البيان تفتح ملف اليورو وتأثيره على اقتصاد الامارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كان بعض المحللين لم يتردد في الذهاب الى تأكيد ان اطلاق اليورو اعتبارا من الاول من يناير المقبل يعد الحدث الاكثر اهمية في عالم النظم النقدية منذ ابتكار فكرة العملة ذاتها , فإن الامر على الصعيد العملي يعني قدرا هائلا من الاستعدادات داخل الاتحاد الاوروبي نفسه وعلى امتداد العالم لهذا الحدث المالي والاقتصادي الكبير. ويكفي في هذا الصدد ان تتذكر ان مؤسسة مالية مثل ميريل لينش قد انفقت حتى كتابة هذه السطور 79 مليون دولار للاستعداد لانطلاق اليورو. وان مصرف مثل بنك ايرلندا يتوقع تبخر ارباح تصل 30 مليون دولار في قطاع التحويلات بين العملات كنتيجة لانطلاق اليورو وبالمقابل ينتظر ارباحا هائلة في المدى الطويل نتيجة لزيادة القدرة التنافسية الاوروبية مع انطلاق العملة الاوروبية الموحدة. هذا الحدث الكبير بكل المعايير هو الذي يدعونا الى فتح ملف اليورو منظورا اليه في المقام الاول من زاوية تأثيره على اقتصاد الامارات وعلى آليات عمل القطاع المصرفي بالبلاد وامتداد منطقة الخليج. وفور فتح هذا الملف يبرز, على الفور تقريبا حشد من الاسئلة المهمة, التي لابد أن تكون الاجابات عليها قد تكاملت بالفعل في ضوء استعدادات المصارف والمؤسسات المالية لانطلاق اليورو, الدراسات والابحاث التي اجرتها والندوات والمؤتمرات التي عقدتها. فما هي بالضبط طبيعة التأثيرات التي سيتركها اطلاق اليورو على اقتصاد الامارات والخليج عامة؟ الى أي حد يمكن تجنب الآثار السلبية؟ والى أي حد يمكن تحويل هذا التطور الى متغير ايجابي باعتبار ان الامارات شريك تجاري اساسي لدول الاتحاد الاوروبي؟ ماهي على وجه الدقة السياسات المالية والمصرفية التي من خلالها يمكن الاستفادة من هذا التطور اخذا في الاعتبار العلاقة الوثيقة بين الدرهم والدولار الامريكي؟ ماهو التأثير المتوقع لانطلاق اليورو على المعاملات والصفقات التجارية في المنطقة؟ وماذا عن عمليات تداول العملات؟ ماهو حجم الخسائر المترتبة على اختفاء العملات الاوروبية بعد الفترة الاختيارية المقدرة بثلاث سنوات؟ كيف يؤثر دخول اليورو عل اسواق النفط العالمية؟ وكيف سيؤثر ذلك على مبيعات نفط الامارات؟ هل سيؤدي اطلاق العملة الجديدة الى التأثير على سياسات صرف العملات في الخليج؟ هل سينعكس على أسعار السلع والبضائع الاوروبية المصدرة الى المنطقة؟ وما طبيعة هذا الانعكاس على وجه الدقة؟ وكيف سيجري رجال الاعمال صفقاتهم مع نظرائهم في الدول الاوروبية بعد انتهاء الفترة الاختيارية اي بحلول 31 ديسمبر 2001؟ وماذا عن المرحلة التي تلى ذلك؟ هذه الاسئلة وغيرها كثير سيتصدى هذا الملف الذي تفتحه الامارات الان وهنا للمهمة الصعبة المتمثلة في ايجاد ردود واضحة عليها. تحول هيكلي اكد المصرفيون بالدولة والخبراء والمحللون الغربيون ان العملة الاوروبية الموحدة (اليورو) التي سيسري العمل بها اعتبارا من الاول من يناير المقبل, سوف تترك اثارا كبيرة على اقتصاد الدولة وعلى اقتصاديات كل دول منطقة الخليج وهي شريك تجاري اساسي لدول الاتحاد الاوروبي, بالاضافة الى الانقلاب الكبير الذي ستحدثه على النظام المالي العالمي. ووصف هؤلاء المصرفيون والخبراء العملة الاوروبية الموحدة بانها اكبر تحول هيكلي للسياسة المالية العالمية في التاريخ الانساني كله, كما انها ستؤدي الى ظهور أكبر