في ظل استهداف مؤسساتها المالية، دول التعاون تتحرك في جميع الاتجاهات لمقاومة غسيـل الأمـوال

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خطوة اعتبرت أولى الخطوات الجماعية على مستوى العالم للتصدي لعمليات غسيل الأموال اتفقت لجنة وزراء داخلية الدول الأوروبية في العام1980على إمكانية استغلال النظم المصرفية لأن تلعب دورا وقائيا فعالا, ومساعدة الأجهزة الأمنية والقضائية في اكتشاف وإثبات كثير من العمليات الإجرامية. ومنذ ذلك الحين فقد بدأ الأمر يشد انتباه القائمين على السلطات الرقابية والأمنية والتشريعية , كما جذب انتباه عدد من القانونيين والمصرفيين في كثير من الدول. ففي دول المجلس تبنت البنوك المركزية في العام 1989 تلك الأسس بموجب تعميمات أصدرتها لجميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة, ومطالباتها بتطبيق تلك الأسس التي تشمل التعرف الجيد على العملاء والتقيد بالتشريعات القانونية والتعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية بالبلاد وتوعية العاملين بالمصارف. لذلك فإن إصدار التشريعات والقوانين اللازمة لمحاربة عمليات غسيل الأموال يعتبر أحد الأشكال الرئيسة لمقاومة هذه الظاهرة والحفاظ على مكانة وسمعة المؤسسات المالية الخليجية من استغلالها كوسيط لتحويل الأموال غير المشروعة ويعرضها لمخاطر وتبعات قانونية خطيرة. ولخطورة هذه القضية فمن الضروري استعراض أبعاد ظاهرة غسيل الأموال عالميا, ومدى أهمية وجود البنية التشريعية المتكاملة بدول الخليج بصفة خاصة من أجل مواجهة هذه الظاهرة. * محمد الوطني, المحامي, يقول إن عملية غسيل الأموال أصبحت تهدد جميع الدول والمجتمعات دون استثناء وتقف وراءها عصابات دولية منظمة بأعلى صور التنظيم والإعداد والدقة لكون هذه العمليات تقدر بمليارات الدولارات. ومنطقة الخليج بشكل عام والقائمة أنظمتها على الحرية الاقتصادية قد تكون عامل جذب كبير لهذه العصابات, فعمليات غسيل الأموال في الغالب تتم عن طريق البنوك وبعلمها أو دون علمها, كما أن من الطرق الأخرى التي تستخدمها هذه العصابات إقامة المشروعات كالمصانع أو الشركات الاستثمارية في الدول النامية ثم إعادة بيعها ليتم بذلك غسيل الأموال. * أما الدكتو محمد رضا أبو حسين فيقول: لقد برز في السنوات الأخيرة العديد من العمليات التجارية والمالية غير المشروعة كظواهر دولية, ومن ثم بات تتبع الأسباب والبواعث التي من شأنها زيادة هذه العمليات في المجتمع الدولي حقيقة واقعة, ولاشك أن أحد هذه الدوافع والمحرك الأول هوالعامل الاقتصادي, إذ إن العمليات غير الشرعية لا تنتج إلا من حالات محاولة الثراء السريع أو حالة الفقر المدقع التي تدفع ببعض الأفراد والمؤسسات على اختلاف أنواعها إلى هذه الممارسات من أجل البقاء. ويضيف أنه غني عن البيان أنه أمام نقص الموارد الطبيعية غير المتجددة, وإساءة استغلال الموارد الطبيعية على مر السنين واختلال التوازن الطبيعي في البيئة وما نتج عنه من زيادة درجات الحرارة ونقص المياه وانحسار الأراضي الزراعية وقلة الموارد الزراعية وزيادة عدد السكان وزيادة الاستهلاك, فقد أدى ذلك إلى نتيجة طبيعية وهو ظهور