غياب الوعي الاستثماري لدى المستثمرين يؤدي الى عدم الثقة في السوق, تباين القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار بين الامارات يؤثر سلباً على المناخ الاستثماري _ الحلقة الرابعة _ تأليف: د. نجيب عبدالله الشامسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعاني المجتمع المالي والاقتصادي في الإمارات من ضعف الوعي الاستثماري لدى الشريحة الكبرى من المستثمرين المواطنين والذين يحق لهم بموجب القانون تأسيس شركات المساهمة أو تداول أسهمها, ولقد تأكد ذلك من خلال الطفرة التي حدثت خلال السنوات الاخيرة الماضية ومن مظاهر ضعف الوعي الاستثماري: أ ـ توجه المستثمر نحو المضاربات في سوق الاسهم والاستثمارات محدودة الأجل. ب ـ غياب دراسات الجدوى الاقتصادية وأهميتها لدى المستثمرين في الإمارات وذلك عند تأسيسهم أو المساهمة في الشركات المساهمة أو عند إنشاء المشاريع التجارية والاستثمارية كالمصانع والشركات. مع عدم اهتمام المستثمر في الإمارات بالأبحاث الاقتصادية التي تحدد الآفاق المستقبلية للاقتصاد الوطني والعالمي, وكذلك لحركة الاستثمارات المحلية والعالمية. ج ـ إن قناعة الشريحة الكبرى من المستثمرين المواطنين في الإمارات عند شرائهم أو المساهمة في تأسيس شركات المساهمة تستند في تحقيقهم لعائد مالي من المضاربات في بيع وشراء الأسهم, وليس من منطلق معرفتهم الدقيقة بمدى قدرة هذه الشركة أو تلك على العمل والإنتاج أو النجاح في السوق أو قدرتها التشغيلية.. ولعل ما يؤكد ذلك هو الغياب الواضح الذي تسجله هذه الشريحة في اجتماعات الجمعية العمومية للشركات المساهمة, ثم عدم متابعتهم لحقيقة سير العمل في هذه الشركات من خلال التقارير السنوية والميزانيات السنوية. د ـ إن إقبال المستثمرين المواطنين على شراء أسهم الشركات المساهمة والمؤسسة في الإمارات ليس من منطلق قناعتهم بأهمية الدور الذي يمكن أن تساهم به هذه الشركات في الاقتصاد الوطني, وليس من منطلق ثقتهم في مدى نجاح هذه الشركات في تحقيق أرباح وعائد للأسهم التي يمتلكونها, وإنما يعزى ذلك الإقبال لكون هذه الشركات مدعومة أو مؤسسة من قبل الحكومات المحلية ولاسيما حكومتي أبوظبي ودبي أو إن نسبة المساهمة الحكومية في هذه الشركات عالية. هـ ـ إن الهيمنة الواضحة لرأس المال الأجنبي في القطاعات الاقتصادية والتي تستوعب الاستثمارات قصيرة الأجل ولاسيما قطاعات الخدمات والتجارة والعقارات تؤكد ضعف الوعي الاستثماري لدى شريحة المستثمرين المواطنين الذين يمثلون دور الشريك الصوري أو الشريك (النائم) نظير مكافأة سنوية في نهاية كل عام, فيما يسيطر المستثمر الأجنبي على سوق القطاعات تلك ويحقق أرباحاً قياسية وخلال فترة محدودة, ويكتسب ثقة السوق وخبرة ودراية ومعرفة أكبر بسوق الامارات. إن غياب أو ضعف الوعي أو الثقافة الاستثمارية لدى شريحة المستثمرين المواطنين في ضوء الاعتبارات السابقة الذكر يؤدي إلى ثغرة كبيرة في سوق الإمارات, ويوجد ضعف واضح في المناخ الاستثماري يفضي إلى عدم الثقة في سوق الاستثمار بالدولة لاسيما حينما تقوم شريحة من المستثمرين الأجانب بالعبث في سوق الامارات مستغلة ضعف الضوابط القانونية وضعف الوعي الاستثماري, حيث أكدت المظاهر أو الاحداث الاخيرة مدى خطورة التجاوزات والممارسات التي قام بها عدد من المستثمرين والتجار الأجانب الذين استغلوا هذه الضعف ولاسيما عند شركائهم المواطنين الذين أصبح البعض منهم يتحمل نتيجة مشاركته الصورية للمستثمر الأجنبي حينما يتكبد مبالغ ضخمة بعدما يهرب المستثمر الأجنبي إلى خارج الحدود. وفي ضوء ما سبق فإن الامر يحتاج إلى معالجة فعلية وحقيقية بالعمل على توعية الناس بأهمية الاستثمار والفرص