سوريا تقف في مواجهة إلحاح الإصلاحات الاقتصادية الشاملة ، الدعوة إلى التركيز على مشاكل الاستثمار والبطالة والمديونية الخارجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل الاصلاح الاقتصادي احد ابرز واهم الملفات الداخلية التي تستقطب اهتماماً خاصة من القيادة السورية الجديدة, ولا نبالغ اذا قلنا ان ما يجري في سوريا من تغيرات واجراءات تصب في خدمة هذا التوجه الاقتصادي الجديد الذي كان يعتبر الحديث عنه منذ عدة سنوات بمثابة المحظورات التي يجب عدم تخطيها. لكن توجهات الاصلاح في سوريا بعيدة إلى حد كبير عن فكرة الخصخصة المرفوضة رفضاً كاملاً من القيادات الاقتصادية والسياسية, وهي من جانب آخر ليست محدودة او محصورة بمجال اقتصادي معين بل هي تشمل الاقتصاد ككل, وما يجري الاعداد لها يتضمن اعادة هيكلة كاملة لجميع المؤسسات والشركات والقوانين والانظمة والاجراءات والكوادر البشرية وغيرها. الدكتور رياض الأبرش الاستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ومعاون وزير التخطيط سابقاً اوضح ان الاصلاح الاقتصادي بدىء فيه منذ عام 1985 بشكل غير معلن واستمر كذلك إلى ان بدأت ندوة الثلاثاء الاقتصادية )سلسلة محاضرات اقتصادية تقيمها سنوياً جمعية العلوم الاقتصادية وتشهد نقاشات حادة وصل إلى حد تسميتها برلمان جديد( وتحدثنا فيها عن الاصلاح الاقتصادي امكاناته وطرقه وبدائله واحتمال تأثيره على الوضع الاجتماعي ومستوى الفقر في سوريا, والمشكلة المطروحة دائما هي التفاوت او المفارقة بين الفكر المنفتح والفكر العقائدي, فالفكر المنفتح يطرح جميع الاحتمالات والبدائل في آن واحد على بساط البحث دون ان يتحسس من اي منها وبغض النظر عن امكانيات التنفيذ وعندما نناقش اي اصلاح فيجب ان تكون المناقشة مفتوحة وتدار بعقل مفتوح تضع كل البدائل وتناقش ثم يحدد الموقف منها. واضاف انه منذ عام 1996 بدأت الحكومة انسجاماً مع نتائج ندوة الثلاثاء الاقتصادية وما قيل فيها بردة فعل قوية وذلك بمحاولة اكيدة لتخفيض معدل التضخم في سوريا وهذه المحاولة استمرت دون توقف منذ عام 1996 وحتى 2000 وفي هذا العام كانت النتيجة كما اكدت سابقاً اننا وصلنا إلى مفترق طرق لابد فيها من تأكيد دورنا المستقبلي ومحاولة استشراف مستقبلنا وتبيان الطرق الاحتمالية للمستقبل الاقتصادي لاسيما واننا على ابواب استحقاقات قلنا لها نعم من حيث المبدأ الا اننا لم نفعل شيئاً من اجل تداركنا عندما تستحق. وحول المشاكل التي يواجهها الاقتصاد السوري وتتطلب اهمية خاصة قال الدكتور الابرش ان من اهم المشكلات التي يواجهها الاقتصاد السوري انه مدين للعالم الخارجي بمبلغ لا يقل عن 20 مليار دولار والاسباب معروفة التزاماته التي ترتبت عليه لدول اوروبا الشرقية ومنها المانيا الشرقية التي تبلغ ديونها حوالي مليار دولار ايضاً هناك مشكلة القطاع العام ماذا عنه؟ وهي تثير الكثير من الحساسية وكل الناس تقريباً في بلدنا يبدون رأيهم ويحاولون ان يظهروا كمناصرين للقطاع العام مدافعين عنه وهذا يشمل عملياً 99% او 100%, وميزانية الدولة تتوقف في حد كبير على ما تجيبه او تأخذه من القطاع العام على شكل فائض سيولة واستهلاكات وارباح غير موزعة والآن كيف ستعالج مشكلة عجز الميزانية على ضوء الاوضاع العامة للقطاع العام وهي مشكلة بالغة الصعوبة ويجب عدم الاستهانة بها فاتباع سياسة الادارة بالاهداف يعني عملياً ترك كل هذه الموارد والتي تأتي للادارة المركزية وتركها للقطاع العام ليتصرف فيها فيها يلبي احتياجاته. الموارد البشرية واوضح ان هناك مشكلة اخرى هي قضية الرؤية الاستشرافية والمستقبلية ونحن حاولنا عدة مرات جمع كل المهتمين في حقل المستقبل للتعاون معهم في اطار جميعة وإلى حين حدوث ذلك نسأل ماذا عن المستقبل المفترض ان تبنيه هيئة تخطيط الدولة؟ والمفارقة ان الهيئة التي لا تمتلك العناصر القادرة والاحصائيات اللازمة لتفعيل العملية الاقتصادية ولا حتى التجربة السابقة. من جانبه قال رياض سيف عضو مجلس الشعب السوري احد كبار الاعضاء المنتقدين لسياسة واجراءات الحكومة ان الكلام عن اصلاح اقتصادي مازال يفتقر إلى نظرة شمولية لتحقيق اعلى جدوى اقتصادية ممكنة لتوظيف مواردنا الطبيعية وما نمتلك من ميزات نسبية والبداية يجب ان تكون من جعل المصانع والحقول والمكاتب وكل اماكن العمل محاطة بجو محبب للعمل والابداع وقادر على خلق التحفيز اللازم للحصول على اكبر نسبة من العطاء دونما شعور بالتعب او الملل اي ان نجعل من العمل متعة وهواية, وهذا يعني ان نحرر كل قادر على العمل سواء اكان عاملاً ام رب عمل ام ربة منزل تؤدى واجبها في المنزل بعيداً عن الخوف والقلق عن طريق الوضوح الكامل والمبسط للحقوق والواجبات وافساح المجال لمناقشة حرة ونزيهة تساهم في تفجير الطاقات الكامنة وعندما نطبق ذلك على القطاع الخاص الاقتصادي والصناعي والحرفي والتجاري والخدمي فنخرجه من الكتمان إلى العلن ومن الفوضى إلى التنظيم. وعن اولويات الاصلاح االاقتصادي اكد ان اعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة من ابرزها وذلك بتحويل ما يتم هدره من مبالغ على مشاريع استثمارية غير مجدية في الري واستصلاح الاراضي والصناعات التمويلية وكذلك ايقاف ما تسببه خسائر القطاع العام الاقتصادي من نزيف للخزينة والمبالغ الطائلة الناجمة عن الدعم العشوائي والذي يشجع على الهدر لكهرباء ومياه الشرب وبعض الزراعات الخاسرة مثل القطن والشوندر السكري وتمويل كل تلك المبالغ لاستثمارها في التنمية البشرية وتأسيس صندوق تنمية لتطوير الصناعة وادخال التكنولوجيا بهدف توفير ما نحتاج اليه من فرص عمل ومضاعفة حجم الصادرات كما انه لابد من تخصيص مبالغ ضرورية من الموازنة لبناء مناخ جذاب للسياحة على استثمار ما نملك من ميزات نسبية كبيرة بالشكل الامثل حيث ان سوريا بما تملك من اوابد اثرية ومناخ متميزة وشعب مضياف مؤهلة لاستقطاب اضعاف عدد السياح الحالي مما يسهم في زيادة الدخل القومي ويوفر مئات آلاف من فرص العمل الجديدة. الدكتور دريد درغام الاستاذ في المعهد العالي للعلوم والتكنولوجيا قال ان التحديات القادمة عديدة نذكر منها المياه والطاقة والنقل والضغط السكاني وهنا يذكر بعض التوجهات التي قد تنسجم مع النوايا التي اعلن عنها وزير التخطيط حول الاستشراف والتخطيط لآفاق تصل إلى 25 عاماً فالحل الحقيقي برأينا هو في الوقاية اكثر منه في معالجة نتائج اخطاء الماضي ونذكر من هذه الاخطاء مشاكل المرور والتلوث والسكن العشوائي التي تعاني منها المدن الكبيرة وخاصة دمشق فطالما سيتم التخطيط لهذه الاعمال ينبغي التفكير في تنظيم عمراني مختلف جذرياً على مستوى القطر, بحيث يتم من خلاله تنظيم مدن حديثة في مناطق ذات مناخ مقبول وتتلاءم مع متطلبات العصر وتترافق مع مناطق صناعية متاخمة وتتوفر فيها الخدمات المنظمة وبذلك ستتمكن سوريا من السير ضمن توجه معماري يضمن الكثير من العوامل اللازمة لحل مشاكل المياه والمناخ والتلوث والنقل وغيرها وذلك خلال العشرين سنة المقبلة. الفساد