العجز الاقتصادي وانتشار الفقر وسوء التغذية وهذا بذاته يدفع إلى انتشار الأعمال غير المشروعة. ولاشك أن قوة الاقتصاد في زمن الوفرة والرخاء لا يعني أية ميزة, إذ إن جميع العناصر متوافرة لدعم الاقتصاد وإعطائه هذه القوة والهيمنة, ولكن القوة الاقتصادية تعتبر ميزة في وقت انحسار الموارد الطبيعية وأمراض البيئة. ومن أجل ذلك فإن سيادة صاحب الاقتصاد القوي في عصر العولمة والألفية المقبلة, بات أمرا يفرضه واقع الحياة والتوجه الدولي, حيث سيكون النفوذ والغزو الاقتصادي في قوته أعظم أثرا من سيطرة أكبر الجيوش المدعومة بأحدث التكنولوجيا العسكرية, ومن ثم فإن من تكون له السيادة سيكون صاحب الاقتصاد القوي, الذي يمكنه من خلال قوته الاقتصادية أن يهدد سيادة واستغلال بعض الدول في المجتمع الدولي. وبالنسبة إلى تعريف ظاهرة غسيل الأموال يقول محمد الوطني: غسيل الأموال هو الحصول على أموال غير مشروعة وهي عادة تكون نتاج ارتكاب جرائم مثل ترويج المخدرات أو بيع السلاح أو الرشوة أو القتل, والقيام بتدوير هذه الأموال بإضفاء الشرعية عليها, أي جعلها مشروعة. فهي إذن إخفاء مصدر الأموال التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة ويكون الإخفاء عن طريق شخص ثالث (عادة ما يكون بنكا). أما الدكتور المحامي محمد رضا أبوحسين فيقول: إن المقصود بعمليات غسيل الأموال من الناحية القانونية, هو إخراج الأموال من حالة عدم الشرعية والقانونية إلى حالة قانونية وشرعية. وذلك من خلال نقل الأموال الناتجة عن العمليات غير الشرعية وإصدارها مرة أخرى من خلال عمليات شرعية, لتصبح هذه الأموال شرعية بحكم القانون والأنظمة المصرفية, والوضع الكاشف لهذه الحقيقة التي تظهر عمليات غسيل الأموال هو دائما المساءلة القانونية لأصحاب رؤوس الأموال المفاجئة: إذ إنه لأغراض ضريبية واقتصادية أو سياسية يكون السؤال دائما: (من أين لك هذا؟ وما هي مصادر هذه الثروة السريعة) . ونظرا لعدد من العناصر نجد أن دول الشرق الأوسط ودول العالم الثالث أصبحت بيئة مستهدفة لتمرير الأموال الناتجة عن العمليات غير الشرعية من خلالها, وقد تحدث معظم هذه العمليات في الدول الصناعية والأوروبية وتكون دول الشرق الأوسط مركزا أو محطة لتحويل هذه الأموال لتصبح أموالا شرعية من ناحية قانونية, حيث يمكن بعدها أن تأخذ هذه الأموال طريقها إلى المعاملات الدولية والبنكية بكل يسر وسهولة باعتبارها أموالا أصبحت مشروعة. والتركيز على دول الشرق الأوسط تعود أسبابه إلى نقص التشريعات, وضعف عمليات الإشراف والرقابة على حركة الصرف والتحويلات, وإلى تفشي حالة الفوضى وعدم النظام في مجال المعاملات التجارية وزيادة عدد الوافدين في هذه الدول. وإذا كانت محاربة عمليات غسيل الأموال مسؤولية المجتمع الدولي, إلا أن ذلك لا يمنع الدول من اتخاذ الإجراءات الفردية لحماية اقتصاداتها وخاصة تلك التي تعتمد إلى حد كبير على التجارة الدولية والمعاملات البنكية والمصرفية. وفي دول المجلس فقد أحسنت البنوك المركزية عندما أصدرت تعليماتها بضرورة وضع الأنظمة واللوائح من أجل زيادة الرقابة على عمليات التمويل الخارجي لضبط العمليات غير المشروعة. وعن