أسامة الشاذلي لـ«البيان»: الأديب طبيب المجتمع وصوته الأقوى

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جراح ماهر في مجال العظام، وفي تشريح التاريخ وإعادة صياغة قصصه. تخصص في الطب ومارس ولعه بالتاريخ إلى أن تصدرت روايته «أوراق شمعون المصري» الأكثر مبيعاً لعدة سنوات، الدكتور أسامة الشاذلي تحدث عن رحلته في دراسة وممارسة مهنة الطب والتحديات بينها وبين البحث والكتابة، وقدرة الإنسان على الإبداع في أكثر من مجال دون تقصير في آخر.

«البيان» التقت الدكتور أسامة الشاذلي الذي أكد أن الأديب طبيب المجتمع وصوته الأقوى. كما دار الحوار التالي:

كيف استطعت أن تجمع بين عالمي الطب والأدب؟ وما العلاقة بينهما، وأيهما كان الأسبق في حياتك؟

الشغف بالتاريخ وبالقراءة والأدب بدأ قبل ممارستي للطب ومن مرحلة مبكرة في الثانوية، حيث كنت مولعاً بالأماكن القديمة والأثرية في القاهرة وأزورها دائماً وأحب كثيراً قراءة ما وراء التاريخ، أعتقد أن الكاتب والمهتم بالتاريخ يمر بمراحل ثابتة تبدأ بالشغف بالأثر والمكان ثم الشغف بالقصة وراء الأثر ومن بناها وكيف بناها والظروف التي أحاطت ذلك العصر، ثم يبدأ شغفاً من نوع آخر وهو يتخيل التاريخ أمام عينه يرى فيه دروساً تفيده في حياته، وبحكم تدريسي لمادة تاريخ الطب للأطباء دائماً ما أقول لهم إن التاريخ بجانب أنه ممتع جداً لأنه في النهاية قصة أو «حدوته» نستمتع بها، هو المعلم الأكبر فبدون التاريخ لا نستطيع أن نفسر الحاضر ومن دون الحاضر لا نستطيع أن نضع رؤى للمستقبل، لذلك التاريخ بالنسبة لي معلّم كبير في حياتي واهتممت به منذ الصغر.

ثم مارست الطب بعد حصولي على الثانوية العامة لأني أحبه وأرى نفسي دائماً محظوظاً، حيث لم أفعل أي أمر رغماً عني، ومارست تخصص العظام وأحببته، والتخصص الدقيق في القدم والكاحل وأحببته، وهوايتي هي الكتابة وأحببتها فأعتقد أنني من المحظوظين الذين فعلوا ما يحبون وأحبوا ما يفعلون.

لماذا لم تكمل في دراسة التاريخ الذي أحببت منذ صغرك واخترت الطب عوضاً عنه؟

والدي رحمة الله عليه كان يرى فيّ عقلية علمية وأنني سأبدع فيه وكان يرى أن التاريخ لا يمتهن أي لا يؤخذ كمهنة بل يكون كشغف وهواية، وأنا لو دارت بي الأيام مرة أخرى سأختار نفس الطريق، وأعتقد أن الطريقين خدما بعضهما البعض لأن الطب خدمني بالقرب والتواصل مع الناس لأني أؤمن بأن أكثر اللحظات قرباً مع الآخرين هي في أوقات آلامهم، وهنا تبرز أهمية أن تكون إنساناً على قدر عال من التواصل مع الآخرين فكان الطب خادماً لي ومساعداً في الكتابة، لأن الكتابة أيضاً هي لغة تواصل وإذا لم يستطع الكاتب أن يتواصل جيداً مع قارئه عبر الرسائل التي يرسلها لأصبح كاتباً فاشلاً.

هل تأثر مشوار عطائك وعملك النوعي في مجال الطب بمقتضيات الإبداع الأدبي وما يتطلبه من أوقات للبحث؟

ربما كانت ممارسة المهنة سبباً في تأخر كتاباتي والنشر في مرحلة متأخرة إلى حد ما رغم أن الكتابة بدأت وأنا في العشرينات من العمر، لكن النشر بدأ وأنا على مشارف على الخمسين، ولكن وبعد أن يحقق الإنسان نفسه في مهنته ويصل إلى المرحلة التي طالما حلم بها وتمناها وسجل اسمه وبصمته في مجاله، عندها يستطيع أن يتحكم في وقته، فأنا أمارس الطب وتدريسه أيضاً ولدي عياداتي واستطعت أن أحصل على مساحة لممارسة هوايتي التي أحبها جداً، وأستطيع أن أقول إن من يمتلك شغفاً لتحقيق أمر يستطيع أن يوفر له الوقت والجهد والمساحة من حياته.