والركود ولعل ظاهرة الفساد الاداري المستشرية في ثنايا الاقتصاد السوري يعتبر الاكثر حظوة بالمعالجة والمكافحة وهي ايضا تشكل خطراً على استمرارية العمل الاقتصادي وما كشف النقاب عنه مؤخراً من تجاوزات ومخالفات وصلت قيمتها إلى ملايين الدولارات يشير إلى حالة الهدر الكبير لاموال القطاع العام إلى جانب حالات اللامبالاة والاهمال من الادارات لاوضاع العاملين واحوالهم المادية والاجتماعية, وترى القيادة في سوريا ان الفساد كظاهرة لا يمكن معالجتها ومكافحتها بعيداً عن الاوضاع المادية السائدة لشرائح اجتماعية عديدة وعلى ذلك كان هناك توجه في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث الحاكم لتحسين اوضاع المعيشة للشعب السوري والاستمرار في حملة مكافحة الفساد والتي طالت في اوقات سابقة شخصيات سياسية بارزة وموظفين كبار ضمن اجهزة الدولة اي ان التوجه حالياً ينصب عند معالجة هذه الظاهرة إلى ازالة الاسباب الجوهرية لوجودها لا الاكتفاء فقط بالبحث عن مرتكبيها ومعاقبتهم. ومشكلة المشاكل التي يحملها الاقتصاد السوري الركود المستمر منذ سنوات عديدة, بعض رجال الاعمال يسمونها انكماشاً اقتصادياً, الا انها في الواقع حالة ركود كبيرة تنجلى في انخفاض الطلب الكلي على السلع الاستهلاكية او السلع الاستثمارية اوالاثنين معاً وتأثيراتها متعددة تبدأ بزيادة معدلات البطالة وتردي الاوضاع المعيشية لشرائح مختلفة من المواطنين وتراجع معدلات الاستثمارات ونزوح الاموال المحلية إلى الاسواق الخارجية بحثاً عن فرص افضل للاستثمار ورغم تعدد الحلول والاقتراحات المقدمة من الباحثين الاقتصاديين والهيئات والغرف التجارية الا ان شيئاً لم يحدث والامور تزداد سوءاً, ويرافق حالة الركود هذه زيادة في اعداد العاطلين عن العمل نتيجة الظروف الاقتصادية السائدة ويشير في هذا الصدد التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1998 إلى تزايد معدلات البطالة إلى 18% من قوة العمل في سوريا وتقدر بعض الجهات الحاجة السنوية من فرص العمل بحوالي 300 الف فرصة بتكلفة مالية تقدر بـ 3 مليارات دولار, بل ان نسبة الجامعيين العاطلين عن العمل تصل إلى 6.5% من مجمل نسبة البطالة البالغة حسب تقديرات المكتب المركزي للاحصاء 7 ـ 5.8% من مجموع قوة العمل البالغة 29% من مجموع السكان, وازدياد العاطلين عن العمل يؤدي إلى زيادة اعداد الفقراء والاسر المحتاجة التي سوف تفتقر إلى ابسط الخدمات الصحية والاجتماعية وبما يشكل ضغطاً آخر على مصادر الغذاء الموجهة إلى الفئات المحتاجة واضطرار العديد من اصحاب الكفاءات والاختصاصات الرائدة إلى السفر للبحث عن فرص عمل افضل وبالتالي معاناة قطاعات اقتصادية هامة من نقص الكفاءات العلمية, ومؤخراً ومع تسلم الدكتور عصام الزعيم وزارة التخطيط تم وضع برنامج وطني لمعالجة مشكلة البطالة وضع تحت تصرفه حوالي 5.1 مليار دولار سوف تقدم كمساعدات وقروض للعاطلين عن العمل لاقامة مشاريع خاصة. انخفاض الصادرات والاستثمار من ابرز التحديات الهامة التي تواجه الاصلاح الاقتصادي ضآلة الصادرات وتأرجح نسبها بين التراجع وارتفاعها قليلاً جداً تارة اخرى, فهي في الربع الاول من عام 1999 شهدت تراجعاً ملحوظاً مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي فقد تم تصدير ما قيمته 7730 مليون ليرة فيما كانت في العام الذي قبله. وخلال الفترة نفسها نحو 8412 مليون ليرة ولعل الابرز في توزيع هذه الصادرات حسب الكتل الدولية انخفاضها بالنسبة لتلك