الروائي حبيب عبدالرب السروري، يحمل الكثير في بهو ذاكرته المحكومة بالدهشة والحنين عن مدينته العريقة عدن، على الرغم من أنه اختار العيش في فرنسا، وتعلم في جامعاتها، ظلت عدن في قلبه ونصوصه، وظل جمالها يزين ذاكرته على الدوام، ويطرح السروري في حواره مع «البيان»، قضاياه الإبداعية والجمالية، ويروي تفاصيل عن حياته وعشقه للأدب، وقد أكد أن الرواية مدرسة الحياة بامتياز. 

الروائي حبيب عبدالرب، حدثنا أولاً عن طفولتك وعن عائلتك؟

ولدت سنة 1956، في عدَن، عدَن المفتوحة على جميع الناس، فأحببت الشعر في صغري، وبفضل بيئتي العائلية، حيث كنا نمارس لعبة «السجال الشعري» أسبوعياً في العائلة، في مساء كل خميس، وكم كانت لحظات ممتعة.

كيف بدأت علاقتك بالأدب واللغة؟ وعن أول رواية لك «الملكة المغدورة»؟

من وقت مبكّر في حياتي، لاحظتُ أن لي علاقة عميقة بالأدب والكتابة. ربما بسبب عشق جماليات اللغة والكلمات الأدبية، أو ربما بسبب حسّ رهيف للجمال على نحو عام، وتفاعل غراميّ معه، أو بسبب رغبة تغييريّة للمجتمع، تتطلب امتلاك ناصية التعبير الأدبي... لوالدي أثره في ذلك. تحدَّثتُ عنه في روايتي «الملكة المغدورة» (الوحيدة من رواياتي الإحدى عشرة التي لا تخلو من شذرات سيرة ذاتيّة)، بجانبيه الإيجابي والسلبي. بفضل والدي تجذَّرَتْ علاقتي باللغة العربية وبالأدب العربي بشكل مبكّر، تحوَّلَتْ إلى ميسم في الأحشاء.

ماذا عن الرياضيات وتخصصك فيها في فرنسا؟

من دون أيّ تأثير عائليّ، أحببتُ المواد العلمية منذ الصغر، لا سيّما الرياضيات. بدتْ لي دوماً أسهلَ المواد التي تدخلُ العقلَ لوحدها من دون تعب ولا إشكال.

إجمالاً، كيف وجدت فرنسا، باريس...؟ 

سافرت إلى فرنسا، في 1976 للدراسة الجامعية في «الهندسة الكهربائيّة». بدأتُ أوّلاً بدراسة اللغة الفرنسية التي كنت أجهلها كليّاً، لكن غيّرتُ تخصّصي مباشرة للبدء بدراسة الرياضيات. كانت مغامرةً وتحدّياً رهيبين فعلاً. غير أني أحببتُ الرياضيات الحديثة كثيراً، ومن أوّل نظرة. كنت أتذوق الجبرَ الحديث، وأعشقُ آليّةَ وإيقاعَ براهينه.

هل تشتغل بالتخصص؟

نعم تحوّلتُ بعدها مباشرةً إلى أستاذ جامعيّ مشارك. حضّرتُ، بعد الدكتوراه مباشرة، لنيل شهادة «التأهيل لقيادة الأبحاث»، التي تسمح بالتحوّل إلى بروفيسور جامعي. في أقلّ مدة، 4 سنوات، دافعتُ عنها أمام لجنة دولية مرموقة. تحوّلتُ، في 1992 إلى بروفيسور جامعي (جاء ترتيبي الأوّل في الأربع جامعات التي تقدّمتُ لها). كان عمري حينها 35 سنة ونصف، وكان عمراً صغيراً جداً بالمقارنة بكلّ من معي.

بين الرياضيات التطبيقية والأدب، كيف قسمت وقتك؟

في كلّ سنوات دراستي الجامعية، وكل سنوات الأبحاث العلميّة الكثيفة، قبل التحوّل إلى بروفيسور جامعي، كانت قراءاتي الأدبية، في كل أوقات الفراغ والإجازات، معظمها بالفرنسية، التي كتبتُ فيها، قبل التحوّل إلى بروفيسور، أطروحتين علميّتين، كتاباً علميّاً، وعدداً كبيراً من المقالات العلمية.

