السيدة العظيمة .. تستجوب القتلى وتحدد شكلهم بمساعدة الكمبيوتر

بيان (2) : في كل عام تنقطع آثار أكثر من ألفي شخص في الولايات المتحدة وحدها ويعثر على الكثير منهم مقتولـين وقد تحللت جثثهم بشدة وتبقى هويتهم مجهولة. وقد أمضت خبيرة العلوم الجنائيـة ، ماري مانهين جل حياتها في جعل الموتى يفصحون عن هويتهم. وألهبت العظام البشرية خيالها فتحولت إلى عالمة إنسانيات جنائية وأخذت تجمع قطع الأحجيات الغامضة التي يعجز الأطباء الشرعيون عن حلها بمفردهم. وبوصفها مديرة علم الإنسانيات الجنائية ومشرفة مختبر الخدمات المعززة بالكمبيوتر في جامعة ولاية لويزيانا, حاولت ماري التعامل وحل الأسئلة الصعبة المتعلقة بالقتلى مجهولي الهوية لمعرفة الطريقة التي توفوا فيها وتحديد هوياتهم وكيف كان شكلهم وهم على قيد الحياة. وقد حضرت إلى اسكوتلنديارد مؤخرا للترويج لكتابها الجديد (السيدة العظيمة) ومشاركة المفتشين هناك في بعض أسرار عملها المروعة وتبادل المعلومات. تقول ماري ان علم الإنسانيات الجنائي يبدو مجالا رائعا للعمل بالنسبة للرجال وقد اختارت هذا المجال عن عمد حتى تظهر انه ليس حكرا على الرجال ومع ذلك لا تعتقد ان ثمة رابطا مشتركا بينها وبين المحققات الجنائيات اللواتي يظهرن في بعض المسلسلات والقصص البوليسية أمثال كاي سكاربيتا وباتريشيا كورنويل فهؤلاء طبيبات شرعيات وعالم الأمراض الباطنية لا ينطلق إلى الخارج ويقوم بأعمال المفتشين الجنائيين. وهذا العمل ليس رائعا كما يصوره التلفزيون والمؤلفات البوليسية بل هو عمل قذر من صميم الواقع لانه يشمل تحليل الأنسجة البشرية وتذويبها بالمحاليل والتخلص من الأجزاء المتحللة منها وتنظيف العظام وتجميع أجزاء الجمجمة البشرية لتحديد ما حدث لصاحبها. وهذا العمل ليس له علاقة بعمل المفتشين السريين فهي تبحث في البقايا البشرية وتحاول حل جزء من الأحجية وتحديد هوية صاحبها وجنسه وإلى أي عرق ينتمي ومتى وكيف توفي؟ وتشير ماري إلى الفارق بين عمل عالم الإنسانيات الجنائي والطب الشرعي فتقول ان كليهما يهتم بالأنسجة والعظام البشرية. وفي الحقيقة يتم استدعاؤها عندما لا تتبقى سوى كمية ضئيلة من الأنسجة البشرية وهذا يجعل مهمتها في غاية الصعوبة ولا تستطيع اجراء تشريح تقليدي للجثة. ولا يتبقى في بعض الأحيان من الأعضاء البشرية سوى العظام. وتستخدم ماري معرفتها بالهيكل العظمي لتحديد العمر والجنس والعرق وطول الضحية وتبحث عن أية علامات تعذيب وما إذا كان صاحب الجثة قد تعرض لاطلاق النار أم ضرب على رأسه بشيء ثقيل وحاد فأية ضربة ثقيلة وسريعة تفجر الرأس بشكل حاد ولكن يتم تجميع أجزائه بسهولة. أما إذا كانت أداة الضرب غير حادة فغالبا ما تغلف ضرباتها الجمجمة مما يجعل تجميع أجزائها أمرا في غاية الصعوبة. ويمكن أن يتعرض رأس الضحية لكلا الضربتين. وحتى لو تهشم الرأس إلى مئات القطع يمكن تحديد عدد الرصاصات التي أصابته وذلك من خلال نمط كسور الجمجمة. ومثل الكسور الموجودة في حاجب الريح في السيارة فإن الكسور التي تتسبب بها الرصاصة الثانية أو الثالثة عادة لا تتقاطع مع خطوط الكسور الناجمة عن الرصاصة الأولى. وتتحدث ماري عن شعورها عندما تتفحص بعض البقايا للمرة الأولى فتقول: ان المهمة الأولى غالبا ما تنحصر في تحديد