الاستثمارية والواجبات المنوطة بهم ومعرفتهم بحقوقهم, ويتم ذلك من خلال تطوير آليات سوق الاستثمار وأدوات التمويل. وإنشاء شركات مساهمة تتميز بالقدرة التشغيلية, والكفاءة الإنتاجية في إنتاج سلع وخدمات ذات مستو عال من الجودة تعزز من ثقة المتعاملين في شركاتنا الوطنية سواء كمساهمين أم مستثمرين أم مستهلكين لمنتجات تلك الشركات وهذا من شأنه أن يعزز الثقة لدى الشركات نفسها في مواجهة الشركات والمصارف العالمية. كذلك فإن الأمر يتطلب استحداث أدوات مالية في السوق المالية غير أسهم الشركات خاصة بعدما أصبحت هذه الأسهم محتكرة من قبل شريحة محدودة من المستثمرين المواطنين. حيث تكون حركة التداول محدودة كما نلاحظها حالياً في سوق الامارات, فضلاً عن درجة المخاطر التي قد تنتج نتيجة هذا الاحتكار!! إن الوعي الاستثماري أو الثقافة الاستثمارية المطلوبة تحتم أهمية معرفة المستثمرين المواطنين والأجانب بالقوانين والتشريعات التي تحدد طبيعة الاستثمارات والالتزامات وتضمن حقوق الأطراف وهذا يتم من خلال قيام المؤسسات والجهات الاقتصادية الاتحادية والمحلية متعاونة من أجل مراجعة القوانين المنظمة للشركات والاقتصاد وخاصة قانون الشركات وقانون الوكالات التجارية, ووضع قانون حول الاستثمار الأجنبي والتعريف بطبيعة وفرص الاستثمار في الإمارات. إن القيام بذلك مع وضع اللوائح والأنظمة المفسرة لمواد القوانين وبنودها هو من مسئولية الجهات الاقتصادية التي يجب أن تعمل على ترسيخ القوانين والتشريعات وتطوير آلياتها ومتابعة تطويرها لتكون مواكبة لحركة الاستثمار في العالم, وبالتالي فإن هذا سوف يؤدي إلى تعزيز ثقة المستثمرين في سوق الإمارات, ويؤدي إلى استقرار رؤوس الأموال في السوق المالية بالدولة. غياب المسوحات عن الفرص الاستثمارية لقد اشرنا في سياق تناولنا لمقومات المناخ الاستثماري في الإمارات إلى وجود فرص استثمارية وإمكانيات وموارد طبيعية تؤكد على حقيقة ذلك سواء في القطاعات الانتاجية أم القطاعات الخدمية وعلى مختلف الامارات والمناطق, الا أن ذلك لم يدفع المؤسسات الاقتصادية ومنها الدوائر الاقتصادية إلى القيام بمسوحات على مستوى الإمارات والمناطق لتحديد حجم وطبيعة تلك الفرص الاستثمارية وذلك من خلال دراسات وبحوث ميدانية تقدمها للمستثمرين وتطالبهم وتشجعهم على استغلال هذه الفرص أو تلك, لذلك فإن الساحة الاقتصادية تعاني من عدم المعرفة بحقيقة تلك الفرص الاستثمارية المتاحة, وكذلك يعاني المستثمرون الراغبون بالاستثمار في الإمارات سواء المواطنين أم المقيمين من جهلهم بطبيعة التسهيلات والمزايا المتوفرة والحوافز التي تقدمها الجهات المعنية بهدف تشجيع حركة الاستثمار والمستثمرين في الدولة لتأسيس أو المساهمة في تأسيس شركات ومؤسسات تعتمد على الاستفادة من تلك الفرص والإمكانيات والموارد المتاحة, لاسيما تلك التي تتطلب استثمارات طويلة الأجل والتي تعني ترجمتها إلى وحدات إنتاجية لتغطية متطلبات الطلب المحلي من السلع والخدمات ويمكن تصدير الفائض منه إلى الأسواق المجاورة. إن إبراز تلك الفرص الاستثمارية من خلال المسوحات التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات الاقتصادية من شأنه أن يعرّف المستثمرين ويتيح أمامهم مجالات وآفاق لتوظيف أموالهم في استثمارات طويلة الأجل وذلك بدلاً من الدخول في مضاربات على الأسهم أو احتكار أسهم الشركات تضر بالسوق المالية وبالاقتصاد الوطني. إن توجيه حركة رأس المال الوطني نحو الفرص الاستثمارية يتطلب أيضاً قيام الدولة والحكومات المحلية بإعطاء حوافز للاستثمار الوطني من خلال توجيه المؤسسات العامة والخاصة نحو شراء إنتاج هذه الشركات التي تلتزم بدورها بمعايير الجودة