تغيرات ثورية متوقعة بالصين بعد عضوية منظمة التجارة العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن مفاجأة خارج الصين عندما أعلن أحد المسئولين ان البلاد سوف تبيع أسهم البنوك الاربعة الكبيرة المملوكة للدولة في البورصة, لكن الأمر كان مختلفا داخل الصين, خاصة عندما يعلن عن ذلك على الملأ, لأن هذا أمر لم يحدث في الصين منذ 50 عاما. ان خضوع البنوك الصينية لقواعد السوق وبورصة الأسهم وقرارات المساهمين وليس لتوجيهات الحكومة يمثل ثورة حقيقية في الأعراف الصينية بصفة عامة, وفي قطاع البنوك بصفة خاصة, واذا تم السماح بادارة البنوك حسب قواعد السوق التجارية لكان القطاع العام الصيني الذي يعاني من الفساد والاهدار الشديد في الموارد المالية الذي يشكل قوة اقتصادية للحزب الشيوعي الحاكم, قد فقد أهميته ودوره. باختصار بعد طرح أسهم البنوك الكبيرة في الصين للتداول في البورصة احد أهم وأكبر الخطوات في رحلة الصين الماركسية في اقتصاد السوق. غير ان الواحد والعشرين عاما من الاصلاحات الاقتصادية في الصين تثبت انها تبطىء في سرعتها, وقد تتوقف تماما عندما تصطدم بمصلحة الحزب الشيوعي الحاكم, فهل تتجاهل الصين هذا الاقتراح الأخير؟ قد يحدث ذلك, لكن اتفاق الصين مع الاتحاد الاوروبي على دخولها منظمة التجارة العالمية واقتراب حصول الصين على عضوية هذه المنظمة بحلول نهاية العام يثير شعورا بأن تغيرات جذرية سوف تحدث في الصين. ويقول فانج شينغهاي رئيس مجموعة التنسق في بنك الصين أحد أكبر البنوك الاربعة المملوكة للدولة ان الاقتراح بطرح أسهم البنوك للتداول في البورصة هو الوسيلة الوحيدة لتفعيل بورصة الاوراق المالية الصينية. وقال ليوفينج فانج رئيس بنك التعمير الصيني انه يتفق مع هذا الاقتراح وانه لابد للسماح لهذه البنوك بجمع الاموال من مختلف القنوات وبكافة الطرق مثل اصدار الأسهم والسندات القابلة للتحويل. وهناك ضغوط اقتصادية كبيرة تدفع نحو تعويم أسهم البنوك الصينية الاربعة الكبيرة التي تشمل البنك الصناعي التجاري وبنك الصين الزراعي وبنك التعمير الصيني التي تملكها جميعا وزارة المالية. ومن أسباب هذا الاتجاه هو ان الصين لم تعد قادرة على دعم هذا القطاع الذي يعتبر أكبر قطاع في العالم, ويقول خبراء الاقتصاد والحكوميون ان قطاع الشركات المملوكة للدولة الذي يشمل 300 الف شركة ينتج ثلث الانتاج الصناعي للبلاد, لكنه يحصل على ثلثي الموارد المالية والائتمانية. هذه الشركات التي لا يزال يعمل بها 50% من العمالة الصينية في المدن تعاني سوء الادارة والعمالة الزائدة وعدم تحقيق الارباح. فقد انخفضت عائدات البنوك الاربعة الكبيرة بالنسبة للأصول من 4.1% عام 1985 الى 2.0% عام 1997. ويعتقد نيكولاس لاري الباحث في مؤسسة بروكينجز ان الوضع يزداد سوءا في عام 1998 و,1999 وقال ان كثيرا من بنوك الدولة في الصيف لم تحقق أرباحا خلال السنوات الماضية من الناحية الواقعية, والحقيقة ان البنوك الاربعة الكبيرة تعاني نسبة ديون معدومة تصل الى 25% وفقا للاحصاءات الرسمية. ولا يمكن استمرار الاقراض بالقطاع العام الذي يحقق أقل الارباح في البلاد اللهم الا لسبب واحد هو ان العائلات لاتزال تضع مدخراتها في بنوك الدولة, وتستمر وزارة المالية في الغاء الديون المعدومة للبنوك الاربعة الكبرى. وهناك ما يدعو للاعتقاد بأن هذين العاملين لن يستمرا طويلا, فقد تزايدت حدة المنافسة على مدخرات العائلات الصينية التي بلغت ستة آلاف مليار يوان صيني العام الماضي (724 مليار دولار أمريكي). وهناك كثير من البنوك التجارية في الصين تسعى وراء هذه المدخرات وتغري العائلات