مدى فاعلية الأنظمة البحرينية كنموذج لبقية دول الخليج في مواجهة مثل هذه الجرائم, يقول محمد الوطني إن عمليات غسيل الأموال هي من الضخامة بحيث يجب القول إن من الصعب كشف جميعها, ففي أميركا مثلا تغسل سنويا ما يقارب من عشرات المليارات من الدولارات, وإنه في بداية التسعينات كانت تكتشف فقط 5% من هذه العمليات ولكنها بعد الإجراءات الأخيرة أصبحت تكتشف نحو 35% فقط منها. أما بالنسبة للبحرين فإنه يجدر التنويه والتفريق بين المحاولات ونجاح هذه المحاولات, فالمحاولات واردة خاصة مع وجود نظام السوق الحرة وأيضا كون البحرين مركزا ماليا وعالميا مما يغري غاسلي الأموال على المحاولة. إن هذه العمليات ليست كبيرة إن وجدت, كما أنها ستكون فاشلة أو ستفشل لكون البنوك في البحرين تعرف بشكل كبير عملاءها, وهي على اطلاع كامل بنشاطاتهم ونشاطات الدولة داخليا وخارجيا. ويضيف أن عدد سكان البحرين محدود ويمكن معرفة أصول كل فرد فيه تقريبا, وذلك يثير الشك في وجود ثراء لفرد دون معرفة أصله أو منبعه, كما أن عمليات الاستيراد والتصدير محددة ومحدودة, فالعمليات الكبيرة مثل تصدير النفط أو الألمنيوم تتم عن طريق الدولة وشركاتها أما الاستيراد فهو لبضائع استهلاكية عموما. كذلك فإن الرقابة والإشراف الكبير من قبل مؤسسة نقد البحرين فعال على جميع البنوك والمؤسسات المصرفية وغيرها إن كانت محلية أو أجنبية. ويقول إن قيام مؤسسة نقد البحرين بطرح مشروع قانون لمكافحة عمليات غسيل الأموال هو من الأمور التي تحسب لها, كما أنها يمكن أن تعطي لموقع البحرين كمركز عالمي مصرفي ومالي إيجابية إضافية من كون نظامها المالي نظيفا وخاليا من الأنشطة غير المشروعة لغسيل الأموال, كما أنه يمكن أن يكون عامل ردع وعلامة تحذير لأية محاولات استغلال في البحرين لغسيل أموال غير مشروعة. أما من جانب الدولة فإن الإسراع بإصدار هذا القانون هو من الأولويات التي يجب الأخذ بها, إلى جانب قيام الدولة بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية فيينا العام 1988 حول تجريم الأموال المحصلة من تجارة المخدرات, واعتماد أو الأخذ بالتوجيهات التي توصلت إليها بعض المنظمات الدولية حول محاربة غسيل الأموال, وخاصة ما قامت وتقوم به منظمة الدول السبع (دول الثماني حاليا) من إجراءات حول هذه الظاهرة ومحاربتها والسعي لتكوين مثل هذه اللجان في إطار مجلس التعاون الخليجي وضمن منظومة مجلس وزراء الداخلية العرب. وعن مخاطر ظاهرة غسيل الأموال, يقول محمد الوطني إن مخاطر ظاهرة غسيل الأموال والتي تسمى عادة بالأموال القذرة عديدة وفي جوانب شتى, ومجملها أن هذه الظاهرة تشجع على زيادة ارتكاب الجرائم بصفة عامة وخاصة الجرائم الخطرة مثل ترويج المخدرات والتصفيات السياسية ورشوة المسؤولين وبيع السلاح غير المشروع. ويكون ذلك عادة بتهريب الأموال الناتجة عن هذه الجرائم إلى خارج البلاد لمحاولة غسلها مما يحرم الدولة من مبالغ ضخمة ويسبب استنزاف الدخل القومي. كما أن تهريب هذه الأموال يزعزع المؤسسات المالية, خاصة البنوك, لأن أموالا ضخمة تنقل منها إلى جهات أخرى وبشكل مفاجئ كما أن لها تأثيرا كبيرا على العملة الوطنية, فعادة ما