والقدرة على المنافسة, كما يتطلب من قبل الدولة توجيه جهات الترخيص كوزارة الاقتصاد بالتنسيق مع الدوائر الاقتصادية المعنية في الإمارات لمنع حدوث الازدواجية في المشاريع الاستثمارية. إن القرار الاستثماري يعتمد على توفر الفرص الاستثمارية, ثم القدرة التسويقية وهذان الجانبان يعتمدان بالاساس على حجم المعلومات والبيانات الدقيقة التي تتصف بالشفافية والتي تقدمها مراكز البحوث والدراسات التابعة للدوائر والمؤسسات الاقتصادية المعنية بالتنمية الاقتصادية في الدولة, وعلى الرغم من وجود هذه الدوائر والمؤسسات بالدولة إلا انها فقيرة من حيث المعلومات والبيانات التي يفترض توفيرها للمستثمر المحلي أو الأجنبي على السواء رغم أهمية تلك المعلومات والبيانات لكونها الخطوة الأولى نحو التعريف بالفرص الاستثمارية وتشجيع المستثمر على تحريك رأسماله نحو المشاريع المطلوبة. في ضوء ذلك فإن المؤسسات الاقتصادية (دوائر التنمية الاقتصادية, وزارة الاقتصاد, غرف التجارة والصناعة واتحاد الغرف, المصرف الصناعي, وزارة التخطيط....) مطالبة بالعمل على إنشاء شبكة مشتركة تتضمن المعلومات والبيانات الدقيقة والعلمية حول الأوضاع الاقتصادية في الإمارات ونوع وحجم وطبيعة الفرص الاستثمارية المتاحة أو المتوفرة في مختلف الامارات أو القطاعات الاقتصادية خاصة القطاعات التي تتطلب استثمارات طويلة المدى. إن نجاح سوق الامارات للأوراق المالية مرهون بمدى توفر تلك المعلومات والبيانات وبمدى قناعات المؤسسات المعنية بالترويج للفرص الاستثمارية ونشر المعلومات والبيانات التي تتسم بالشفافية العالية عن حقيقة الأداء الاقتصادي ودراسات الجدوى (المجانية) التي يمكن أن تقدمها للمستثمرين المواطنين والأجانب بهدف تشجيعهم على الدخول في مشاريع استثمارية الهدف منها تحقيق تنمية اقتصادية في الدولة. تباين أنظمة ولوائح الاستثمار على الرغم من وجود القوانين والتشريعات الاقتصادية الإتحادية ومن ضمنها قانون الشركات التجارية, إلا أن هناك تبايناً واضحاً في توجهات الإمارات وسياساتها الاستثمارية ترتب عليه تبايناً في الأنظمة واللوائح المنظمة والمسيرة للاستثمار الوطني والأجنبي على مستوى الإمارة الواحدة. وإذا كان أحد أسباب هذا التباين يعود بالاساس إلى طبيعة الأنشطة الاقتصادية لكل إمارة ونوعية الموارد المتوفرة فيها فإن ذلك لا يعني أحقية كل إمارة في اتخاذ سياسات وأنظمة متباينة ومتناقضة في بعض الأحيان مع قوانين الدولة وتشريعاتها, ومع سياسات الدولة وتوجهاتها, وإنما يؤكد ذلك على النظرة الضيقة والاقليمية التي تحدد مسارات الاستثمارات والتنمية في الدولة بل وتعطل مسيرة التنمية. لقد أكدت السنوات التسع والعشرين الماضية على غياب التنسيق الاقتصادي بين الإمارات فكان لها آثارها السلبية على معطيات الاقتصاد, وتكاد تكون السياسات الاقتصادية منفصلة عن بعضها البعض, بل متناقضة مع سياسات الدولة, ناهيك عن وجود قرارات وقوانين اقتصادية محلية تتعارض في بنودها وموادها مع تشريعات الدولة الاقتصادية وكان لتلك التباينات على صعيد التشريع أو السياسات الآثار المباشرة على أوضاع الاقتصاد والمناخات الاستثمارية في الإمارات حيث لم تراع تلك السياسات المحلية مفهوم العمل الاقتصادي المشترك, وكان لتلك السياسات الاقتصادية المنفصلة الأثر في حدوث إزدواجية المشاريع, وحدوث تشوهات اقتصادية للبناء الاقتصادي وعطلت المشاريع المشتركة وخاصة الخطة التنموية الخمسية ( 81 - 1985 ). وقد اعتمدت الإمارات في سياستها وقراراتها تلك على ما نص عليه دستور الدولة من أحقية كل إمارة من الإمارات المكونة للدولة الإتحادية في إدارة شئونها الداخلية والمالية الأمر الذي جعل كل إمارة تشرع