ما إذا كانت هذه البقايا بشرية أم حيوانية وتكون المهمة سهلة إذا كانت العظام مكتملة أما إذا كانت هناك بعض العظام مفقودة فتكون المهمة في غاية الصعوبة. وإذا كانت العظام مكسورة أو محترقة على سبيل المثال فإن عظمة الفخذ لدى الغزال تبدو مشابهة لعظمة فخذ الإنسان. والخطوة التالية بعد التأكد من انها بشرية هي ازالة اللحم عن العظم ثم البحث عن أي دليل مادي يكون الطبيب الشرعي قد سها عنه لان الأنسجة تكون فوق العظام في ذلك الوقت. وتبدو العظام ماهرة في اخفاء أسرارها ولكن إذا كان الخبير الجنائي محترفا لدرجة كافية فإن بامكانه الكشف عنها وازالة الغموض في القضية, وما ان يتم تنظيف العظام حتى تتغير الصورة بصورة دراماتيكية. تورد ماري احدى القضايا كمثال عن ذلك حيث شعر أحد الأطباء الشرعيين ان سبب الوفاة ناجم عن طلق ناري. واستدعتها الشرطة حيث تفحصت البقايا الموجودة ونزعت الأنسجة عن الجمجمة وبدا واضحا ان سبب الجرح لم يكن طلقا ناريا على الاطلاق بل عملية تعذيب متتالية وبعد أن استكملت جمع الأدلة عن العظام بدا واضحا ان الجمجمة تعرضت للانفجار ولكن ليس على النحو الذي شخصه الطبيب. وتتحدث ماري عن كيفية نزع الأنسجة عن العظام فتقول: انها تزيل في البداية الأنسجة المتعفنة وتحاول بحذر شديد عدم الاقتراب من العظام ثم تقوم بتسخين وأحيانا سلق العظام لانتزاع الأنسجة المتبقية ولا تحاول تقريب نصل المشرط كثيرا من العظام لان ذلك قد يضللها إذا خدشت تلك العظام وفي معظم الحالات تكون هناك ديدان فتتم ازالة الأنسجة الدقيقة مع استبعاد الديدان. تضيف ماري: لقد شاهدت الآلاف من الديدان نراها تتقافز على الطاولة أمامنا بمنظرها البشع ونحن نتحمل منظرها لانها تحدد لنا دقة تاريخ الوفاة. وأنا لا آسف على رؤيتها لان حجمها يحدد مرحلة نموها وبالتالي كم مضى من الوقت على وفاة صاحب الجثة مع استخدام بعض الذكاء والخبرة بالطبع وفي إحدى الحالات نقلت الجثة من مسرح الجريمة ولكن تم الاستدلال على المكان من الدود المتفشي هناك. وتشير ماري الى الزيادة الكبيرة في النشاط في هذا المجال في الآونة الأخيرة لان الأمريكيين ينشغلون بالكامل عندما يعثرون على بعض البقايا المتحللة وربما يكون لوسائل الاعلام دور في ذلك فتنهال المكالمات عليها بالعثور على بعض العظام في الأفنية الخلفية أو في أسفل المنازل أثناء اجراء بعض الحفريات ويطلب المتصلون فحص هذه البقايا لانهم يعتقدون ان جريمة حدثت في ذلك المكان ويكتشف الخبراء انها عظام عادية ولا تستحق حتى نقلها لفحصها. وتتحدث ماري عن أول قضية صادفتها فتقول ان امرأة تعرضت للقتل بوحشية وامتهنت كرامتها وعلقت جثتها كالذبيحة ومزقت ثم ألقيت في نهر المسيسبي, وأحضرت الشرطة رأسها لتحديد ما إذا كانت قد تعرضت لاطلاق النار عليها من مسافة قريبة. وبعد تنظيف الجمجمة وازالة الأنسجة لوحظ وجود حروقات شديدة ومسحوق البارود على أرجاء الجمجمة من مسافات قريبة. ولم تكن هناك أية مشكلة في تحديد هويتها إذ كانت الشرطة تعرفها من خلال سجلات المفقودين لكنها كانت تريد معرفة عدد المرات التي تعرضت فيها لاطلاق النار وكذلك تحديد ما إذا كانت بعض العظام التي عثر عليها في إحدى الشاحنات تعود لها. وقد وضع القتلة الشاحنة في احدى محطات تنظيف