التعبير عن المعرفة سبيل إلى الذات والآخر : مخيلة أسيرة في لوحات خالد المبارك

لعل من أكثر الأمور بداهة, أن يعبر الفنان عما يعرف, ذلك أن المعرفة سبيلنا إلى أنفسنا وإلى الآخر, غور في الداخل وانشغال لاحق بالآخر . وبدون هذه المعرفة لا يجد المبدع أمامه من سبل التعبير سوى التهويمات التي لا ظل لها, ولا تواصل. أمام هذه الحقيقة, توجه الفنان خالد محمد المبارك لتقديم معرضه السابع الذي ينم عن معرفة في طقوس الشرق التي سبق لنا وأن قرأناها في سلسلة من الكتب التي تتحدث عن المخيلة الشرقية التي تفتح آفاقا جديدة أمام المبدع والمتلقي على حد سواء. ولما كانت أداة الفنان التشكيلية.. رسومه التي تعبر عن فهمه واستيعابه وبالتالي تعبيره عن هذه المعرفة, فقد وجدنا خالد المبارك واحدا من الفنانين الذين شغلوا وجودهم في العالم الشرقي بكل ما يحمله من ملامح وقيم ومخيلة متسعة وآمال وطقوس سحرية. لذلك وجدنا في لوحاته.. المؤثر الأساس الذي يخيم ويرسخ وجوده في رؤى المبارك.. الأمر الذي يحدد ويفتح في الوقت نفسه اشراقات جديدة لا نتبينها في سواه. فالوجوه التي يعرف, والنخيل الذي يعيش, والأجنحة الملائكية التي يرى ويهوى ويمني النفس بها.. والتقنية الزخرفية والفضاءات التي لا تتسع سوى لمديات الفنان نفسه, والألوان المفتوحة والمنتقاة.. كلها مجتمعة تشكل معرفة خالد المبارك وفضاءاته المتخيلة. ومع ان اللوحات تحمل ملامحها الخاصة وكيانها المستقل وبواعثها الأصيلة ووعيها المدرك.. الا انها تضيق الخيال على نفسها دون أن تفتحه كما يشاء ويتمنى ويطمح كل مبدع. لقد رسم خالد المبارك رسوما مألوفة في المخيلة الشرقية.. لكنها قد لا تجد صداها في التجسيد اللوني كما هي عليه في اللوحات وسحرها المفتون بالماضي. والفنان في مثل معرض كهذا.. واضح الملامح. له شخصيته المتفردة عن سواها في سلسلة المعارض الدائرة حوله.. لابد أن تجد سبيلها إلى عالم من الفهم المتخيل. ومثل هذا حي ويملك سمة.. لكن هذا لا يعني أن يقدم المفتون, فتنته في محيط واحد.. بل أن ينوع ويلون ويتفنن في خلق رؤى لاحقة وفاعلية مشرقة مبتكرة في معالجة متجددة ومضافة في كل معطى يعي صاحبه ما يدرك وما يعبر عنه في الوقت نفسه. وخالد المبارك.. إذ يتلمس دربه الابداعي في سحر الشرق, إنما يسعى لتحقيق حالة من التفرد والشخصية التي باتت هاجس كل مبدع, بمعنى أن يكون لكل واحد توقيعه الأصيل دون سواه. إلا أن ما يراد شيء, وما ينجز شيء آخر. ولوحات المبارك.. تريد.. لكنها لا تنجز! وقد يتسع لكل لوحة مكان ما.. في فراغ ما, لكنها مجتمعة, تعطي محدودية على طبيعة المخيلة التي يطمح إليها الفنان من جهة, وما ينجزه من ناحية أخرى. ومثل هذا الواقع, وهذه التقنية التي يمارسها الفنان عن إدراك واصرار في التناول.. تعطيه زخما على قوة الشخصية الفنية من ناحية, وتضيق عليه فعل التخيل من ناحية أخرى. إن خالد المبارك, فنان راصد نابه للشرق الذي يعرف. ولكن سحر الشرق أكثر نباهة في خلق آفاق جديدة لابد للفنان أن ينفتح عليها كليا.. أن يعيش مناخات لاحقة لا تعرف الحدود.. ولا تستسلم للخيال الأسير ولا للوعي الدائري.. وفق ذلك يرسم عالمه الشرقي الآخر, عالم الانتماء أولا وعالم الاكتشاف الملحق والمضاف والمبتكر لتلك العوالم التي نفد من خلالها ليعطي زخم عالم جديد يفتحه بنفسه ويعيشه بكليته.. بعيدا عن أية حدود فنية قد تأسره وتحدد ملامح عالمه. بغداد ـ حسب الله يحيى