سياساتها الاقتصادية والاستثمارية بمعزل من التنسيق مع بقية الإمارات أو مؤسسات الدولة, وتكاد تكون تلك السياسات منفصلة عن السياسات الاقتصادية المحلية ومتناقضة مع سياسات الدولة الاقتصادية والاستثمارية. إن تغليب مصلحة الإمارة الواحدة على حساب مصلحة الدولة هو أمر قد يحقق نجاحاً مؤقتاً أو في المدى القصير للإمارة, ولكن ذلك لن يستمر إلا في ظل سياسة اقتصادية موحدة على مستوى الدولة, فهذا التغليب المصلحي لإمارة ما من شأنه أن يترك آثاراً سلبية على مسيرة الأوضاع الاقتصادية في الدولة ككل وذلك على المدى الطويل, فيما يتطلب الأمر تحقيق تكتل اقتصادي فعلي يتم وفق صيغة واحدة وفاعلة تغلب فيها مصلحة الدولة على مصلحة الإمارة على الرغم من منح الدستور الأحقية لكل إمارة بإدارة شئونها الداخلية, ولابد في ضوء ذلك الإسراع في معالجة التنافر القائم فيما بين الإمارات سواء في السياسات أم الخطط أم التوجهات, ولابد من العمل على تعزيز الوحدة الاقتصادية وتطوير آليات السوق من خلال تبني استراتيجية اقتصادية واحدة تحقق الاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزز من وضع الدولة في مواجهة التحديات. إن الاختلاف في طبيعة الأنشطة الاقتصادية ونوعية الموارد لا يدعو إلى تباين القوانين أو الانظمة بقدر ما يدفع إلى تحقيق التكامل والتنسيق فيما إذا كانت هناك استراتيجية تنموية واحدة على مستوى الدولة الاتحادية لا على مستوى كل إمارة على حدة, هذا على الرغم من أن التخطيط الاقتصادي والتنموي على مستوى الإمارة الواحدة مطلوب أيضا ولكن يجب أن يكون منسجماً ومتسقاً وأهداف الاستراتيجية الاقتصادية العامة للدولة ووفق آليات وأنظمة وقوانين تؤكد توجهات الدولة وتعزز من خطط التنمية الفرعية التي تصب أهدافها في إطار الخطة العامة للدولة. إن وجود خطة عامة أو استراتيجية للدولة, وفي اطار هذا التوجه يشكل جزءاً مهماً في تنمية الوعي الاستثماري نحو تكاملية الاستثمار ,ونحو وضع سياسة استثمارية موحدة على مستوى الدولة ,وهذا من شأنه أن يمكّن رأس المال أو الاستثمار من أن يتحرك بانسيابية في البناء الاقتصادي سواء على مستوى الإمارة الواحدة أم مستوى القطاع الواحد, فهناك أموال متراكمة لدى شريحة من رجال الأعمال والفعاليات الاقتصادية تتجه نحو المضاربات في الأسهم في الإمارات وخارجها, في الوقت الذي توجد في الإمارات فرص استثمارية واعدة وامكانيات وموارد طبيعية تحتاج إلى رأس المال أو الاستثمار لتحقق عائداً جيداً للاستثمار وتعزز من وضعية الاقتصاد وتساهم في تنمية الاقتصاد والمجتمع. إن التباين القائم بين الإمارات سواء في السياسات أو الخطط أو التوجهات ترتب عليه تباين واضح في الانظمة والقرارات واللوائح المنظمة لمسيرة الاستثمار أو التنمية في كل إمارة وبالتالي في الدولة وهذا أدى إلى غياب الوعي الاستثماري. فيما أدى عدم وجود استراتيجية التنمية الاقتصادية أو التخطيط على مستوى الدولة إلى انقطاع العلاقة بين رأس المال الوطني والفرص الاستثمارية المتاحة أو المتوفرة في الدولة, وقد كان لغياب هيئة استشارية أو مؤسسة دراسات أحد عوامل غياب هذا الوعي وإلى عدم تعرف المستثمر إلى حقيقة الفرص الاستثمارية في الامارات. لقدكان لقرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي بتشكيل لجنة تطوير المناخ الاستثماري بالدولة وذلك في مطلع عام 1997 الأثر الكبير في الساحة الاقتصادية وحظى بترحيب الفعاليات الاقتصادية على مستوى الدولة. وقد برزت أهمية القرار آنذاك كونه جاء ليعالج ضعفاً واضحاً وقائماً يعاني منه المناخ الاستثماري في الدولة, وجاء هذا القرار كضرورة تمليها طبيعة البناء لمستقبل الاقتصاد الوطني, حيث حتمية