يؤدي قيام هذه العصابات بشراء العملات الأجنبية الآمنة مثل الدولار والجنيه الاسترليني وغيرهما في بعض الدول إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية, إلى جانب أن ذلك يؤدي إلى قلة المعروض من العملة الأجنبية فتتدخل الدولة لتوفير هذا النقص. ومن الناحية الاجتماعية ـ يضيف ـ فإن هذه الظاهرة تحول فئات منتجة في المجتمع إلى فئات غير منتجة, وتبرز فئات غنية بشكل مفاجئ من كسب غير مشروع وهذه الفئات لا تميز بين الإنفاق والاستثمار وتكون نزعتها استهلاكية ومعتادة على شراء السلع دون حاجة أو انضباط. كما أن هذه الظاهرة تؤدي إلى المنافسة غير الشريفة في التجارة والمشروعات الاقتصادية, فعادة ما تقوم هذه الفئات بشراء العقارات لإخفاء مصدر الأموال غير المشروعة ودون حاجة استثمارية حقيقية فترتفع قيمة العقارات, كما يقومون بافتتاح مشروعات تجارية ويبيعونها بأقل من التكلفة للحصول على النقد مغسولا, فتظهر منافسة غير شريفة مع التجار والمستثمرين الحقيقيين وخروجهم من السوق إما بالإفلاس أو إغلاق المشروع لعدم الربحية. ليس ذلك وحسب, بل إن هذه الفئات عادة ما تتدخل في السياسة وذلك عن طريق الانتخابات لإيصال أتباع إلى المراكز وبالتالي ضمان التأثير على القرار السياسي, وفي العديد من الدول يقومون بالمظاهرات والانقلابات السياسية وعادة ما يخرقون القانون وإعطاء الرشاوى. وبشكل عام يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدل الجريمة في المجتمع. ويقول د. محمد رضا أبو حسين إن الأسباب الحقيقية وراء انتشار ظاهرة غسيل الأموال تعود إلى الموازين الاقتصادية بين الدول ودرجة الفساد السياسي والإداري, حيث نجد أن الدول ذات الاقتصادات المنتجة والمصنعة تتخذ جميع الإجراءات التنظيمية والقانونية والمالية المتشددة من أجل حماية الأمن المالي والاقتصادي فيها, في حين لا تتخذ الدول الفقيرة الإجراءات نفسها بهذا الخصوص, بل إنها قد تشجع مثل هذه العمليات غير المشروعة من أجل دعم وضعها الاقتصادي والسياسي. كما تجدر الإشارة إلى أن الانتشار أيضا يعود إلى حالتي الرواج والكساد العالمي, ومدى الاستقرار السياسي والعسكري لأعضاء المجتمع الدولي, إلى جانب ضعف التعاون الدولي بهذا الخصوص, حتى أصبحت ظاهرة دولية يمكن أن يطلق عليها (المافيا الدولية لعمليات غسيل الأموال) . أما على المستوى الوطني, فإن الأسباب تعود بشكل مباشر إلى عدم وجود نظام مالي ورقابي محكم وقوي, وغياب نظام الضرائب أو ضعفه, والفساد الإداري والمالي والاقتصادي, ووجود أنظمة قانونية لا تجرم ولا تعرف هذا النوع من الجرائم, والتطور التكنولوجي في عمليات البنوك والتحويل المصرفي. ويضيف أن المؤسسات المالية هي المعنية بالدرجة الأولى بضرورة اتخاذها جميع الإجراءات اللازمة لعمليات الرقابة والضبط, كما أن التطور التكنولوجي وسهولة تحويل ونقل الأموال من دولة إلى أخرى عبر أجهزة الحاسب الآلي وغيرها أدى إلى تفاقم المشكلة وصعوبة ضبط هذه العمليات. ويجب التأكيد على أنه عندما نذكر المؤسسات المالية, فإننا لا نعني البنوك فقط, إذ إن مافيا تهريب الأموال قد هجرت الأسلوب التقليدي من تحويل الأموال عبر البنوك بعد