اقتصاد عالمي يتجاوز في هيمنته وسيطرته في خلال خمس سنوات الاقتصاد الامريكي. اضافوا ان العملة الجديدة ستمثل تحديا خطيرا وحقيقيا للدور الامريكي خاصة وانما ستؤثر بصورة حادة على اسعار الفائدة الامريكية واسعار صرف العملات في مختلف دول العالم. وكشف الخبراء لــ (البيان) ان انطلاق اليورو بشرط انتهاج سياسات مالية ومصرفية سليمة, ان تستفيد منه اقتصاديات دول الخليج وقالوا ان الاستقرار النقدي في اوروبا بعد العمل بعملة اليورو سيوفر للشركاء الخليجيين امكانية تكييف انظمتهم وسياستهم النقدية ودفع الدول الخليجية للبدء في وضع سياسات مالية حذرة وارساء اصلاحات هيكلية مهمة بهدف تذليل العقبات امام اندماج الاقتصاديات الخليجية في الاقتصاد العالمي. وهناك اسئلة تطرح نفسها بقوة الآن على الساحة الاقتصادية منها هل استعدت الامارات وبقية اقتصادات دول الخليج لقدوم اليورو الوشيك؟ والى أي مدى ستتأثر سياسات صرف العملات بالعملة الجديدة وكيف ستتم التعاملات التجارية وصفقات (البيزنس) بين رجال الاعمال في الدولة وفي دول الخليج وبين دول الاتحاد الاوروبي الاحدى عشرة التي أعلنت انضمامها للعمل بالعملة الاوروبية الموحدة في الاول من يناير المقبل؟ انخفاض في الاحتياطيات علق كريستيان بيير الخبير الاقتصادي ومدير عام بنك باريبا الفرنسي في دبي عندما سألته عن حجم الاثار المتوقعة لعملة اليورو على النظام المالي العالمي وعلى دول الخليج تحديدا وعلى الاقتصاد المحلي في الامارات بصفة خاصة, بادر بالقول اليك بعض الارقام والحقائق حتى تدرك معنى نزول اليورو الى الاسواق العالمية: * بلغ نصيب دول الاتحاد الاوروبي من اجمالي الناتج العالمي 18% العام الماضي مقابل نفس النسبة لنصيب الاقتصاد الامريكي و11% للاقتصاد الياباني. * عدد الكسان في دول الاتحاد الاوروبي يبلغ 291 مليون نسمة مقابل 269 مليون نسمة في الولايات المتحدة و126 مليون نسمة في اليابان. * نصيب صادرات دول الاتحاد الاوروبي من اجمالي الصادرات العالمية يصل الى 20% تقريبا مقابل 25% للصادرات الامريكية و10% لصادرات اليابان. * بلغ حجم النمو في القطاع الصناعي الاوروبي خلال الفترة من 1991 الى 1996 نحو 21% مقابل 18% في الولايات المتحدة. هذه الارقام يقول كريستيان بيير تعكس حجم الزلزال المالي العالمي القادم ونظرا لارتباط الاقتصاد الخليجي والتجارة الخارجية لدول الخليج العربي, والكلام لايزال لكريستيان بيير, فإن اقرار العملة الاوروبية الموحدة من شأنه ان يدفع دول الخليج العربية للتعامل بهذه العملة وذلك يعني خفض احتياجات هذه الدول من الاحتياطيات النقدية الدولارية والعملات الرئىسية الاخرى في مجال تسوية المعاملات التجارية مع دول الاتحاد الاوروبي. وبالنسبة لتأثير اليورو على سياسات صرف العملات في منطقة الخليج, قال الخبير الاقتصادي ان سياسية صرف العملات تختلف من دولة الى اخرى خاصة, وان هناك دولا تعتمد تقريبا على نظام صرف ثابت يرتبط بالدولار بينما توجد دول اخرى ترتبط سياستها المالية بسلة العملات الصعبة في مقابل دول اخرى تعتمد على انظمة صرف اكثر مرونة, واضاف كريستيان بيير ان اكبر استفادة ستعود على دول المنطقة وعلى دول الاتحاد الاوروبي هي في تقوية الرغبة المشتركة بينهما في زيادة حجم التعاون التجاري والاقتصادي بين المنطقتين. اسعار السلع الاوروبية اما ابراهيم ناصر راشد لوتاه المدير الاول ببنك الامارات الدولي فرع دبي الرئيسي فيؤكد