تشخيص الواقع الاقتصادي وتحديد أوجه الخلل ومواطن الضعف فيه, ثم تحديد مصادر القوة ثم معالجة هذا الضعف أو هذا الخلل وذلك وصولاً نحو آفاق اقتصادية رحبة ومؤكدة لسلامة مستقبل الاقتصاد الوطني. إنه على الرغم من أهمية هذه اللجنة إلا أننا لم نسمع أو نقرأ عن أية خطوات تنفيذية قد اتخذتها لتفعيل دورها على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تشكيلها. ومن هنا فإن تفعيل هذه اللجنة وإحيائها يشكل أهمية كبيرة وضرورة تحتمها المرحلة المقبلة, ولعل أهم الخطوات التي يمكن أن تبدأ بها هذه اللجنة هي تحديد أسباب التباين في قوانين وأنظمة الاستثمار على مستوى الدولة, والمعوقات التي تعرقل حركة الاستثمار وحركة الأيدي العاملة بين إمارات الدولة, ثم العمل بجدية على تذليل تلك المعوقات وإزالة كل ذلك التباين, ثم التأكيد على إقامة المشاريع الاستثمارية والإنتاجية ذات الحجم الكبير التي تتطلب كثافة رأس المال والتي من شأنها ان توجد قاعدة إنتاجية كبيرة, وتعزز من وجود الاقتصاد البديل أو المساعد لاقتصاد النفط, وتوجد تكاملاً اقتصادياً بين إمارات الدولة. البيروقراطية والروتين لعل أهم سمات المناخ الاستثماري المشجع للاستثمارات سواء الوطنية أم الأجنبية هو انسيابية الحركة وسهولة الإجراءات, فالاستثمار يعتبر حساساً جداً من تعقيد الإجراءات وهو دائم البحث عن البيئة الاستثمارية المتطورة لاسيما بعدما ألغت التقنية أو التكنولوجيا الكثير من الإجراءات الروتينية واختزلت زمن الاجراءات, وأضعفت من سلطة البيروقراطية الادارية وخاصة في البيئات الاقتصادية للدول التي تتميز بالحرية الاقتصادية وسهولة اجراءات الترخيص أو التجديد. والإمارات العربية المتحدة على الرغم من سياسة الحرية الاقتصادية التي تنتهجها والتي سبق الإشارة اليها قد بذلت جهوداً للحد من تأثيرات البيروقراطية والروتين سواء على مستوى المؤسسات الاتحادية أو الدوائر المحلية, إلا أن تلك الجهود لم تثمر عن خطوات ايجابية في معظم إمارات الدولة, فمازالت جهات الترخيص كثيرة ومتعددة, ومازالت إجراءات بعض تلك المؤسسات عقيمة ومعطلة للحركة والجهد والوقت الذي يبذله المستثمر عندما يباشر في إصدار ترخيص لمؤسسة أو لشركة, أو عند تجديد رخصته التجارية, حيث تتعدد الجهات المطلوب منه أن يطرق أبوابها فهناك وزارات, مؤسسات, دوائر محلية واتحادية, ذات صلة بمشروعه أو شركته, فإذا كانت جهة الترخيص الأولى هي وزارة الاقتصاد والتجارة مثلاً فإن على المستثمر أن يطرق أبواب دوائر ومؤسسات أخرى (غرفة التجارة, البلدية, هيئة أو دائرة الكهرباء والماء, الاتصالات, الدفاع المدني.. ثم وزارة العمل والشئون الاجتماعية, أو إدارة الهجرة لتغطية حاجته من العمالة). إن تعدد الجهات وفي ظل تباين الأنظمة حسبما أشرنا إليه, ومع تعدد الإجراءات الروتينية والبيروقراطية من شأنها أن تعطل المستثمر وتضّيع وقته وجهده وسط دهاليز هذه المؤسسات والدوائر, وبالتالي تضعف من رغبة المستثمر وحماسه للاستثمار في هذه الإمارة أو تلك, لاسيما إذا كانت رغبته في فتح فرع لشركته أو مؤسسته حيث الإجراءات طويلة لأنها تخضع لأنظمة متباينة, لذا فإن هذه الإشكاليات المعطلة والمعرقلة لحركة الاستثمار تتطلب جهوداً من قبل الدولة بأجهزتها المختلفة ودوائرها المتعددة للعمل على تذليل المعوقات, وتسهيل الإجراءات من خلال تحديد جهة واحدة كالدوائر الاقتصادية التابعة للإمارة المحلية تعتمد الموافقات وتتخذ الإجراءات من خلال وجود مندوبين لتلك الجهات والمؤسسات مفوضين باتخاذ القرارات واعتماد الموافقات وذلك مع أهمية توحيد الأنظمة الإدارية واللوائح التنظيمية التنفيذية المنظمة لترخيص المشاريع الاستثمارية, وكذلك في ظل