زيادة الرقابة عليها, ولجأت في مقابل ذلك إلى أدوات وقنوات أخرى مثل الشركات الوهمية, السماسرة الدوليين, مؤسسات تحويل العملة, الجمعيات الخيرية, المؤسسات العقارية, شركات بطاقات الائتمان, جمعيات الادخار والتسليف, بل تشمل جميع القنوات التي تتعامل في الأموال, كالسماسرة, وأسواق الأوراق المالية, والصيارفة, ومؤسسات تحويل العملة. ويوضح أنه في دول مجلس التعاون الخليجي تحدث معظم عمليات غسيل الأموال عن طريق الصيارفة والشركات الوهمية, أو حتى إنشاء البنوك عن طريق المستثمرين الأجانب الذين يتخذون إنشاء البنك وسيلة لتهريب هذه الأموال باعتبارها جزءا من رأسمال البنك. أما الجهات الوطنية والدولية التي يمكنها إحكام رقابتها وفرض الضوابط التي من شأنها محاربة هذه العمليات, فعلى المستوى الوطني فإن السلطة التشريعية عليها أن تقوم بإصدار التشريعات الملائمة والمندرجة تحت قانون الجرائم الواقعة على المال والاقتصاد, ويمكن لهذه القوانين أن تتبنى الاتفاقيات الدولية والثنائية التي قامت بتوقيعها بعض الدول والاتفاقيات الخاصة التي تمت عن طريق الأمم المتحدة. ويذكر د. محمد رضا أنه استنادا إلى قانون إنشاء مؤسسات النقد أو البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي, فإن هذه المؤسسات المالية المحلية معنية بمتابعة التحويلات الأجنبية والإصدارات النقدية. وبذلك فإن ممارسة البنك المركزي أو مؤسسة النقد لدورها وفقا للأصول القانونية والإدارية وزيادة تشديد الرقابة والضبط على المؤسسات المالية والمحلية, من شأنها أن تؤدي إلى تقليل حالات عمليات غسيل الأموال, واتجاه المافيا الدولية التي تمارس هذه العمليات إلى دول أقل رقابة وتشددا بهذا الخصوص. ومرة أخرى يقول إن الدور الأكبر تلعبه المؤسسات المالية بمختلف أنواعها, إذ إنه مهما وضعت الدولة من تشريعات وزادت البنوك المركزية من درجة رقابتها, فإن هذه العمليات تتم عن طريق هذه المؤسسات المالية التي يجب عليها إبلاغ الجهات المسؤولة بذلك, ولكنها إذا تقاعست وفضلت السكوت نظرا للامتيازات التي تحصل عليها مقابل حفظ هذه الأموال أو تحويلها, فإن ذلك سوف يؤدي إلى إفلات هذه الأموال والمسؤولين عنها من المصادرة والعقاب. ويضيف أن البوليس الدولي يعهد إليه ليس حفظ الأمن العام من الناحية الاجتماعية فقط, وإنما عليه المحافظة على الأمن الصناعي والاقتصادي في الدولة, وعليه فإننا نجد أن أقسام وزارات الداخلية بدول مجلس التعاون الخليجي يقومون بدور فعال في ضبط العمليات التي تؤدي إلى إنزال أشد الأضرار بالاقتصاد الوطني, ومنها عمليات غسيل الأموال, ولكون هذه العمليات تتم عبر الدول, فإن أقسام الشرطة الدولية هي بالدرجة الأولى التي يجب عليها أن تتحمل هذه المسؤولية. ويلاحظ هنا أن هذه العمليات قد تطورت بتطور وسائل المواصلات والتكنولوجيا, ولذا لابد من إخضاع الشرطة الدولية إلى دورات ودراسات تؤهلهم للقيام بمهامهم على أكمل وجه. وتجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي قد قاموا بتنظيم برامج ودورات متطورة خاصة بأفراد الشرطة الدولية لتنمية مهاراتهم وقدراتهم على كشف هذه الجرائم. وحول إحكام الرقابة ومحاربة