ان تأثير العملة الاوروبية الموحدة على الاقتصاد في الدولة سيكون بسيطاً في السنوات الاولى من بدء التعامل بعملية اليورو ويعود ذلك من وجهة نظره الى ان العلاقات التجارية بين الامارات ودول الاتحاد الاوروبي ليست علاقات وثيقة الى حد كبير وقال انه يتوقع ان يحدث انخفاض ما في حجم اسعار السلع والواردات الاماراتية من دول الاتحاد الاوروبي خاصة وان عمولات تحويل سعر العملات الوطنية في هذه البلدان مقابل الدولار ستكون غير موجودة, الامر الذي سيفيد الاقتصاد الوطني في الدولة وسيؤدي الى خفض ملحوظ في اسعار بعض السلع والمنتجات الاوروبية المقبلة من هذه الدول للامارات. ودعا لوتاه الى ضرورة اعادة النظر في عمليات الخزانة في المصارف والمؤسسات المالية المختلفة بالدولة لدراسة افضل السبل والسياسات المصرفية للاستفادة من اليورو وتحقيق ادارة افضل للسيولة عندما تكون بعملة واحدة. وقال ابراهيم لوتاه ان حجم التجارة بين دولة الامارات ودول الاتحاد الاوروبي الاحدى عشرة تبلغ نحو اربعة مليارات دولار سنوياً ومن الطبيعي انه سيتم تقويم هذه التبادلات التجارية الضخمة بالعملة الاوروبية الموحدة اليورو اعتباراً من بداية يناير المقبل, وذلك يعني تراجع دور الدولار الامريكي في العمليات التجارية. وحول السعر المتوقع للعملة الاوروبية الموحدة اليورو مقابل الدولار, قال ابراهيم لوتاه انه لم يتم حتى الآن تحديد سعر محدود لليورو مقابل الدولار, الا ان التوقعات الاقتصادية تشير الى ان اليورو سيساوي نحو 16.1 دولار امريكي, واضاف انه اعتباراً من الدقيقة الاولى من صباح الاول من يناير المقبل سيكون من حق المواطنين والوافدين ورجال الاعمال في الدولة فتح حسابات بنكية وائتمانية في بنك الامارات الدولي بعملة اليورو, مشيراً الى ان هذه الحسابات الجديدة ستعمل على تقليل المخاطرة وبعث الطمأنينة في السوق المالية بالدولة واكد لوتاه ان بدء التعامل باليورو لن يؤثر على اسعار الفائدة في الامارات. واشار المسؤول المصرفي ببنك الامارات الدولي الى انه خلال الفترة من الاول من يناير 1999 وحتى 31 ديسمبر 2001 لن يكون هناك الزام على رجال الاعمال والمستثمرين لاتمام عملياتهم التجارية باليورو, ذلك انه لن يكون هناك اي اوراق نقدية او معدنية لليورو وانما ستقتصر فقط على التحويلات الالكترونية. اما اعتباراً من الاول من يناير 2002 وحتى 30 يونيو 2002 فسوف يتم طرح عملة اليورو جنباً الى جنب مع بقية العملات الوطنية في دول الاتحاد الاوروبي الاحدى عشرة اي انه خلال تلك الفترة والتي ستستغرق ستة اشهر فقط سيكون من حق عملاء المصارف المختلفة شراء وبيع عملة اليورو مقابل العملات العالمية الاخرى على ان يتم سحب عملات دول الاتحاد الاوروبي الاحدى عشرة تدريجياً من الاسواق خلال تلك الفترة وبعد هذا التاريخ سيتم الغاء العمل بهذه العملات الوطنية. واشار لوتاه الى مبادرة بنك الامارات الدولي فرع دبي الرئيسي الخاصة بعقد الندوات التوضيحية لعملاء البنك الفرع الرئيسي لاطلاعهم على الآثار المتوقعة من جراء العمل بالعملة الاوروبية الموحدة اليورو, وطالب بأن تقوم كافة المؤسسات المالية والمصرفية بالدولة بعقد مثل هذه الندوات والبرامج لتدريب موظفيها واطلاع عملائهم وتعريفهم باليورو والفرص التي يمكن تحقيقها والتحديات التي يفرضها التعامل به كعملة جديدة عملاقة تنافس اقوى العملات العالمية كالدولار الامريكي والين الياباني. وتشير