وجود شبكة الكترونية بين الوزارات والجهات المعنية من شأنها أن تذلل كل تلك المعوقات وتوحد الأطر واللوائح وتعمل على تبسيط الإجراءات أمام المستثمر وحركة الاستثمارات. المنافسة الإقليمية على الاستثمارات لقد كان قرار حكومة دبي الذي اتخذته خلال الربع الاخير من عام 1999م بإلغاء وتخفيض رسوم البلدية من 10% إلى 5%, وكذلك رسوم غرفة تجارة دبي على مستلزمات النشاط التجاري بمختلف أشكاله قد شكل خطوة جيدة نحو تعزيز النشاط التجاري والاستثماري ودفع مسيرة التنمية الاقتصادية في الإمارات عامة ودبي خاصة, كما كان لهذا القرار الأثر الإيجابي في تعزيز القدرة التنافسية لإمارة دبي تحديداً والإمارات عامة في ظل منافسة محتدمة على الصعيد الإقليمي والعربي والدولي من أجل استقطاب رؤوس أموال واستثمارات أجنبية, لاسيما وأن دبي قد أصبحت مركزاً تجارياً متميزاً في الساحة العالمية, وتسعى جاهدة لأن تحافظ على مكانتها الإقليمية وموقعها الاستراتيجي باعتبارها ميناء تجارياً تلعب الصادرات والواردات واعادة الصادرات دوراً هاماً في بنيتها الاقتصادية وحركتها التجارية, ومصدراً رئيساً لدخلها وتمويل ميزانيتها السنوية. وعلى الرغم من أهمية مثل هذا القرار إلا أن ذلك يجب أن لا يجعلنا نغفل أن هناك منافسة إقليمية من دول الجوار تتصاعد وتيرتها باستقطاب الاستثمارات الأجنبية ولم تقتصر هذه المنافسة على دول مجلس التعاون بل مجموعة دول الخليح ودول الشرق الأوسط التي تنظر في الاستثمارات الأجنبية خلاصاً لبعض المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها هذه الدول, وفي هذا السياق نجد أن هذه الدول تتنافس فيما بينها في حجم ونوعية التسهيلات والمزايا والحوافز التي تجعل الاستثمارات الأجنبية أكثر انجذاباً لهذه الدولة عن غيرها. إن تلك المنافسة الإقليمية على الاستثمارات الأجنبية تشكل تحدياً من تحديات الاستثمار في الإمارات وبالتالي فإنه إذا كان توجه الإمارات عامة. ودبي خاصة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية, وإذا كانت تعمل على استقرار الاستثمارات الوطنية والأجنبية الحالية فإن عليها أن تعزز من وضعها التنافسي وتعمل على اتخاذ عدد من الاجراءات الكفيلة بالمحافظة على موقعها الحالي, ومركزها لجذب الاستثمارات ذات النوعية التي تخدم اقتصاد الدولة, ثم عليها أن تعمل للمحافظة على أهمية الاستثمارات في الاقتصاد الوطني كي لا تهاجر إلى خارج البلاد, حيث توفر مزايا وإعفاءات من قبل الدول المنافسة في المنطقة ذات الأوضاع الاقتصادية المتراجعة. لقد أصبحت الامارات عضواً في منظمة التجارة العالمية (.د.ش.ط) وذلك إعتباراً من إبريل ,1994 ثم إنها قد وقعت اتفاقيات عديدة مع عدد من دول العالم موزعة حسب القارات وتتضمن تلك الإتفاقية منع الإزدواج الضريبي, ثم اتفاقيات استثمارية لتشجيع الاستثمارات وزيادة حركة رأس المال بين الإمارات وتلك الدول, وهذا معناه أن هناك انفتاحاً أكبر للإمارات على الأسواق العالمية مما يترتب عليه جوانب سلبية لاسيما حينما تتدفق رؤوس الأموال الوطنية لتلك الدول لتستقر فيها رغم حاجة سوق الإمارات إليها, فيما يهيمن رأس المال والاستثمارات الأجنبية على الاقتصاد الوطني مستفيدة من المزايا والوفورات التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني ولاسيما غياب الضرائب. لقد أكدت السنوات الأخيرة توجه دول مجلس التعاون وبقية دول الخليج (إيران والعراق) نحو العمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية, فلم تعد المنطقة الحرة بجبل علي المنطقة الحرة الوحيدة في منطقة الخليج, فعلاوة على وجود تسع مناطق حرة في الإمارات وحدها تتنافس فيما بينها في جذب الاستثمارات