الموجهة إلى الدول العربية حيث بلغت 730 مليون ليرة وكانت في العام الذي قبله 914 مليون ليرة وكذلك الصادرات إلى بلدان السوق المشتركة 2344 مليون ليرة بانخفاض كبير عن السابق 4013 مليون ليرة, مع العلم ان مؤشرات التجارة الخارجية تشير في العام 1998 إلى ان صادرات سوريا حوالي 32443 مليون ليرة بانخفاض واضح عن العام 1997 والتي بلغت آنذاك 43953 مليون ليرة والتي بدورها انخفضت عن العام الذي قبلها. وهكذا في الاعوام الاخرى والملاحظات التي تسجل على صادرات القطاعين العام والخاص كثيرة من حيث القيمة او النوعية وحتى الدول المصدر اليها والمبادرات والاقتراحات كانت دوماً لا تخرج إلى ارض الواقع لغيابها عن طاولة المناقشات والاجتماعات والالتفات إلى المشاكل اليومية في المؤسسات والشركات العامة, وكان التصدير من ابرز الموضوعات التي تناولها خطاب الرئيس السوري الجديد الدكتور بشار الأسد اثناء تأدية القسم في توليه مقاليد الرئاسة بعد والده الراحل الكبير حافظ الاسد. المشكلة الاخرى تتعلق بانخفاض معدلات الاستثمار كافة فمنذ صدور قانون الاستثمار رقم 10 وحتى عام 1995 بدأت هذه الاستثمارات بالظهور تدريجياً, الا انه ومنذ عام 1996 ووفق دراسة لخبير اقتصادي بدأت بالتراجع والتدهور بنسب عالية, هذا الانخفاض برره الدكتور راتب الشلاح رئيس اتحاد الغرف التجارية بأن اغلب الاشخاص الذين كانوا يمتلكون مدخرات وظفوها باندفاع كبير وفي مشاريع كنا بغنى عنها والاستثمار لا يتم بتمويل اشخاص ولا يمكن له ان يكون ناجحا وشاملا الا اذا ساهم به الجميع واقصد التمويل المقبل من الجهات الشعبية والاهلية واضافة إلى ما قاله الشلاح فهناك اسباب اخرى مرتبطة بالبيئة الاستثمارية التي لا تزال تحوي العديد من المعوقات الادارية والقانونية والمالية والاجرائية وما التعديلات التي تجرى او جرت على قانون الاستثمار الا دليل يؤكد هذه الثغرات التي خلفها قانون لم يدرس جيدا قبل الاعداد فقد تراجع معدل الاستثمار وتوقف عند مبلغ 160 مليار ليرة وهي تعادل 21 ـ 22% من حجم الناتج المحلي الاجمالي في الاعوام 1996 ـ 1997 واقل في عام ,1998 ايضاً وتبعاً لتقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمارات فقد بلغت حصة سوريا من الاستثمارات الاجنبية المباشرة 100 مليون دولار عام 1998 بنسبة 6.1% من اجمالي الاستثمارات الاجنبية المباشرة في الدول العربية, وهي نسبة ضئيلة جداً سعت الاجراءات الاخرى إلى رفع نسبها واجتذاب الاموال السورية الموجودة في الخارج والمقدرة بحوالي 60 مليار دولار. الاصلاح المقبل الخطوات تتسارع حالياً لاستكمال اجراءات الاصلاح الاقتصادي وما صدر مؤخراً من قرارات اقتصادية تصب في هذا الاتجاه وهي تناولت ايضاً مواضيع كان يعتقد سابقاً انها ستكون بعيدة من اية تغيرات مستقبلية والاكثر اهمية هو ازدياد حركة النقاشات والمناقشات الاكاديمية والعلمية حول عملية الاصلاح الاقتصادي والمستقبل المقبل في ظل بادرة الحوار الشفاف التي اطلقها الرئيس الدكتور بشار الأسد, وفي اول تقويم خارجي لحركة الاصلاحات الاقتصادية في سوريا قال وزير المال اللبناني جورج قرم مؤخراً اثناء زيارة لدمشق ان سوريا تسير بتأن في اجراء الاصلاح وانه لابد لها من قطاع عام اكثر فعالية وان تنشط القطاع الخاص وتحقق المنافسة بين القطاعين في بعض الاحيان وايجاد الحوافز الاستثمارية الصحيحة للقطاع الخاص وترشيد عمل القطاع العام لخلق فرص عمل جديدة للجيل الجديد الذي يعاني من البطالة.

Email