آفاق اقتصادية: تحرير التجارة العالمية والصناعات الوطنية: بقلم - د. محمد ابراهيم الرميثي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاشك ان تحرير التجارة العالمية (جاتس) والذي يتم من خلال منظمة التجارة العالمية سوف يكون على المدى البعيد في صالح كافة العالم. غير ان الفترة التي منحت للدول النامية لتعديل أوضاعها (وهي عشر سنوات) تعتبر فترة تعكس تنبؤات مفرطة في التفاؤل. فالدول النامية الداخلة في الاتفاقية ليست بنفس المستوى من النمو وليست بنفس المستوى من حيث الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمالية والمستويات العلمية. ومن هذا المنطلق, نجد انه في حين تحتاج بعض القطاعات الاقتصادية وبعض الصناعات الى فترة قد تصل الى عشر سنوات لكي ترتقي بمنتجاتها الى المستويات العالمية تظل قطاعات اخرى بحاجة الى فترات طويلة جدا قد تصل الى خمسين سنة وقد لا تصل الى الهدف المنشود. ونقصد بتلك القطاعات الصناعات التي تحتاج الى تكنولوجيا متقدمة. والتكنولوجيا هنا ليست بالضرورة تكنولوجيا جامدة (آلات ومعدات) وانما قد تكون تكنولوجيا ناعمة (خبرات وعلوم). ومن الامثلة على تلك الصناعات صناعة الادوية بالدرجة الاولى. ففي الوطن العربي تقدر قيمة استهلاك الدواء بحوالي خمسة مليارات دولار سنويا يغطي الانتاج المحلي حوالي 30% من حجم الاستهلاك وتعتبر 70% مستوردة من الخارج. وفي بعض الدول العربية مثل مصر وسوريا ترتفع نسبة التغطية المحلية حيث تصل في مصر مثلا الى 97%. غير ان النقطة الهامة في هذا الموضوع هي ان نحو 40% فقط من المنتجات المحلية من الدواء تعتبر صناعة عربية خالصة بالكامل, اما النسبة الباقية وهي 60% من الانتاج فتتم وفق عقود تصنيع مع شركات الادوية العالمية. وتجدر الاشارة الى ان الخامات والمواد الاولية اللازمة لصناعة الدواء لا تتوفر محليا حيث لا تتجاوز النسبة المتوفرة محليا 1% من حجم الخامات الداخلة في التصنيع, ويرجع السبب في ذلك الى ان انتاج تلك الخامات والمواد الداخلة في صناعة الدواء يتطلب استثمارات ضخمة في مجال الابحاث والتكنولوجيا ويتطلب كذلك الخبرات المتخصصة تخصصات دقيقة ويتطلب الاسواق الكبيرة. وهنا يكمن بيت القصيد, حيث سيتم مع تحرير التجارة الخارجية للدواء ارتفاع تكلفة الحصول على التقنية المتقدمة والخبرات المتخصصة وذلك بسبب وجود اتفاقيات حماية الملكية الفكرية وبراءات الاختراع من التقليد. فسوف يتم الاختيار بين امرين كلاهما مر. الاول يتعلق بتوفير التقنية المتقدمة والخبرات بتكلفة مرتفعة مما يعني ارتفاع اسعار الادوية والثاني استيراد الادوية الجاهزة وبتكلفة عالية كذلك. وقد يكون هناك حل ثالث واعتقد انه هو الذي سوف يسود المنطقة العربية على وجه الخصوص والدول النامية على وجه العموم, ويكمن ذلك الحل بحصول الصناعات المحلية على امتيازات الانتاج من الصناعات الاجنبية. وفي مثل هذه الحلول سوف تذوب هوية الصناعات الوطنية مع الزمن بهوية الصناعات الاجنبية الا ان المردود على المدى البعيد سوف يكون كبيرا وسوف يتمثل ذلك المردود بانتقال التكنولوجيا المتقدمة من الدول الصناعية الى الدول النامية ونقصد بالتكنولوجيا هنا كافة انواع التكنولوجيا التي يمكن ايجازها فيما يلي: 1ــ التكنولوجيا الجامدة (الآلات والمعدات والمكائن). 2ــ التكنولوجيا الناعمة (العلوم والخبرات). 3ــ تكنولوجيا العمل (الخبرات العلمية والادارية معا). ان الآثار السلبية على المدى القريب قد لا تقتصر على صناعة بعينها كصناعة الدواء وانما سوف تشمل كافة الصناعات التي تحتاج الى تكنولوجيا متقدمة وراقية من ذلك صناعة الكمبيوتر وما يرتبط بها من صناعات ومن ذلك صناعة استخراج وتكرير وتصنيع النفط. وصناعة الاغذية المعلبة وصناعة المنتجات الصحية والطبية وما يرتبط بها. ناهيك عن صناعة الاسلحة والمعدات العسكرية. وتأسيسا على ما سبق ذكره نرى انه من الضرورة بمكان عقد مزيد من الندوات والمؤتمرات العلمية المتخصصة التي تتناول دراسة ومناقشة كل قطاع او كل صناعة او نشاط اقتصادي بمفرده. فالعالم اليوم يميل ويتجه نحو التخصصات الدقيقة ولا يعقل ان نأتي بندوات عامة تناقش آثار اتفاقيات تحرير التجارة العالمية بشكل عام, حيث ان كل نشاط اقتصادي له خصوصيات مختلفة عن الانشطة الاخرى وكل دولة لها ظروف مختلفة عن الدول الاخرى. اما نحن دول الخليج فمن الممكن مناقشة الآثار على الاقليم كله مع تخصيص الانشطة. وهذا موضوع غاية في الاهمية.

Email