الأجنبية ولاسيما المنطقة الحرة بالسعديات في أبوظبي نجد أن هناك دولا أخرى تحركت في هذا الإطار لتفتح أسواقها لمزيد من الاستثمارات الأجنبية وهي تتميز بالعمق الاقتصادي, والحاجة الماسة والإمكانيات البشرية الأكبر والسوق الأضخم كإيران والسعودية والعراق, الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً للإمارات وأسواقها المختلفة. إن الإمارات رغم محدودية إمكانياتها البشرية وضيق سوقها تتنافس فيما بينها دون دراسة أو تنسيق فبروز عدد من المناطق الحرة في الإمارات يعتبر توجهاً غريباً في دولة لا تملك الإمكانيات التي تؤهلها لأن تستقطب استثمارات أجنبية في مناطقها الحرة العديدة والتي تشكل أكبر من طاقتها الاستيعابية. إن وجود منطقة حرة كالسعديات في أبوظبي ذات التسهيلات الضخمة والمزايا الكبيرة والإعفاءات العديدة تشكل تحدياً للمناطق الحرة الأخرى المنتشرة في باقي إمارات الدولة, وهذا الأمر يجعلنا نؤكد بأن المنافسة على الاستثمارات الأجنبية لم تعد منافسة إقليمية فحسب, وإنما أضحت منافسة محلية لها آثارها وانعكاساتها السلبية على أوضاعنا الاقتصادية. لاسيما إذا كان ذلك قد جاء من منطلق التقليد وليس المنافسة المبنية على أسس علمية وحاجة فعلية للاقتصاد الوطني. لقد أعلنت كل من الكويت والبحرين وإيران والعراق عن وجود مناطق حرة في أقاليمها الامر الذي يعني وجود تحديات واضحة من قبل هذه المناطق بهذه الدول للمناطق المنتشرة في الإمارات, فإيران مثلا إضافة لكونها دولة تتمتع بعمق اقتصادي كبير وقدرات بشرية وطبيعية ضخمة من شأنها أن يكون للمنطقة الحرة فيها وبالتالي الاستثمارات الأجنبية فيها أثر إيجابي على الأوضاع الاقتصادية لاسيما في خلقها فرص عمل للعمالة الايرانية, خاصة في ظل توجهات السياسة التي يتبناها الإصلاحيون بعد فوزهم بمقاليد الحكم والسلطة, حيث تدل المؤشرات على رغبتهم الأكيدة نحو الانفتاح على الغرب والشرق بعد سنوات طويلة من حكم المحافظين, خاصة وأن هذه الاستثمارات الأجنبية سوف تعزز الأوضاع الاقتصادية ومنها الصناعية, وتساهم في تحقيق إصلاحات اقتصادية خاصة في ظل تفاقم أزمة البطالة في ايران. من هنا فإن دوافع إيران نحو الانفتاح والرغبة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية واضحة وأكيدة وهذا ما سوف يترتب عليه قيام الحكومة الإيرانية بمنح المزيد من الاعفاءات والمزايا والحوافز للاستثمارات الأجنبية مع وجود السوق الايرانية الضخمة والواسعة. أما العراق فلا تختلف دوافعها ولا تختلف امكانياتها عن دوافع وإمكانيات إيران لاسيما بعد أن يتم رفع الحظر الدولي عليها حيث تتحين الشركات الأجنبية الفرصة هذه لضخ استثماراتها من خلال اقامة المشاريع ولاسيما مشاريع البنية التحتية بعد أن دمرها القصف الجوي للقوات المتحالفة وبعد الحصار الاقتصادي الطويل الذي أضعف إمكانيات العراق المالية مما يعني ترحيباً كبيراً من قبل العراق للاستثمارات الأجنبية للعمل على إعادة بناء هياكل البنية الأساسية, ثم رغبة العراق في استعادة مكانته في الساحة العالمية, مما يترتب على ذلك منح العراق المزيد من الإعفاءات وإعطاء تسهيلات كبيرة للاستثمارات الأجنبية مما يعني وجود العراق كمنافس كبير أمام الإمارات. أما السعودية فهي الأخرى لها دوافعها ومسبباتها في العمل على استقطاب جزء من الاستثمارات الأجنبية فهي علاوة لكونها تتميز بإمكانيات اقتصادية وخاصة بترولية ضخمة فهي تملك سوقاً كبيرة وقوة شرائية جيدة, وتتميز بأنها تملك خططاً تنموية طويلة الأجل ومنها ما اعلن عنه مؤخراً عن وجود استراتيجية صناعية جديدة تحدد الرؤية لمستقبل القطاع الصناعي في المملكة حتى عام 2020 وتضمنت تلك الخطة دوراً رئيساً للقطاع الخاص في هذه الاستراتيجية. