بين بساطة النص وغياب الإبهار في الفكرة الإخراجية

على هامش مهرجان ايام الشارقة المسرحية عرضت فرقة مسرح الفجيرة القومي مسرحية للاطفال بعنوان «الصبي الخشبي» من تأليف قاسم محمد ومن اخراج حكيم جاسم تمحورت فكرتها حول التلميذ المشاكس، الذي لا يحب المدرسة ولا العمل وانما يهوى اللعب والذهاب الى المسرح ولكي يرتقي الى مفهوم الانسانية فعليه طاعة والده والاجتهاد في الدراسة والعمل في الزراعة لمساعدة اسرته! هذه هي المقولمة التي اتكأت عليها احداث المسرحية فمسرح الطفل في عالمنا العربي مهمل ومهمش ومغيب تماما عن دائرة الضوء ولذلك يتم التعامل معه من خلال مناسبات معينة مثل المهرجان بشكل غير جاد واهتمام مشوب بالشك والريبة اذ تكتب الاعمال للاطفال على عجل وبتكليف من هذه الجهة او تلك ولهذا تأتي دوما دون مستوى الطموح وتهدف فقط للمشاركة والتواجد ليس اكثر وفي هذا السياق جاءت الصبي الخشبي كحدوتة غير متماسكة في البناء الدرامي وليست لها قوة التأثير والجذب عند الصغار او الكبار وحيث الاطفال يتواجدون فلابد من اللعب ولابد من الجري والقفز والتنطيط ولا يمكن لأي طفل ان يقتنع بفكرة التخلي عن اللعب او الفرجة على المسرح او التلفزيون ومن هنا سقط النص في هوة كبيرة وبدلا من توظيف اللعب في توجيه ذكاء الطفل الى شيء ما مفيد ونافع قام بدور سلبي ليجعله يقلع عن اللعب كي يكون انسانا وليس خشبا!! والحدوتة والحبكة الدرامية في مسرحيات الاطفال اشبه بالمقدسات لانها تشد انتباههم منذ الوهلة الاولى وحتى النهاية ومدخل الطفل للفن هو الحدوتة وقد غابت عن العرض او جاءت مهترئة ومفككة لبناء مجرد مقاطع!! اما الاخراج فقد كان كلاسيكيا ففي الديكور الذي يحتضن فكرة من هذا النوع باب: بيت.. مدرسة.. مسرح مجموعة اشجار وماسكات للوجوه عن الطيور والحيوانات كلها مشاهد ومناظر معادة ومكررة وحفظها الطفل لكثرة ما قدمت له وطفل الالفية الجديدة طفل القرن الواحد والعشرين يحتاج للابهار الذي يشده ويحتاج للتشويق والاثارة وليس الوعظ فو يعرف الكمبيوتر ويتعامل يوميا مع الانترنت ويجلس امام اكثر من مائتي قناة فضائية عربية واجنبية ولهذا فإن التعامل معه فكريا وفنيا من اصعب ما يكون على اي مبدع او فنان مما يجعل اكثر الكتاب شهرة وافضل الفنانين كفاءة يهرب من التصدي انتاجا لمثل هذه الاعمال! وعودة للصبي الخشبي نجد ان الغناء والموسيقى كانت من افضل العناصر التي استخدمها المخرج للتأثير على المتفرج كما نجح في مزجها برقصات استعراضية خفيفة من التراث الشعبي ولكن الاهازيج كانت كالاناشيد التي وضعت لها كلمات شعرية جيدة تتغنى بالعمل والعلم والأمل في الحياة كأهم ما يميز الانسان عن الحيوان كما كان الممثلون ظرفاء خصوصا عندما كانوا ينزلون الى الصالة ويشركون الاطفال معهم في ديالوج حول الصح والخطأ والاجابة عن بعض الاسئلة الخفيفة التي اشاعت جوا جميلا يحبه الطفل ويتواصل معه ويستوعب اي فكرة مهما كانت جديدة او صعبة! وقد برز من الممثلين بشكل جيد في هذا العرض الممثل الذي ادى شخصية الصبي الخشبي برشاقته وقدرته الفائقة على الحركة والجري والصعود والهبوط من المسرح والممثل الذي لعب دور الشرير بملابسه المزدانة والمزركشة وبألوانه التي كان لها تأثيرها وحجمه الضخم وايضا خفة ظله بينما كان الباقون يمثلون أداء للواجب فقط! ولذلك كان ايقاعهم باهتا وغير حماسي خصوصا العصفورة ـ العافية والممثلة التي قامت بدور الأم! اخيرا شيء جميل ورائع ان يكون لمسرح الطفل مثل هذه المشاركة في مهرجان المسرح المحلي للكبار ولكن الاجمل ان تقدم تجارب رائدة في عالمنا العربي مهما كانت التكاليف فالطفل هو اعز ما نملك وهو المستقبل الذي نراهن عليه فلماذا لا نجعله في بؤرة الحدث بدلا من الهامش؟