــ اعفاء المشروع من ضرائب الدخل عن نشاطه لمدة خمس سنوات. ــ اعفاء الآلات وقطع الغيار والمواد الأولية اللازمة من كافة الضرائب والرسوم المفروضة. ــ ضمان عدم تأميم المشروع او نزع ملكيته الا بعد حكم قضائي. ــ السماح بتحويل صافي الارباح سنويا للخارج, وغيرها من المزيا. وفي اطار قانون الاستثمار في ليبيا وصدور عدة قرارات من المؤتمرات الشعبية بصدد هذه المزايا والضمانات والاجراءات التي من شأنها تسهيل انسياب الاستثمار الاجنبي لليبيا لم تتمكن ليبيا حتى الآن من بداية هذا الموضوع بل وصل الأمر الى ان الهيئة المناط اليها بالاستثمار والاشراف عليه لم تخصص لها ميزانية للقيام بواجبها, ولم تجد تعاونا مع الجهات المعنية للوصول الى تحقيق الغاية حتى لو بشكل تدريجي. ولذلك فهيئة تشجيع الاستثمار عليها تنشيط مساعيها للقيام بدورها في تشجيع وتدفق الاستثمار الاجنبي الى ليبيا ولعل المقترحات التالية يمكن ان تكون اطارا عاما لتدفق الاستثمار الاجنبي بحيث يمكن الاستفادة منها بشكل علمي مدروس. أولا: أولويات الاستثمار الاجنبي في ليبيا. ــ المصانع القائمة والتي تعاني من مشاكل تتعلق بتقادم خطوات الاتباع والتسويق وعدم توفر رأس المال العامل والحاجة الى استيراد تقنية جديدة متطورة. ــ القطاع السياحي: لاشك ان ليبيا تتميز بوجود مقومات سياحية مهمة يمكنها ان تستقطب سوق الراغبين في القيام بهذا النوع من الاستثمارات اذا ما توفرت بعض الظروف. ــ قطاع الصيد البحري: حيث ان ليبيا تتمتع بساحل متوسطي طويل وبالتأكيد هناك استثمارات في هذا المجال. ــ استخراج المواد الأولية الطبيعية وهذا يجب ان يتم تحديده بشكل علمي بالاخذ في الاعتبار المخزون والاحتياطات, وتوافر البنية التحتية, والتقنية اللازمة وسبل استيرادها ويجب ان يلتزم المستثمر الاجنبي في هذه الحالة بإقامة صناعات تحويلية بليبيا وكذلك ضمان وجود اسواق لتصريف هذه الخامات والمنتجات. ــ القطاع الزراعي: بالتحديد المشاريع العامة المتوقفة عن الانتاج وكذلك الاستثمار في مشاريع النهر الصناعي الزراعي. ثانيا: استقرار السياسة الاقتصادية: ان تغيير السياسات الاقتصادية صفة تميز العديد من الدول النامية, وتتمثل السياسات الاقتصادية في السياسة النقدية والمالية وسياسات التجارة الخارجية والسياسات الضرائبية والجمركية والاقراض الخارجي. وغالبا ما تخضع عمليات السياسات النقدية والمالية التي تهم المستثمر دائما للتغيير المستمر من حيث اسعار الصرف والتي تسبب اضطرابا في كافة العمليات الاستثمارية ولابد من تحديد سياسات مستقرة واضحة المعالم فيما يتعلق بسياسات الصرف وسياسات الضرائب والجمارك. ولابد ان تغير اسعار الصرف من وقت لآخر وبدون مبررات اقتصادية يجعل من الصعوبة بل من المستحيل على المستثمرين الأجانب القبول بالتعامل على اساس سعر صرف غير مستقر ويتغير بشكل كبير وسريع, لذا يجب: أولا: تحديد سعر صرف ثابت ومستقر حتى وان خضع لتغييرات فيجب ان تكون محدودة ومبررة. ثانيا: التركيز على مبدأ المشاركة مع المستثمر الاجنبي كلما امكن ذلك ويجب ان تترك المشاركة للقطاع العام والخاص معا. ثالثا: يجب عدم الاصرار على تشغيل العمالة الليبية وبشكل مكثف من جانب المستثمر وذلك نظرا لارتفاع تكلفتها احيانا وانتاجها المحدود, المهم الزام المستثمر بتدريب عناصر ليبية واعطاء الفرصة الكاملة للاختيار. رابعا: يجب تسهيل الاجراءات المصاحبة للاستثمار من خلال اجراءات التأشيرات والجوازات والجمارك والضرائب ويقترح تكوين اقسام متخصصة بالتعامل مع المستثمرين الاجانب في كل الجهات والابتعاد عن البيروقراطية الادارية المزعجة للاستثمار الاجنبي بشكل عام. خامسا: لايجب اعتبار وضع الهاجس الامني هو المسيطر دائما وفي اطار العولمة واندماج الفضاءات على موضوع المستثمر الاجنبي والتي لامكان لها اليوم. سادسا: من اهم المشاكل التي تعانيها الدول النامية مشكلة التسويق لمنتجاتها بالرغم من جودتها وقلة اسعارها وذلك لعدم وجود شركات متخصصة في التسويق وخاصة ان التسويق اصبح الآن صناعة مهمة ولها علاقة مباشرة بنوعية السلعة, ودراسة السوق وسبل الدعاية لها. وطبعا لما هو موجود حاليا في ليبيا, ان كثيرا من المصانع تعاني من مشكلة تكدس الانتاج وعدم استطاعتها تسويق منتجاتها خارج الشركات الاجنبية والمتخصصة في مجال التسويق وكذلك فتح اسواق عالمية لتصريف المنتجات الليبية والتعريف بها. ولابد من التعامل مع مبدأ تدفق الاستثمار الاجنبي بشكل ايجابي آخذين في الاعتبار الحفاظ على السيادة الوطنية ولابد من الاندماج في الاقتصاديات العالمية في ظل العولمة ولابد من الاستفادة من الموارد الطبيعية الليبية آخذين في الاعتبار المصالح والمنافع المشتركة.

Email