السيارات للتخلص من بقع الدم وادعوا انهم قتلوا غزالا في غير الموسم المصرح به ووضعوه على ظهر الشاحنة ولا يريدون أن تغرمهم الشرطة. وكان القتلة يعرفون المرأة وخرجوا معها في وقت متأخر من الليل وتجادلت معهم وأثارت حنقهم فقرروا التخلص منها ثم ضربوها على ذراعها وكسروا عظامها فتناثر بعضها فوق الشاحنة وتمكن الخبراء من العثور على بقايا عظام صغيرة في محطة الغسيل وتم ارسال العظام إلى مختبر جنائي للتأكد من انها عظام بشرية لان خلايا عظام الغزال تبدو أطرافها مطولة قليلا ويبدو شكلها مستطيلا ومتراصة على بعضها بينما تكون العظام البشرية مستديرة ومفككة وهكذا تم التأكد من انها عظام بشرية وقُبض على القتلة واعترفوا بجريمتهم. وتعترف ماري بانها عندما تتفحص بعض البقايا كالجثث المحروقة فإن شهيتها للأكل تتراجع فلا تتناول اللحوم المشوية مثلا على الرغم من ارتدائها الثياب والأدوات الواقية, وتغسل يديها وجسمها مرات عدة بعد فحص الجثة وتحليلها. وتشعر بأن عليها أن تذهب للتنزه والترويح عن نفسها وهذا هو أفضل علاج ذهني تقوم به, فمن خلال ذلك تستنشق الهواء النقي وتطرد الهواء الفاسد الذي استنشقته من رائحة البقايا البشرية وعلاوة على ذلك تبدأ بتشغيل ذهنها وتحاول حل لغز القضية. وتروي ماري قائلة بأنه على الرغم من ان نشاطها في مجال العمل في ازدياد وتقوم بتحليل كم أكبر من الأنسجة والعظام البشرية الا ان ذلك لا يدل على ارتفاع نسبة الجريمة في الولايات المتحدة بل هي على النقيض من ذلك في انخفاض مستمر وسبب ازدياد نشاطها يعود لادراك رجال القانون لاهمية العمل الذي يقوم به خبراء الانسانيات الجنائية الذين يستطيعون من خلال إزالة الانسجة اللينه واعادة تركيب العظام تحديد عدد الجروح التي اصيبت بها الجثه وطبيعة هذه الجروح واتجاه الرصاص الذي أصابها وما إلى ذلك بموضوعية اكبر. وكعرف سائد لا يزيل الاطباء الشرعيون الانسجة اللينه مما يتيح للخبراء الجنائيين اضفاء ابعاد جديدة على القضية على الرغم من ان الاطباء لا يعترفون في بعض الاحيان باستنتاجاتهم. وتتحدث ماري عن طموحاتها الكبرى فتشير الى أنها تأمل بالتعرف على هوية مزيد من الجثث المجهولة وفي الولايات المتحدة يوجد أكثر من 300 الف مفقود بعضهم هارب من عائلته أو مطرود والبعض الآخر مخطوف أو مشّرد في الطرقات وهذا أمر مثير للأسى في دولة عظمى كالولايات المتحدة. وتنهي ماري حديثها قائلة لقد تعاملت مع أكثر من 750 قضية وتمكنت من حل معظمها باستثناء 35 قضية مثل جثة المرأة البيضاء التي عُثر عليها طافية على سطح المسيسبي عام 1982 وجثة الفتاة الصغيرة التي عُثر عليها على ضفاف أحد الأنهار في مطلع عام 1985 وقتلت قبل ذلك ببضعة أشهر. وبعض القضايا غير العادلة كجثة الرجل الذي وشم صدره بشكل طائر ازرق مغرّد . وكثير من الامريكين يرسمون وشما على صدورهم لكن معظمهم في سن الشباب وليسوا في العقد الخامس كحال الضحية آنفة الذكر التي غُرس دبوس معدني في قدمها من جراحة سابقة, وقمنا بإعادة تركيب الوجه لمن استطعنا من الضحايا بمساعدة الكمبيوتر واي اتصال يأتينا يتعلق بالتعرف على اي من هذه الاشكال نقوم بالتحقيق به بصورة مكثفة بمساعدة خبراء آخرين وهذا الامر يساعد الأحياء اكثر مما يساعد الموتى.

الأكثر مشاركة