الدلائل والمؤشرات الاقتصادية الى ان نزول اليورو الى اسواق المال العالمية يأتي في الوقت المناسب تماماً لصالح اقتصاديات الدول الاوروبية التي ستنضم الى العملة الاوروبية الموحدة. فمعدل التضخم في اوروبا بلغ ادنى مستوياته منذ اكثر من خمسين سنة كما ان توقعات الخبراء الاقتصاديين تؤكد ان معدل النمو الاوروبي في العام المقبل سيصل الى 6.2%. البنك المركزي الاوروبي وحول الدور الذي سيلعبه اليورو في اسواق المال العالمية وفي اتمام الاعمال والصفقات التجارية بين مختلف الشركات العالمية قال ويليم دوسنبرج محافظ البنك المركزي الاوروبي ان اليورو مرشح بقوة لكي يكون العملة الرئيسية للتعامل بين الدول, الا ان ذلك قد يستغرق بين خمس سنوات وعشر سنوات مشيراً الى ان الجنيه الاسترليني البريطاني ظل 60 عاماً حتى تمكن الدولار الامريكي من زحزحته من مكانته كالعملة الاحتياطية الاولى في العالم. واكد محافظ البنك المركزي الاوروبي انه ليس هناك اي دور سياسي لهذه المؤسسة المصرفية المركزية وان البنك الاوروبي لا يتلقى اي تعليمات سياسية او غير سياسية من اي حكومة اوروبية وان الوحدة الاوروبية النقدية لا تهدف ابداً الى احياء التكتلات السياسية في العالم. واضاف ان الهدف الرئيسي من وراء انشاء البنك المركزي الاوروبي هو تحقيق الاستقرار لاسعار الصرف بما يضمن خفض نسبة التضخم في اوروبا وتنشيط التبادل التجاري بين دول الاتحاد من جهة وبين مختلف دول العالم والمجموعة الاوروبية من جهة اخرى. ونفى المسؤول الاوروبي ان تكون هناك اي نية لخفض اسعار الفائدة الاوروبية بعد التخفيضات الثلاثة المتوالية لسعر الفائدة الامريكية وقال ان اسعار الفائدة في ثلثي دول المجموعة الاوروبية تبلغ حالياً 3.3% ونأمل قريباً جداً في ان يتم توحيد سعر الفائدة في دول المجموعة. آليات المناخ الاوروبي وحذر آلان مالك المدير الاداري للمكتب التمثيلي لبنك يونيون بنكير بريفيه في دبي من التأثيرات الحادة لعملة اليورو على الصناعة المصرفية في كل بلدان العالم بما فيها منطقة الخليج العربي, وقال ان الاتحاد النقدي الاوروبي سوف يجبر جميع الشركات العالمية على تكييف ادائها طبقاً (للمناخ) الاوروبي وهو ما سيؤثر بصورة مباشرة على سياسات واستراتيجيات التسويق والانتاج لدى هذه الشركات. وقال آلان مالك ان العديد من الشركات الاوروبية العملاقة قد استعدت تماماً للتعامل مع عملة اليورو والاستفادة من الفرص التي ستجنيها من هذه العملة الموحدة, بينما تكمن المشكلة مع الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم ومعظمها توجد في منطقة الشرق الاوسط والخليج التي يتركز نشاطها في الاسواق المحلية فقط, ذلك ان التعامل مع عملة واحدة في 11 دولة اوروبية يمثل لها خطوة نحو المجهول. وأضاف المسؤول في يونيون بنكير بريفيه ان التحدي الذي يفرضه اليورو لا يتمثل فقط ــ بالنسبة لدول الخليج العربي والشرق الاوسط ــ في الحاجة الى تغيير الانظمة المحاسبية في هذه البلدان بما يتوافق مع العملة الاوروبية الموحدة, وانما يمتد ايضاً الى قطاع تكنولوجيا المعلومات التي ستلعب دوراً رئيسياً وحاسماً في اعادة تشكيل النسق والانماط التي تدار بها العمليات التجارية. وقال آلان مالك ان الخطر الاكبر يكمن في تجاهل اليورو ومعاملته كمجرد عملة عادية اخرى لأن القضية هنا تتعلق بسؤال اساسي هو: من الذي سيكسب ؟ ومن الذي سيخسر في لعبة اليورو؟ تحقيق: طارق فتحي

Email