اتجاهات مالية: التكاليف الباهظة للسيطرة الاقتصادية: بقلم-اوزموند بلامر

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك قول سائد يردده الانجليز كثيراً حتى ذهب مثلاً, ومفاده ان السلطة تفسر صاحبها بحكم كونها سلطة, وان السلطة المطلقة تفسد صاحبها على نحو مطلق, وهذا القول يجسد رؤية متشائمة للسلطة , ولكن هناك العديد من الامثلة في العالم التي تؤيد التأكيد الوارد في هذا القول, والعديد من هذه الامثلة مستمد من جنوب شرق آسيا, حيث يقال ان شخصيات مثل فرديناند ماركوس وسوهارتو قد جمعت ثروات شخصية وعائلية طائلة على حساب الشعوب التي سيطرت على مقاليد امورها طويلاً. ويبدو ان من النتائج الحتمية لهذا القول السائر ان السيطرة عملية مكلفة في سوق يفترض انها حرة, وانه كلما زادت ممارسة السيطرة زادت تكلفتها في المدى الاطول, وهونج كونج تواجه الآن هذا الموقف حيث يشير المراقبون الى ان بورصة هونج كونج ستواجه انخفاضاً كبيراً بسبب انعدام الثقة في امكانية عودة الامور بها الى ما كانت عليه, وسبب انعدام الثقة هذا يشار اليه على انه يتمثل في التدخل الحكومي المرتبك للغاية في اشهر الصيف, وهو التدخل الذي حاولت السلطات في غماره دعم البورصة وستلازم ذكرى محاولة السيطرة هذه حكومة ما بعد تسليم المستعمرة السابقة للصين, مع قيام المستثمرين باعادة تقويم ما كان يتصدر الاستفتاءات على الدوام باعتباره اكثر اسواق العالم تحرراً, اي هونج كونج ذاتها. وغير بعيد عن هونج كونج تقبع ماليزيا عاكفة على لعق جراحها المالية, بما في ذلك اضطرارها الى مخاطبة صندوق النقد الدولي للحصول على قروض للمساعدة فيما تصفه باعادة بناء اقتصادها. وربما من الصحيح ان المستثمرين الدوليين لن يعودوا الا بعد ان يتم دفع الثمن المطلق للسيطرة, وهو الثمن المتمثل في منصب رئيس الوزراء ففي غمار سعي مهاتير محمد الى تأكيد السيطرة على حساب رأسمالي متذبذب الى حد كبير وعلى خلفه الذي كان محتملاً والمعروف عالميا والذي كان مكرساً كشخصية بارزة حتى وقت قريب, اقدم على كل شيء بما في ذلك حسم مصير بلاده باستثناء مصيرها في المدى البعيد. وفي مسرحية (يوليوس قيصر) لويليام شكسبير تلاحظ احدى الشخصيات ان (الشر الذي يقترفه البشر يبقى بعدهم, اما الخير فإنه غالباً ما يتداخل مع عظامهم) ولا يزال الناس ينظرون الى امريكا اللاتينية باعتبارها تشكل منطقة استثمار حافل بالمخاطر وذلك بسبب العجز عن الوفاء بالالتزامات في السبعينات واوائل الثمانينات وهذا يتجاهل الابحار الناجح في (أزمة التكيلا) في 1994 والصمود النسبي من جانب المنطقة في مواجهة (العدوى الآسيوية) هذا العام, ولسوف يمر وقت طويل قبل ان تتمكن حاليا من اجتذاب رأس المال العالمي على نطاق واسع وسوف يقتضي هذا الاجتذاب بالتأكيد ان يفقد من يسعون الى السيطرة بالفعل مقاليد امساكهم بها. وهناك دروس ينبغي تعلمها مما حدث مؤخراً في آسيا, ويتعين على دول مجلس التعاون الخليجي ان تلاحظ, وهي تستعد للقيام بعمليات تطوير اسواقها المالية, ان تدرس الضرر الناجم عن التقلقل الاخير والذي ترك اثره في التعاملات القائمة. وهناك مطلبان واضحان بالنسبة لاسواق المال, هما الافتقار للسيطرة الحكومية (وهو امر مختلف عن التنظيم الذي من المؤكد انه ضروري ومطلوب) والشفافية. والتنظيم مطلوب لضمان الالتزام بمستويات مناسبة من الافصاح عن البيانات وابلاغها للمتعاملين ولضمان حماية المستثمرين من التعامل وفق معلومات داخلية يحتكرها البعض وغيرها من الاشكال غير المقبولة في المعاملات والتي قد تؤثر على اسعار الاسهم والشفافية مطلوبة لطمأنة المستثمرين الدوليين الى ان رأس المال في أمان وهذان المطلبان لا يضمنان ابحاراً آمناً من كل المخاطر في امواج الاسواق, ولكنهما يسمحان للاسواق بأن تتجاوز العواصف وان تخرج منها وتصل الى الشاطىء من دون ان تشوب مصداقيتها شائبة. نائب رئيس لويدز بنك*

Email