اتجاهات مالية: مناضلو الحرية: بقلم اوزموند بلامر

ها قد دارت الدوائر على روسيا ونالها من النحس الذي حل بجنوب شرقي آسيا جانب ولعل لفحة من آتون الصيف الذي اكتوت تايلاند بويلاته العام الماضي اثر تفجر ازمتها المالية يجتاح وباؤها بلاد الكرملين هذه الأيام . وترتعد الاسواق وتترنح تحت وطأة مخاوف من انزلاق الاقتصاد العالمي الى هوة كبرى لا يسلم احد من شظاياها. وتقرر ماليزيا مؤخراً وبكل بساطة الانشقاق والنأي بنفسها عن نظام السوق الحرة وتفرض نظام رقابة صارما على رؤوس الاموال وتشتمل القيود الواسعة النطاق التي وضعتها منع الاتجار بالرينجت خارج البلاد. وتعلمنا كل فلسفات الدنيا انه كما تمنحنا الحريات الفردية حقوقاً نرفل في نعيمها, ترتب علينا تبعات وتحملنا مسؤوليات, وبالمنظور نفسه, فإذا كان لنا ان نجني ثمار الاسواق الحرة فلن يسعنا تجاهل الضرورة القصوى لاقامة بنية تحتية مالية متينة الاركان وارساء دعائم نظم سياسية تباهي بنزاهتها وتترعرع في كنفها تلك البنية المالية الصلبة وفي غياب هذه الشروط الموضوعية لن تقوم لاقتصاد قوي قائمة وسوف يظل المناخ خصباً ينذر باندلاع مزيد من الأزمات كالتي رأينا بل وربما أشد. ورغم ادراكي بأن المزاج العام السائد هذه الأيام يصادم رؤيتي, فإنني أعتقد بأن تشديداً رقابياً على رؤوس الاموال كالذي اعتمدته ماليزيا هو اقل العلاجات الرديئة سوءاً على المدى القصير. وعلى أية حال, فلا يصح هذا القول الا في حال تم انتهاج هذه الخطة للتخفيف من وطأة برنامج الاصلاح المالي المرير. الا انه في حالة ماليزيا فإن للمسألة وجهاً آخر على ما يبدو. فقد لجأ القائمون على الأمر لديها لتفادي القيام ببعض ما تمس الحاجة اليه من اصلاح, فلقد طرح مثلاً اقتراح باجراء تعديل تتميع بفضله تلك الوصفة العلاجية التي اوصي بها في قضية القروض المعدومة وهذا التوجه نكوص عن مسيرة الاصلاح. ولم يكن مهاتير محمد عمره كله نصيراً للسوق الحرة رغم ما حصد من بركاته على مدى السنين. لقد عصفت التطورات الاخيرة بماليزيا وطوحت بهذا البلد (سياسياً واقتصادياً) بعيداً عن رحاب النظرية الاقتصادية العامة التي يبشر بها صندوق النقد الدولي. وهناك وجهتا نظر حول هذا الموضوع ترى اولاهما انه لا ينبغي ان يقوم صندوق النقد الدولي بتشجيع الدول النامية على وضع ما تحتاجه من اصلاحات لبلوغ مرحلة النضج وللوصول الى السوق الحرة موضع التنفيذ, اذا كانت تلك الدول تفتقد الانظمة السياسية والمالية التي تكفل دعم تلك الاصلاحات. ومن شأن هذا الرأي ان يناصر الاجراءات التي اتخذتها ماليزيا. ولربما كان من الاجدى القول بأن سر الاسرار في عقيدة السوق الحرة ينبغي ان يؤكد على الدول النامية مثل ماليزيا بأن تنهض بمهمة الاصلاح المزدوجة على محوري أنظمتها السياسية وبناها المالية في ذات الوقت الذي تعكف فيه على قطف ثمار نمو اجمالي الناتج المحلي, الذي نعمت برغيد بركاته طيلة السنوات العشرين الماضية. وهناك الجسم الغفير من الدروس التي ينبغي الا يفوت ماليزيا تعلمها من جارتيها سنغافورة وهونج كونج في هذا المقام. آن أوان اطلاق صافرة النهاية في لعبة ماليزيا والنتائج لا تزال ابعد ما تكون عن دائرة اليقين الذي تطمئن اليه النفس. وهناك بعد آخر جانبي تمخضت عنه موجات الأزمات المالية التي عربدت في الشرق على مدى الاثني عشر شهراً الماضية, وهذا الاثر نلمسه قريباً من عقر دارنا, فلقد كادت هجمة المضاربات ان تنهش الريال السعودي الاسبوع الماضي, لولا ان هبت مؤسسة النقد السعودي وأحبطت وبسهولة ذاك الخطر الداهم. الا ان في ذلك لعبرة وعظة ينبغي ان تنهض نذيراً لحكومات الخليج ففيما تتضخم العجوزات لتصل الى ما هو ادنى قليلاً من المداخيل التي تتوقعها الميزانية, ولعل السبب الاكبر في هذا تردي اسعار البترول, ينبغي صرف قدر أعظم من الاهتمام الى مرابط العملات في المنطقة والتركيز على سبر أغوار قوى شماعات الارتباط تلك. والرسالة التي تبثها هذه الملاحظة غاية في الوضوح اذ يجب ترشيد الانفاق ان شئنا الحفاظ على معامل الارتباط ضمن معطيات مستويات الدخل الحالي. ويتضافر حشد كبير من الأمثلة التي تنبىء عن العواقب الوخيمة التي اسفرت عنها العملات التي اكتسبت قيمة مبالغاً فيها بشكل مصطنع لا تعززه المقومات الاقتصادية والتي تهاوت تباعاً على مدى الاشهر الاثني عشر الماضية. ومن الجدير التنبه الى السرعة المذهلة التي تسري بها عدوى الأوبئة الاقتصادية, وما امر جنوب آسيا عن الخليج ببعيد, لذا فلنهرع الى ما يضمن الا تحل الكارثة بديارنا. نائب رئيس لويدز بنك*