ما رأيك بالأدب الفرنسي المعاصر وعلومهم؟

كانت صدمة اكتشاف ثراء الأدب الحديث والمعاصر في فرنسا، فبعد سنة اللغة الفرنسية، كانت صدمتي اكتشاف دَور العلم في حياة المجتمع الفرنسيّ، وريادته للحياة. في كل أوقات فراغي، في المساءات والإجازات، أقرأ أكثر فأكثر، القصة القصيرة، الفلسفة، الرواية، الشعر... 

الفرنسيون والشعر، هل يهتمون في الوقت الراهن؟ 

لاحظتُ منذ البدء أن كُتب الشّعر تكاد تكون قد اختفت من المكتبات الفرنسيّة، أو هي موجودة في زوايا غير مرئيّة.

هل الرواية هي المتقدمة؟ 

الراوية هي النهج الجديد في فرنسا. ألاحظ: الجميعُ يقرأ الروايات ويتحدّث عنها دوماً. ألاحظ أيضاً: بعد كل إجازة صيف تخرج إلى المكتبات الفرنسيّة أكثر من 500 رواية جديدة، ليبدأ موسم الجوائز، ولا يتوقّف الناس والصحف ووسائل الإعلام، في إطار زخم ثقافيّ محموم، وعن نقاشات كل جديد.

هل انتقلت من الشعر إلى الرواية بسبب تأثير المحيط؟

وجدتُ نفسي، رويداً رويداً، أبتعدُ قليلاً عن قراءة الشّعر، وأقرأ الروايات بالفرنسية، بنَهم. شدَّني تنوّع أجناسها، وتفرّد كلّ عمل روائيّ بأسلوبه الخاص ومواضيعه. جذبني حضور الفلسفة والعلم في الرواية، ثراء الروايات التاريخية والروايات الاستباقية... والحريّة التي تتدفّق في الروايات.

لماذا كتبت روايتك الأولى باللغة الفرنسية، ومن ثم بقية الروايات بالعربية؟ 

في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، برزتْ رغبة حادّة في خوض مغامرة روائية، بعد أن تعدّدت تجارب قراءاتي الروائية. في عام 1992، بدأتُ بكتابة رواية «الملكة المغدورة» بالفرنسية. ترجمتها إلى العربية، من قبل الأستاذ علي محمد زيد، فكانت لحظة جوهرية في مساري السردي، لأن الترجمة أيقظَتْ كلمات عربية كنت أعشقها ونسيتها، أشعلَتْ الرغبة الهائلة للكتابة بالعربية، لكن من وحي مكتسبات الفرنسية وروحها النابضة، بجانب مواصلة متعة القراءة بالفرنسية، ضاعف من رغبتي في الكتابة. 

ما الفرق الذي لاحظته بين الرواية العربية والفرنسية (الغربية عموماً)؟

لاحظتُ بألم ثقافتنا العربية، حيث التفكير في عالم آخر. رواياتنا العربية، ما زالت في طور جنينيّ، لا تأثير لها في حياة الإنسان العربي إطلاقاً... دون الحديث عن غياب العلم والفلسفة في رواياتنا، وعن خلوها من رواية التخييل العلمي.

حدثنا عن طقوسك أثناء الولادة (الكتابة)؟ ومتى تكتب؟ 

رافقتني دوماً دفاتر جيب صغيرة، أو وريقات، ثم الهواتف المحمولة، لتسجيل كلمتين عن خاطرة داهمتني في لقاء عمل، في الطريق أو في مقهى، أو للاحتفاظ بكلمة جميلة نسيتُ استخدامها في نصّ أكتبه، غالباً أكتب في الفجر والصباح. أصحو مبكراً دوماً. وأكتب ساعات السفر الطويل، وساعات ما قبل النوم.

ما رأيك بمنحة الكتابة للكاتب؟ وما جديد حبيب عبدالرب؟ 

دُعيتُ، بدءاً من اليوم التالي، 22 يناير 2023، ولشهرين ونصف، لمنحة كتابة نظّمَتْها جامعة درَم ببريطانيا، بالتعاون مع مجلة بانيبال، ثم لحقتها دعوة أخرى في جنوب البرتغال، منذ بداية مايو 2023، لكتابة مؤلف عن تجربتي الروائيّة، أنوي تسليمَه للناشر العزيز قريباً. أنهيتُ، بعد دعوة بريطانيا بشهرين، روايتي الحادية عشرة التي ستُنشر قريباً. ثمّ بدأت كتاباً عن تجربتي الروائية.

تجدر الإشارة إلى أن السروري كتب 11 عملاً، بين رواية وكتب ثقافية وديوان شعر ومجموعة قصصية. وكتب 120 مقال بحث علمياً في مؤتمرات علمية.