تحليل اقتصادي: الشراكة بين دول المتوسط والاتحاد الاوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالرغم من اتباع معظم دول البحر المتوسط سياسات اقتصادية ناجحة ادت منذ ما يقرب من عشرين عاما الى الاستقرار النقدي وتقدم عمليات الخصخصة واستقرار معدلات مستوى المعيشة, الا ان الاستثمارات في معظم دول المنطقة مازالت ضعيفة ومستوى المعيشة في اغلبها مازال منخفضا ومعدلات الادخارات المحلية مازالت لا تكفي لزيادة نشاط الاستثمار المحلي, هذا الى جانب وجود انخفاض ملحوظ في حجم التجارة بين دول البحر المتوسط, وبعضها وبينها وبين الدول الاخرى. ويمكن القول ان ثلاث دول فقط من دول المنطقة وهي تركيا وتونس ومصر حققت نسبة عالية في صادراتها الصناعية والنصف صناعية, وهذا في حد ذاته امر يدعو للتفاؤل. - ويرجع انكماش حجم التجارة الاقليمية بين دول البحر المتوسط الى الحواجز الجمركية وغير الجمركية التي مازالت تعوق حركة التجارة, وارتفاع التكاليف المتعلقة بالنشاط التجاري مثل النقل والمواصلات وايضا تعقد الاجراءات واللوائح المنظمة للتجارة بين الدول, وهذا لا يمنع ايضا من الاشارة الى ان هناك بعض العوامل السياسية التي تعوق التكامل التجاري في المنطقة ومن اهمها السياسة المتعنتة (اسرائيل) وعدم استقرار الاوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة وتعثر عملية السلام في الشرق الاوسط بوجه عام, وهي العوامل التي تؤثر بشكل غير مباشر على حجم التبادل التجاري في المنطقة. - رغم كل هذه العوائق والمشاكل الا ان التعاون والتكامل الاقليمي بين دول المتوسط يعد مرتفعا ومتقدما ويضعه البعض في المركز الثالث بعد دول النافتا والمجموعة الاوروبية في المنطقة القريبة, ووفقا لاتفاقية برشلونة الموقعة في نوفمبر سنة 1995 تتحدد بنود التعاون التجاري بين دول المتوسط ودول الاتحاد الاوروبي والتي تهدف في الاساس الى زيادة فرص التعاون بين الطرفين عن طريق تقديم التسهيلات والغاء او تخفيض الرسوم والتعريفة الجمركية ولكن ذلك بشريطة ان تفتح هذه الدول اسواقها بلا قيود للتجارة القادمة من دول الاتحاد الاوروبي. والامر هنا يتعرض لبعض المشاكل التي سوف تصيب دول المتوسط اكثر ما تصيب دول الاتحاد الاوروبي , ومن اهمها ان الكثير من دول المتوسط لم تكتمل فيها برامج الاصلاح الاقتصادي بعد ولم تتحرر فيها السياسات التجارية, ولم تكتمل فيها مشاريع انشاء اسواق التجارة الحرة المشتركة والتي تواجه صعوبات عديدة, ولم تتحرر فيها بشكل كامل الواردات السلعية, وكثير من هذه الدول تتوخى الحذر وتخشى الشراكة مع دول الاتحاد الاوروبي بشكل مفتوح يؤدي الى اغراق اسواقها بالسلع الاوروبية بلا قيود ولا شروط وهو الامر الذي يؤدي الى وقوع خسائر في واردات هذه الدول تصل الى 20% بسبب انخفاض حصيلة الجمارك والرسوم المقررة على السلع المستوردة من دول الاتحاد الاوروبي. من هنا ولكي تستفيد دول المتوسط من اتفاقيات المشاركة الاوروبية فان الامر يتطلب تحديد اهداف دول المتوسط كوحدة اقتصادية وتحقيق التكامل فيما بينها وتحرير السياسات التجارية فيها ودعم النظم النقدية والمالية ومكافحة التضخم وتسهيل انتقال رؤوس الاموال والعمالة والخبرات بين هذه الدول وغير ذلك من اشكال وبرامج التكامل والتعاون , ثم بعد ذلك تتوجه لتوقيع اتفاقات الشراكة مع الوحدات المجاورة لها مثل الاتحاد الاوروبي الذي اصبح يفضل الآن توقيع اتفاقات مشاركة تجارية مع وحدات وكتل اقتصادية متحدة ومتكاملة وليس مع دول منفردة لان المستثمرين الاوروبيين يجدون صعوبة في التعامل مع انظمة كل دولة منفردة على حدة. ومما لاشك فيه ان التكامل وتكوين وحدة تجارية واحدة سوف يقوي من مركز دول المتوسط في الاتفاق. ومن الطبيعي ان تحقيق الشراكة بين دول المتوسط والاتحاد الاوروبي يشكل نقطة توسع وانطلاق للشراكة مع الكيانات الاقتصادية المجاورة وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي , وتمتد الشراكة وتتسع في اطار العولمة لتصل الى اسواق شرق آسيا.

Email