في كثير من الأحيان نجد المتخصصين في مجال العلوم المهمة بارزين في الإبداع الأدبي، ما السر؟

أعتقد أن الإنسان لا يتجزأ والإبداع لا يتجزأ ومن يكون ماهراً في موضوع ما يمكنه أيضاً أن ينجح في مواضيع متعددة والقاعدة هي كذلك وليس العكس، قديماً كان العالم يمتلك حصافة وعقلاً ومهارة، مثلاً ابن سيناء كان بارعاً في العلم والطب والأدب والفلسفة وله منهجه العلمي ولديه اهتمامات بالموسيقى والتشريح وغيرها.

دائماً أضرب المثل لطلابي أيضاً بـ«امنحوتب» وهو إله الطب عن المصريين القدماء، وكان مهندساً بارعاً استطاع بناء أول هرم مدرج كونه بشراً وكان رئيساً للوزراء وكاهناً ورجلاً تجتمع فيه العديد من العبقريات، الإبداع في مهنة قد يرافقه الإبداع في مهن أخرى.

تغلب في ميادين إبداعك الروائي سمة التخصص في ثنايا وحقب التاريخ القديم، ما هي الأسباب التي قادتك للميل إلى هذا الجانب المتشابك الذي يحيطه الكثير من الجدل؟

الكتابة الإبداعية يجب أن تحمل رسالة، وهذا ما كان يشغلني دائماً هو الرسالة التي سيحملها العمل الأدبي بغض النظر عن الإطار الذي سيكون عليه، أنا اخترت الإطار التاريخي وهذا لا يمنع أني سأكتب روايات عن حقب أخرى، المهم هي الرسالة، ورسالتي مثلاً في «أوراق شمعون المصري» هي التيه المجتمعي خصوصاً في فترة ما سمي بـ «الربيع العربي» وما حل بالعديد من المجتمعات العربية، وكيف يتمكن الإنسان من التغلب على هذا التيه بصورة فردية، واهتمامي كباحث في التاريخ والعلوم جعلني أتخير المصادر وأن أضع بصمتي كباحث وروائي، فالرواية الإبداعية ليست نقلاً للتاريخ وإنما عملية إبداعية تشمل هضم التاريخ واستخلاص العبر، ثم تطويع ذلك في إطار درامي يجذب القارئ ويجعله قادراً على إكمالها.

كم استغرقت منك روايتا «أوراق شمعون المصري» و«عهد دميانة» بحثاً وكتابة؟

«أوراق شمعون المصري» استغرقت 7 سنوات في الكتابة ربما لأني كنت وقتها أكتب بأريحية ولم أكن مرتبطاً بالنشر ولم يكن ببالي وقتها، فضلاً أنها عمل كبير واحتاج لأبحاث ودراسات طويلة، أما «عهد دميانة» استغرقت سنتين تقريباً، والعمل الذي أقوم به حالياً وأوشك على الانتهاء سيكون خليطاً بين التاريخ والمعاصرة وفيه رسالة حول الحضارة الحالية إن كانت قائمة على ركائز إنسانية أم مادية وهل تدعو إلى تحرر الإنسان أم عبوديته.

برأيك يمكن للروائي تصويب الكثير من القصص والمغالطات التاريخية؟

بالطبع وهذه إحدى الرسائل التي يجب أن يقوم بها الكاتب، خاصة أن التاريخ الذي نقرؤه هو في العادة رواية لأحد الأشخاص قد تحتمل الصواب والخطأ وهي وجهة نظر أحادية، وغالباً ما يأخذ التاريخ وجهة النظر الرسمية، لكن التاريخ يرويه ويعيشه العوام وله أكثر من وجهة نظر، ودور الكاتب هو البحث في وجهات النظر تلك ثم يكوّن وجهة نظر حيادية ثم يطرحها بصورة قد تكون مغايرة لما حدث، شريطة أن يشعر بأريحية عندما يعرضها، لا يتعين على كاتب التاريخ الاعتماد على رواية أو قصة واحدة، وهناك هامش للتاريخ غير القصص المروية على الباحث النزيه أن يقرأه جيداً.

رواياتك رغم إبحارها في التاريخ إلا أنها مليئة بالإسقاطات الواقعية وتعكس قضايا حالية بدقة، هل ترى أن الأديب يمكن أن يشخص حالة المجتمع ويكون صوته الأكثر تأثيراً؟

بالطبع نعم، الأديب طبيب المجتمع وصوته الأقوى، والدراسات الأكاديمية لا تستوعبها الكثير من العقول، لكن الأدب بما فيه من متعة وانسيابية وسهولة في الوصول إلى كافة الأطياف والعقول يجعل منه أداة ووسيلة مهمة جداً في فهم التاريخ وتصحيح المفاهيم، كم من قارئ يقرأ التاريخ ويتوه بين تلك الكتب لكن ذلك لا يحدث مع الرواية ولامسته بوضوح في «أوراق شمعون المصري» وصححت بعض الروايات المغلوطة ووصلت الصورة جيداً للقارئ وهذا هدف الأدب الجاد أن يفتح عين القارئ على صورة غير تلك النمطية التي اعتاد عليها.

Email