بوسائل متقدمة, كما انه من المتوقع لسياسة الدولة الرامية الى تعزيز بورصة الاوراق المالية ان تؤدي الى تحويل الاموال من المدخرات في البنوك الى محافظ استثمارية. وقد تزداد شدة المنافسة عندما يتم السماح للبنوك الاجنبية بقبول ودائع رجال الأعمال واقراضهم بعد دخول الصين في عضوية منظمة التجارة العالمية, وعندها تقدم هذه البنوك في مرحلة لاحقة بعد خمس سنوات خدمات للأفراد. وبالنسبة لرغبة بكين في الاستمرار في دعم البنوك الأربعة الكبرى هناك أدلة واضحة على ان بكين قد نفد صبرها. ويقدر فانج ان وزارة المالية سوف تضطر الى دفع مليار يوان لالغاء الديون المعدومة في ظل برنامج مقايضة الديون بأسهم الشركات الذي تقوم البنوك بتنفيذه. وبعد ان تدفع الوزارة هذه المبالغ حتى تقف البنوك الاربعة الكبرى على قدميها وتصل إلى المستوى الدولي من كفاية رأس المال لن ترغب ولن تستطيع ان تقدم لهذه البنوك المزيد من الدعم المجاني. ارتفاع الدين الداخلي وتواجه الصين بالفعل عددا من المشكلات المالية فعائدات الميزانية المركزية لا تمثل الا 4.12% من اجمالي الناتج الوطني حسب ارقام 1998. وارتفع الدين الداخلي (اضافة إلى المديونيات في قطاع البنوك) إلى 50% من اجمالي الناتج المحلي. ويقول المحللون انه في ظل هذه المشكلات فإن النظام المصرفي لا يستطيع ان يتحمل صناعات غير رابحة في الدولة, لكن المحاولات في الاعوام الماضية لادخال افكار قائمة على المبادىء التجارية وتحقيق الارباح لم تحقق الا نجاحاً بسيطاً. والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم وجود حوافز. ومادامت البنوك خاضعة للدولة, سوف تجد من الصعب ان تمتنع عن دعم القطاع الصناعي العام. ويرى فانج وآخرون ان تعويم اسهم البنوك في البورصة هو الحل الوحيد لهذه المشكلة. فسوف يجعل البنوك تخضع لجهة اخرى هي السوق, فضلاً عن العقاب على قرارات خاطئة في الاقراض. وسوف يسمح للبنوك ايضاً ان تملك الاسهم للعاملين فيها, بما يجعلهم اصحاب مصلحة في نجاح عمل البنوك. هذه الافكار اقرب إلى الثورة بالنسبة لبنوك الصين المملوكة للدولة اكثر من أى شىء آخر. بل قد يعتبر البعض ان فكرة تعويم اسهم البنوك تمثل شكوكاً في اعضاء الحكومة المركزية في بكين, بما يعني ان اي تقدم في هذا الاتجاه لابد ان يكون بطيئاً وتكتنفه بعض التعقيدات. لكن أي تقدم مهما كان بطيئاً سوف يكون له اثره, فعندما تتجه مدخرات العائلات الصينية إلى مقترضين يستحقونها في القطاع النشط غير المملوك للدولة, قد يكون الاثر ثورياً على رفع القدرة التنافسية الصينية. صعوبات تواجه الشركات برغم ارتفاع النمو الاقتصادي في الصين فإن الشركات المساهمة العامة لا تزال تعاني مما يلقي الشكوك على هذا النمو الاقتصادي. فقد اعلنت الشركات المساهمة العامة الصينية المملوكة للدولة ـ الا من حفنة قليلة يبلغ عددها الف شركة ـ نتائجها عن العام الماضي. ورسمت هذه النتائج صورة قاتمة فبرغم جهود الحكومة لتعزيز الطلب استمرت السلع المخزونة لدى هذه الشركات في التزايد, مما خفض الاسعار وقلص الارباح. والحقيقة ان كثيراً من اسهم الشركات التي يتم تبادلها في بورصتي شانغهاي وشنتشن قد انخفضت. وكانت عائدات الشركات عن العام الماضي اسوأ من العام السابق له. وقال داي وي المحلل بشركة صقر الصين للاوراق المالية في شنغهاي, في الوقت الذي حققت فيه الشركات في نشاط اقتصادي تقليدي مثل الزراعة والبتروكيماويات نجاحاً نسبياً, لا تزال مشكلة الطاقة الانتاجية الزائدة غير المستغلة وسوء الادارة تواجه الاقتصاد الصيني وهذا ما يؤثر سلباً على ارباح الشركات. عن مجلة (أشيا ويك)

Email