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن وزارة الكهرباء والماء بالمملكة المعنية باستراتيجية التنمية الصناعية تعكف حالياً على تطوير عدد من الأنظمة والآليات ومنها نظام استثمار رأس المال الأجنبي وإنشاء مؤسسة حكومية مستقلة للاستثمار هي(الهيئة العامة للاستثمار) وكذلك إنشاء مركز للتعامل الصناعي لترويج الاستثمار. كما أن مجلس الوزراء السعودي قد وافق على تحمل الدولة ما نسبته 15% من الضرائب المفروضة على أرباح الشركات الأجنبية التي تزيد على 100 ألف ريال سنوياً, وهذا يعني تحمل الشركات الأجنبية 30% فقط كحد أعلى من الضريبة مقابل 45% في النظام السابق. إن عضوية المملكة العربية السعودية في منظمة التجارة العالمية (.د.ش.ط) من شأنه أن يعزز المكانة العالمية للسعودية باستقطاب حجم أكبر من الاستثمارات الأجنبية إذ يعني انضمامها لهذه الاتفاقية انفتاحاً أكبر للسوق السعودية الضخمة أمام الاستثمارات العالمية. خاصة وأن السعودية قد أصبحت تعاني من تزايد حجم العجز في ميزانيتها السنوية وكذلك تزايد حجم البطالة بين المواطنين السعوديين الأمر الذي يشكل لها دافعاً نحو تحقيق المزيد من انفتاح اسواقها أمام الاستثمارات الأجنبية لمعالجة الاختلالات الهيكلية في اقتصاداتها ولاسيما في الإصلاح المالي لميزانيتها ثم بهدف امتصاص جزء من البطالة في سوق العمل. أما الكويت فمازالت تعاني من آثار أزمتها إثر غزو القوات العراقية لها في اغسطس 1990 حيث تعاني من حجم المديونية والمشاكل الاقتصادية بسبب تكبدها لمئات المليارات من الدولارات التي دفعتها ثمناً لتحرير أراضيها, وكذلك بسبب تبخر جزء كبير من استثماراتها الأجنبية في الخارج حيث كانت تلك الاستثمارات تشكل عائداً موازياً لحجم عوائد النفط المصدر من قبلها, ولكن الأزمة قد قضت على جزء كبير من تلك الاستثمارات ثم إن أوضاعها الاقتصادية والإختلالات الاقتصادية والرغبة من قبل الحكومة الكويتية في تحسين الظروف المعيشية وتطوير قدراتها الإنتاجية كل تلك العوامل تشكل دافعاً رئيساً نحو الانفتاح أمام الشركات الاجنبية للاستثمار في أراضيها, وعليه فإنها اعادت سياساتها الاستثمارية وعملت على انشاء منطقة حرة بهدف استقطاب نصيبها من الاستثمارات الأجنبية, وأمام الضغوط الاقتصادية الداخلية والخارجية. فقد أطلقت توجهاً ناحية الاستثمارات الأجنبية في القطاع النفطي بعد ما كان هذا القطاع حكراً على الشركات الوطنية الأمر الذي يعني استقطاباً أكبر للاستثمارات الأجنبية لاسيما في هذا القطاع الحيوي والمهم. وهذا يعني تحدياً أكبر أمام سوق الإمارات والاستثمارات الأجنبية فيها. أما سلطنة عمان والتي تعتمد سياستها على التنمية المتوازنة والمرحلية فإنها سعت إلى وضع خططها التنموية الخمسية, وفي هذا الإطار فإنها توفر مزايا وتخلق فرصاً أمام الاستثمارات وحركة رأس المال وخاصة الخليجي ومنها قطاع العقارات حيث أعلنت السلطنة بأنه يجوز لأبناء مجلس التعاون التملك والاستثمار في القطاع العقاري فيها. والسلطنة ذات الموارد الطبيعية والسياحية والعنصر البشري والمساحة الجغرافية والموقع المميز تعتمد على هذه العناصر في جذب الاستثمارات الخليجية والأجنبية, وبالتالي فإنها تمثل طرفاً مهماً في ساحة المنافسة الإقليمية على الاستثمارات لاسيما بعد أن سعت لأن تكون عضواً في اتفاقية منظمة التجارة العالمية لتصبح أكثر انفتاحاً على الأسواق العالمية, وفي هذا الصدد أصدرت حكومة السلطنة قانوناً في شأن الاستثمارات الأجنبية ينظم تلك الاستثمارات ويوفر لها كافة أشكال الحماية ويدعمها بمجموعة من الضوابط والأسس كي تساهم تلك الاستثمارات في خدمة الاقتصاد العماني.

Email