الخبير الاقتصادي مدير عام بنك باريبا الفرنسي في حوار شامل مع (البيان): دبي ... ترمومتر الاستثمار في المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلود كريستيان بيير هو أحد المحللين الاقتصاديين الغربيين المهتمين بالتطورات المالية والمصرفية في منطقة الشرق الأوسط . وبالاضافة إلى ذلك فهو يعمل في أحد البنوك الفرنسية العريقة التي جاءت إلى منطقة الخليج منذ أكثر من 25 عاما وارتبط نشاطها الأساسي بالاستثمار في المشروعات البترولية وتمويل الشركات الخاصة. وعلى الرغم من حداثة تعيينه مديرا عاما لفرع بنك باريبافي دبي، وذلك منذ أربعة شهور تقريبا، الا ان كريستيان بيير ـــ كما قال لي في حواره مع »البيان« ـــ كان حريصا على متابعة الأنشطة الاقتصادية والمالية في دولة الامارات عموما وفي دبي تحديدا لما تتمتع به من امكانيات نمو هائلة وسوق مالية واعدة تجعلها مركزا اقليميا و»ترمومترا« لقياس النشاط المالي والاستثماري في بقية بلدان الخليج العربي. وقال ان جميع عوامل اقامة »البيزنس« في دبي متوافرة وانه لا توجد أي مبررات للتخوف من عواقب انخفاض أسعار البترول على النشاط الاقتصادي في الدولة. وأكد ان الأسباب التي أدت إلى نشوب الاضطرابات في أسواق المال الآسيوية والأزمة المالية الطاحنة في روسيا والبلدان التي استقلت حديثا عن الاتحاد السوفييتي السابق غير موجودة وتكاد تكون منعدمة في دبي وباقي امارات الدولة. وقال كلود كريستيان بيير ان الدوائر المالية والاقتصادية في دولة الامارات ينبغي أن تجعل من الأزمة الآسيوية وانهيار أسعار البترول عوامل جذب لزيادة الأنشطة الاستثمارية واقامة المشروعات الخاصة والعامة الناجحة بالمعايير الاقتصادية، والاستفادة من تخفيض أسعار النفط في اقامة مشروعات صناعية متصلة بمشتقاته المختلفة. وشدّد المدير العام لبنك باريبا في حواره مع »البيان« على أهمية العلاقة الممتازة التي تربط بين البنك المركزي في أبوظبي وبنك باريبا وأكد في نفس الوقت على أهمية وجود قانون تشريعي واضح يتناول قضية اشهار الافلاس. وأعرب كريستيان بيير عن اعتقاده بأن ما تحتاجه البنوك الوطنية في المرحلة المقبلة هو خلق نوع من التحالف ـــ لا الاندماج ـــ فيما بينها. ورحب بالتعاون بين البنوك الوطنية والأجنبية مع الاستفادة المتبادلة بين الجانبين. وحول وجود سوق رسمية لتداول الأسهم والأوراق المالية قال كريستيان بيير ان المهم هو اختيار التوقيت المناسب وأن تكون السلطات المسؤولة في غاية الحذر نظرا لأن أي سوق مالية جديدة قد يحدث بها بعض التجاوزات عند بداية نشاطها. وفيما يلي نص الحوار: تطورات مفيدة * بعد خبرتك الطويلة بالشؤون المالية والمصرفية في المنطقة، ومرور أكثر من أربعة شهور على رئاستك لفرع باريبا دبي، كيف ترى عجلة النمو الاقتصادي في الدولة وإلى أي مدى تأثر النشاط الاقتصادي في الدولة بانخفاض أسعار البترول العالمية وانفجار الأزمات المالية في منطقة جنوب شرق آسيا وروسيا؟ ـــ انني سعيد بوجودي في دبي في هذا الوقت بالذات الذي تشهد فيه الامارات ودبي على وجه الخصوص نشاطا اقتصاديا وماليا ملحوظا. والسبب الرئيسي في سعادتي هو ان أسباب الانهيار المالي الذي عانت منه اقتصاديات بعض الدول الآسيوية وروسيا والدول التي استقلت حديثا عن الاتحاد السوفييتي غير موجودة ومنعدمة تماما في دبي وامارات الدولة، بل إن هذه المنطقة (يقصد دول مجلس التعاون) يمكن أن تستفيد من هذه التطورات في جذب الاستثمارات الأجنبية إليها. لكن ما هي هذه الأسباب التي أدت إلى الأزمة (هناك)؟ وكيف يمكن أن تصبح عوامل ايجابية (هنا)؟ ـــ هناك أسباب عديدة للأزمة منها الأموال الساخنة التي لا تعرف موطنا ولا تستقر طويلا في مكان واحد. هناك أيضا التفسخ الاجتماعي والمشاكل الخطيرة والمعقدة الناجمة عن ذلك. هذه الأسباب وغيرها أدت إلى هروب رؤوس الأموال الخاصة وهي تبحث عن مكان هاديء للاستثمار المطمئن. فالمستثمرون لا يريدون أكثر من سوق تنخفض فيها نسبة المخاطر بحيث يشعرون بالأمن والطمأنينة على استثماراتهم وأموالهم. هذه السوق من الممكن أن تكون دبي والمنطقة بصفة عامة. وبالاضافة إلى ذلك فلا توجد هنا مشاكل اجتماعية خطيرة كتلك التي يعاني منها المجتمع الروسي على سبيل المثال. أما بالنسبة لانخفاض أسعار البترول وأثره على النشاط الاقتصادي في دولة الامارات فيمكنني القول ان رجال الأعمال هنا أمامهم فرصة ذهبية للاستفادة من هذا الانخفاض والبحث عن مشروعات صناعية أخرى بديلة. ولا تنسى ان انخفاض سعر النفط يعني انخفاض أسعار كثير من السلع والخدمات الأخرى. وذلك يعني انخفاض التكاليف المادية للمشروعات الاستثمارية التي ينبغي على رجال الأعمال والمستثمرين التفكير في تنفيذها في مثل هذه الظروف. التكيف أصحاب المحلات التجارية والمهتمون بالشؤون الاقتصادية يؤكدون تأثر السوق المحلية بالأزمة الآسيوية وتفاعلاتها المختلفة؟! ـــ أنا لا أنكر ان البيزنس والنشاط الاقتصادي هنا في الدولة قد تأثر بما جرى ويجري في آسيا وروسيا. لكنني على يقين من ان رجال الأعمال والمستثمرين الوطنيين قادرون على التكيف مع هذه الأوضاع المؤقتة والخروج منها أقوى وأكثر نجاحا. إنهم هنا ــ وهذه هي طبيعة رجال الأعمال الحقيقيين ـــ معتادون على مثل هذه الأزمات وكيفية التعامل معها. هل تنسى الحرب العراقية الإيرانية وتهديدها للاستثمار في المنطقة؟ لقد شهدت المنطقة إبانها وبعدها تدفقا للاستثمارات الأجنبية ونشاطا اقتصاديا محليا ملحوظا، ولم تتأثر كثيرا بآثار هذه الحرب التي استغرقت عدة سنوات. إنما ليست المرة الأولى التي يعتاد فيها المستثمرون ورجال الأعمال الوطنيون على مواجهة المواقف الصعبة. ثم هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية. وهي انه منذ 14 سنة لم تكن هناك بنية تحتية تفي بقيام مشروعات ضخمة مربحة وجاذبة لرأس المال الخاص والاستثمار الأجنبي. الآن الوضع مختلف تماما. ففي هذه المدينة الجميلة مثلا (يقصد دبي) توجد بنية تحتية وشبكة طرق تضارع مثيلاتها في المدن الغربية والأمريكية الكبرى. فمطار دبي يعد واحدا من أكثر المطارات ازدحاما بالمستثمرين ورجال الأعمال في العالم. كل ذلك يجعلني واثقا من ان »البيزنس« سيتمكن هنا في دبي والامارات من التوافق والتكيف مع آثار الأوضاع الاقتصادية في روسيا ودول جنوب شرق آسيا وسوف تعود عجلة النشاط الاقتصادي إلى سابق عهدها. هل أثرت هذه الأوضاع وانخفاض أسعار البترول العالمية على نشاطكم كمصرف أجنبي يعمل أساسا في قطاع تمويل المشروعات البترولية وتقديم الائتمان؟ ـــ الواقع ان انخفاض أسعار النفط العالمية لم يؤثر على نشاطنا المصرفي ذلك لأننا نقوم حاليا بتمويل مشروعات عديدة كان قد تم الاتفاق عليها من قبل انهيار أسعار النفط العالمية. ونحن في باريبا نحاول التأقلم مع هذه الأزمة والتغلب عليها. كما ان السلطات المعنية هنا في دولة الامارات وباقي البلدان العربية الواقعة على الخليج العربي ستبحث عن مشروعات استثمارية أخرى أكثر انتاجية وربحية وستدفع الناس والمواطنين في هذه المنطقة لتقديم أفضل ما عندهم والعمل بأكبر قدر ممكن من الكفاءة لتعويض انخفاض الدخل الناجم عن انهيار أسعار البترول. الائتمان الاستهلاكي بعض الخبراء يحذرون من ان هناك افراطا من قبل البنوك العاملة في الدولة في تقديم الائتمان الاستهلاكي. فما تعليقكم؟ ـــ أولا لا يوجد افراط، وثانيا فإن الاستهلاك هو أحد العوامل المهمة والرئيسية في النشاط الاقتصادي. ولو حدث وتوقف الناس عن الاستهلاك أو انخفضت قدرتهم الاستهلاكية فإن ذلك سيؤدي إلى ما يعرف باسم الركود الاقتصادي. لكن ليس معنى ذلك أن تسرف البنوك في تقديم الائتمان. والخبراء يعرفون ان هناك نسبة معينة من الائتمان ينبغي على البنك عدم تجاوزها حتى لا يعرض رأس مال المودعين للمخاطرة. ولعل ذلك ما حدث في الأزمة الآسيوية، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي أن يوجه تحذيرات متكررة للسلطات المالية في هذه البلدان من الاندفاع في منح وتقديم الائتمان الشخصي. المهم أن يكون هناك توازن بين النسبة التي يتم تحديدها للائتمان من قبل البنوك والأرصدة المالية الموجودة في هذه البنوك. كيف ترى العلاقة بينكم كمصرف أجنبي وبين المصرف المركزي في أبوظبي؟ ـــ تربطنا علاقات ممتازة بالمصرف المركزي وذلك بفضل اللوائح والتنظيمات المصرفية التي يضعها البنك المركزي لتسيير ومراقبة النشاط المالي والمصرفي بالدولة. وأعتقد ان كافة القوانين المصرفية المعمول بها هنا في الامارات التي تتسم بالمرونة والمصداقية. الا ان هناك بعض القوانين التشريعية التي من المهم للنشاط المصرفي والمالي أن تكون أكثر وضوحا. وأقصد بذلك القوانين المتعلقة باشهار الافلاس. وهذه المسألة على جانب كبير من الحساسية لأن المستثمر غالبا ما يفضل الهرب برأس المال عن مواجهة المتاعب والمصاعب الاقتصادية. كما أن وضوح قوانين الأفلاس في أي دولة تعمل على نمو النشاط التجاري والاقتصادي بها. هناك أيضا تعقيدات كثيرة في مسألة اصدار الشيكات في الامارات. غير ان هذه مسألة لها وجهان حيث تشير إلى دقة وصرامة القوانين واللوائح المالية والمصرفية المنظمة للشيكات، وفي نفس الوقت ربما تدفع هذه التعقيدات إلى وضع بعض العقبات أمام زيادة حركة النشاط الاقتصادي. البورصة ظاهرة ارتفاع وانخفاض أسعار الأسهم والخطوة الأخيرة بشأن انشاء سوق رسمية لتداول الأوراق المالية في الدولة.. ما هو تفسيركم لهذه الظاهرة وتعليقكم على أهمية وجود بورصة للأوراق المالية؟ ـــ أسعار الأسهم والتحديد الدقيق لقيمتها لا يمكن أن يتم على أساس التخمين والتوقعات. وفي غياب الشفافية ونقص المعلومات تتأرجح أسعار الأسهم في أي بورصة من بورصات العالم دون أن يعرف الناس لماذا صعدت أسهم هذه الشركة ولماذا هوت بعد ذلك أو العكس. ولذلك، فإن الخطوة السليمة التي تم اتخاذها مؤخرا هي الرد السليم والمدروس لمعالجة هذه الظواهر. ونحن في باريبا نرحب تماما باقامة مثل هذه البورصة. وأود أن أشير إلى المبادرة الرائعة الخاصة بالسماح للوافدين والأجانب بالاشتراك في عمليات تداول الأسهم سواء بالبيع أو بالشراء. وهي خطوة طيبة في طريق وضع لوائح وقوانين واضحة وأسس قوية. غير ان على السلطات المعنية أن تأخذ حذرها عند بداية تشغيل بورصة الأوراق المالية. ذلك أن بداية أعمال ونشاط أي بورصة جديدة، غالبا ما يشوب عملياتها بعض التجاوزات، كما ينبغي التيقظ بالنسبة للسماح للأجانب بالتداول في البورصة خاصة وأن أسواق المال العالمية دائما تعاني من وجود المستثمرين الذين يدخلون البورصة لشراء الأسهم ويبيعونها ثم يرحلون بعيدا إلى بورصة أخرى بعد أن يكونوا قد حققوا أرباحا خيالية على حساب السوق المحلية. الاندماج أم التحالف مع قدوم العولمة، هل تعقد انه من الأفضل للبنوك الوطنية الاندماج فيما بينها لمواجهة تحديات المنافسة التي تفرضها البنوك العالمية العملاقة؟ ـــ أولا ليس صحيحا ان البنوك المندمجة تحقق أرباحا دائما. فليس كل الاندماجات بين البنوك ناجحة. المهم هو الكفاءة والتنفيذ الهيكلي السليم والإدارة الرشيدة الفاعلة. وقبل ذلك كله وجود استراتيجية واضحة وهيكلية سليمة للمؤسسات المصرفية والتطوير المستمر لرفع أداء المواطفين والعاملين في هذه المصارف. عند تحقيق هذه الشروط، سيكون بامكان البنوك المحلية في الدولة مواجهة التنافسات التي تفرضها العولمة الاقتصادية والمنافسة الدولية. وبالاضافة لذلك فإن البنوك المحلية تمتلك العناصر الأخرى المطلوبة مثل الرصيد القوي للموازنة والقدرة التمويلية الهائلة، كما ان رجال البنوك هنا في الدولة تتسم نظرتهم بالموضوعية والمحافظة. فهم لا يميلون للمغامرة والاعتماد الكلي على التوقعات. النقطة الأخرى التي أود التأكيد عليها هنا هي ان البنوك المحلية سيكون بامكانها الاستفادة من خبرات البنوك الكبرى في الغرب ونقل التكنولوجيا والمنتجات المصرفية وتفعيل هذه الأدوات المصرفية الجديدة في هذه المنطقة من العالم. انني واثق من مستقبل البنوك الوطنية في الامارات. أما بالنسبة لاندماج البنوك الوطنية فإنني أرى ان السوق هنا ليست كبيرة بالدرجة التي تستوعب فيها هذه الاندماجات. لكن ربما تبرز في المستقبل أهمية وجود تحالفات وليس اندماجات بين البنوك. وأرى ان هذه التحالفات ينبغي أن تتم على مستوى قاعدة منطقة الشرق الأوسط وليس فقط بين البنوك المحلية هنا في السوق. وعلى البنوك الوطنية أن تستفيد من معرفتها بخصائص المنطقة في تفعيل التعاون فيما بينها والتعاون مع البنوك الأجنبية وتبادل الخبرات المصرفية معه. أي ان البنوك الوطنية لديها ما تقدمه للبنوك الأجنبية والأخيرة لديها ما تمنحه في المقابل. إن جزءا كبيرا من نجاحنا في بنك باريبا يعود إلى معرفتنا بطبيعة وخصوصيات هذه المنطقة. ما هو تقييمكم لمشاركة البنوك العاملة في الدولة في المشروعات الوطنية الكبرى بالدولة؟ ـــ المشروعات الوطنية الكبرى ليست في الغالب مربحة مثل بقية المشروعات الاستثمارية الأخرى. غير ان هذا لا يحول دون اشتراكنا مع البنوك الوطنية وتمويلها. ونحن في باريبا ساهمنا في تمويل مثل هذه المشروعات. كما اننا نعتبر المشروعات الاستثمارية في القطاع النفطي من المشروعات الوطنية الكبرى. حوار : طارق فتحي

Email