الفساد يقول إن هذا الدور سيادي تلعبه الدولة على إقليمها, إذ إن الدراسات تبين أن أحد أسباب انتشار ظاهرة عمليات غسيل الأموال هو وجود الفساد الإداري والاقتصادي في بعض الدول, التي تتخذها مافيا غسيل الأموال قنوات للنفاذ منها بتنفيذ عملياتها, وقد وجد أن الدول التي ينتشر فيها الفساد الإداري والاقتصادي هي البيئة المناسبة التي تنطلق منها عمليات مافيا غسيل الأموال. وعن أساليب مواجهة عمليات غسيل الأموال, يقول محمد الوطني إنه للوصول إلى الأساليب الفعالة والوقائية من عمليات غسيل الأموال في أية دولة, فإنه يجب في البداية معرفة مراحل غسيل الأموال, إذ إن عملية غسيل الأموال تمر بثلاث مراحل, هي الإحلال حيث يقوم غاسلو الأموال بالحصول عليها وهي تكون ناتجة عن عمليات إجرامية ثم محاولة إدخالها إلى النظام المصرفي دون لفت الأنظار. ويمكن أن يكون ذلك عن طريق تأسيس شركات أو مصانع وإعادة بيعها, أو إدخالها عن طريق كازينوهات القمار, أو بشراء عقارات أو سيارات أو يخوت وإعادة بيعها للحصول على النقد. وفي هذه المرحلة عادة ما يتم اكتشاف أغلب عمليات غسيل الأموال. ويستطرد قائلا إن التغطية تعني إخفاء العلاقة التي تربط بين تلك الأموال ومصادرها الحقيقية بالقيام بعمليات مالية وقانونية لإبعاد الشبهة عنها, فيتم تهريبها وإعادتها مغسولة عن طريق عمليات شراء أسهم والمضاربة بالبورصة وتحويلات مالية, وشراء بضائع بقيمة عالية وإعادة بيعها وغيرها. ويتم ذلك من خلال دمج الأموال غير المشروعة في الاقتصاد وجعلها تبدو طبيعية وسليمة, وكأنها أرباح مشروعة ناتجة عن عمليات تجارية عادية وحقيقية. ويجدر التنويه إلى أن هذه العمليات يقوم بها طاقم من المديرين والمستشارين والخبراء ووسائط الصرف الأجنبي, والذين لديهم دراية واطلاع كبيران على الأنظمة المالية والنقدية والقوانين في البلدان التي يختارونها لغسل الأموال. ويضيف أن أساليب مكافحة عمليات غسيل الأموال تعتمد من جانب الدولة على إصدار القوانين والتشريعات الخاصة بمكافحة غسيل الأموال, والتي تنص صراحة على تجريم هذا النشاط والعقوبة على المشاركة فيه, والنص على مصادرة هذه الأموال, والتوقيع على الاتفاقيات الدولية المحرمة لهذه العمليات, وعقد اتفاقات ثنائية ومتعددة الأطراف تحرم وتكافح هذه الظاهرة. أما من جانب البنوك فيتم تكوين إدارة خاصة داخل كل بنك مهمتها تلقي تقارير الموظفين وشكوكهم تجاه المعاملات المشبوهة وإيصالها إلى الجهات المختصة, مثل مؤسسة نقد البحرين التي تقوم بدورها بإحالة الأمر إلى جهات التحقيق. وتطبيق مبدأ (أعرف عميلك) وذلك بالنظر إلى كل عميل على حدة, فإذا كان مثلا تاجرا صغيرا للخضراوات وفجأة تدخل في حسابة أموال كبيرة, أو ترد إليه من مناطق غير مألوفة لتجارته مثل كولومبيا فإنه يكون مثار شك كبير. كذلك يتوجب توعية وتدريب موظفي البنوك على أساليب كشف هذه العمليات, خاصة وأن عصابات غسيل الأموال تستخدم مستشارين وخبراء وتعمل بأساليب دقيقة وماهرة في التخفي, واتخاذ عقوبات وجزاءات على الموظفين والعاملين في البنك لعدم قيامهم بالإبلاغ عن العمليات المشبوهة التي تمر عن طريقهم. غسيل الأموال ظاهرة عالمية

Email