قضايا بنكية: دروس مستفادة من أزمة النمور الأسيوية: بقلم - د. مغازي البدراوي

ت + ت - الحجم الطبيعي

سوف تظل الازمة الاقتصادية التي تعرضت لها دول جنوب شرق آسيا في الشهور الماضية مصدرا لدروس عديدة مستفادة لكثير من الدول الاخرى, فقد كانت دول مثل كوريا الجنوبية وتايلاند واندونيسيا وماليزيا بالامس القريب مثار اعجاب وانبهار العالم الذي اطلق عليها وصف (المعجزة الاسيوية) بعد التقدم والازدهار الاقتصادي الهائل الذي حققته منذ منتصف السبعينات وحتى الآن, ولكن فجأة وبدون سابق انذار وقعت الهزة مثل الزلزال, والذي فوجىء به العالم كله وحتى صندوق النقد الدولي الذي قدم في تقريره الذي سبق الاحداث بشهور قليلة معطيات وارقام توضح تقدم وازدهار واستقرار معدلات النمو في اقتصاديات هذه الدول. وكان (بيت الداء) ومصدر الازمة في الاساس المؤسسات المالية وبتحديد اكبر البنوك واسواق المال, وهو الامر الذي دفع البعض الى القول بان الازمة مالية وليست اقتصادية لانها وقعت بينما كانت الاسواق هناك رائجة والمصانع تعمل بشكل منتظم والبطالة شبه منعدمة والميزانيات تكاد تخلو تماما من اي عجز والانتاج مستمر في النمو والتكنولوجيا متطورة, ورغم هذا وقعت الازمة !! وقد لعبت البنوك في هذه الدول دورا كبيرا في وقوع الازمة خاصة بعض البنوك التي اسرفت بشكل واضح في منح القروض والائتمانات المالية وبضمانات ضعيفة, خاصة ان من هذه الدول يسمح للبنوك بنمو قروض بمبالغ كبيرة تزيد عما تمنحه البنوك في دول الغرب وذلك لتمويل المشروعات, واعتاد المستثمرون ورجال الاعمال هذا الامر كما اعتادت البنوك ان توفر رأس المال عند الطلب, واصبح مصير الانتاج مرتبط الى حد كبير بمصير هذه البنوك. وبدأت تتغلغل وتتسلل الاعتبارات الشخصية والمجاملات وايضا الاعتبارات السياسية في عمليات صرف القروض والاعتمادات من البنوك وابتعدت عن الاعتبارات الاقتصادية الموضوعية, وهو الامر الذي جعل الكثير من البنوك تعطى قروضا كبيرة بضمانات ضعيفة, ومع كثرة القروض والضمانات بدأت البورصات واسواق المال تلعب دورا اخر في تصاعد الازمة حيث بدأت فيها المضاربة بالعقارات والاراضي والاوراق المالية التي تحصل عليها البنوك كضمانات للقروض التي تمنحها, الامر الذي ادى الى انخفاض قيمة هذه الضمانات نتيجة لاهتزاز اسعارها. - ومع زيادة نشاط اسواق المضاربة والبورصات ودخول البنوك فيها تحولت النقود في حد ذاتها الى سلعة تخضع لقوانين السوق, ومن هنا اهتز المركز المالي والائتماني لبعض البنوك, ونتيجة لروابط نشاط اسواق المال والبورصات المالية, اصبحت الازمة التي تصيب واحد من البنوك في الدولة وايضا في الدول المجاورة المرتبطة في سوق واحد بهذه الدولة. وخلاصة القول ان الدرس المستفاد من الأزمة هو ضرورة الحد من نشاط البورصات المالية واسواق المال وربما يكون عدم وجودها لو امكن هو الافضل, هذا الى جانب ضرورة خضوع البنوك وخاصة الرئيسية منها لرقابة الدولة وتدخل الدولة فورا عند تعرض احد البنوك لأزمة مالية, وفرض رقابة مستمرة على عمليات منح القروض والاعتمادات المالية بضمانات, لانها تلعب دورا كبيرا في ازمات العديد من البنوك. - ونكرر في النهاية التحذير من اسواق المال والبورصات متذكرين قول البعض بان مايجنيه مصنع في سنوات ممكن ان يضيع في اسواق المال في ثوان.

Email