نال وسام الفنون والآداب برتبة فارس من وزارة الثقافة الفرنسية

علي المُقري لـ«البيان»: اللغة عماد الكتابة وإيقاع الحياة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الروائي علي المُقري الحائز وسام الفنون والآداب برتبة فارس من وزارة الثقافة الفرنسية، تكريماً لدوره الإبداعي، حيث أسهم بشكل جميل في إثراء الميراث الأدبي الإنساني بجمالياته وتناقضاته، والمعروف عن الروائي المُقري أن عناوينه الروائية غالباً ما تعكس إشكاليات الجوانب الإنسانية في وطنه، ليحوز الاهتمام بمنجزاته الأدبية المترجمة من المؤسسات الفرنسية الثقافية، فكان لـ«البيان» الحوار التالي، الذي أكد فيه أن اللغة عماد الكتابة وإيقاع الحياة. 

في أعمالك الروائية هناك علاقة بين وجود الشر والمعاناة، وبين فكرة الوجود والحرية، كيف تقوم كونك روائياً بوضع لبنة الفكرة لتمضي بها؟ 

أسست الأساطير الشرقية فكرة تناسخ الشر والخير عبر الأجيال، وهذا ما نجده أيضاً محنة إنسانية لدى الأساطير اليونانية والأفريقية؛ ما أقوم به في كتاباتي الروائية، كما أظن، ليس استكمالاً لصراع هذه الثنائية وإنما كان بحثاً عن تشكلات أخرى مختلفة، كطرح أسئلة تحققنا الوجودي الإنساني بتفصيلاته الصغيرة، كالحرية، الرغبة، التغير، المكان، الأفكار، ولكل منها إشكالياتها المتولِدة، فالأفكار مثلاً تتحول إلى سطوة حين تصبح على هيئة أيديولوجيات ومفاهيم ومحددات، فنستكشف معها ما نظنه خارجها كالوطن، الذي لا يبدو هنا مختلفاً عن كونه فكرة أو مفهوماً.

تعيش في فرنسا، حدثنا عن علاقتك بالفن والأدب في المجتمع الفرنسي؟ وكيف تغذي خيالك هناك، لتفهم العالم الذي تكتبه عن هويتك كونك عربياً؟ 

ما إن يترجم للكاتب روايات وتنشر في دور نشر فرنسية معروفة حتى يصبح جزءاً من النشاطات الثقافية المقامة في المجتمع الفرنسي خصوصاً إذا كان يقيم في هذا البلد، فهناك الكثير من الندوات وحفلات توقيع الكتب واللقاء مع القراء، إضافة إلى الورش الأدبية ومنح التفرغ للكتابة والجوائز... إلخ؛ وبالطبع هناك مجتمع عربي يعيش في فرنسا وأوروبا عامة، وهو محل جدل واسع يتعلق حول مدى اندماجه في المجتمع، الذي يعيش فيه والمختلف عن ثقافة مجتمعه القادم منه، وهي في الحقيقة إشكاليات كبيرة، حيث إن معظم العرب، والمسلمين منهم على وجه الخصوص، يواجهون صراعاً نفسياً بين قيم العلمانية والحداثة المدنية وقيمهم التقليدية المحافظة، ما يسبب الكثير من المواجهات. بالنسبة لي فأنا لا أشعر بأي إشكالية في هذا الجانب، بسبب اطلاعي السابق عن الفلسفة والأدب الفرنسيين، وتفهمي للتحولات التاريخية في مجتمع حديث.

نلت هذا العام وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة فارس، عن مجمل أعمالك، وهو مستحق بلا شك، فماذا تقول عن تقديرهم الكبير لك؟ 

حصلت على الكثير من التقديرات منذ أن قررت العيش في فرنسا، إذ إن الاهتمام بالمنجز الأدبي عادة دائمة تقوم به الكثير من المؤسسات، إضافة طبعاً إلى تقدير القراء، فهنا لا نسمع أي كلمات محبطة أو سلوكيات معيقة، ويكافأ الكاتب مهما بلغت درجة ممارسته لحريته في الكتابة.

أعمالك الرائعة والفائزة بأهم الجوائز توضح لنا نصوصها، كيف هي أفكارنا وعواطفنا النابعة من الدماغ، لكنها تنبع بشكل غير مستقل، بماذا تعلق على ذلك؟

بالتأكيد الأفكار تُختزن وتتراكم، ومع الزمن تصير مفاهيم وقوالب أيديولوجية. مهمة الكاتب أن يجد مسافة بينه وبين كل هذه المفاهيم والقوالب الناتجة عن هذا التراكم، لكي تبقى لديه القدرة والحرية على طرح الأسئلة والبحث، وبالتالي اختبار إشكاليات وجودية وإنسانية من زوايا أدبية.

هل تعتقد بأنه سيكون لدينا يوماً إرادة حرة، وبرأيك كيف من الممكن أن تكون تلك الإرادة أمام مسؤولياتنا وأخلاقنا؟ 

الإرادة الحرة عبارة فضفاضة ومجازية، وهي في مستوياتها المحققة لم تأتِ للكثير من المجتمعات بقرارات ارتجالية وسريعة، وإنما عبر تحولات وتراكمات معرفية مجتمعية أوصلتها، لتصبح راهناً أو ممكنة التحقق، لهذا نحن بحاجة إلى إيجاد هذا التراكم مع الانفتاح أكثر على العالم وقيمه الإنسانية الحديثة.

متى بدأت اكتشاف مجهول الكتابة لديك؟ وكيف كانت المخاطرة الأولى؟ 

بدأ ذلك مع القراءات الأولى المحفزة على الخيال، وبالذات القصص الشعبية، ثم تلك الأشعار والنصوص الارتجالية، التي كنا نتبادلها في الطفولة وتحمل أحياناً عبارات جريئة لا يتحملها الكبار، أو أنهم كانوا يصرون على منع تداولها، وهذا بالتأكيد قبل القراءات الأدبية عامة، والاتجاه بعدها إلى محاولة الكتابة.

أين تكمن المآزق في سيرة المقري الأدبية؟

المأزق في سيرتي الأدبية هو نفسه المأزق في سيرتي الذاتية، إذ لم أستطع حتى الآن كتابة الكتاب، الذي يتناول جانب من سيرتي الذاتية، في فترة ما، والتي أظنها جداً مختلفة. 

هل تؤمن بأن اللغة تروض كل شيء؟

نعم، اللغة هي عماد الكتابة والوصل والمراوغة والتهذب، هي إيقاع الحياة بكل تشكلاتها، بما في ذلك لغة الصمت والإشارة والإيحاء. 

#ما معنى الحياة أثناء الكتابة؟ 

الحياة في الكتابة هي حياة مضافة، هي أجواء من شخوص نعقد معهم مصالحات حميمية حتى إذا كنا لم نطق العيش معهم، إنها فترة حوار مع هؤلاء الذين يتشكلون منا في هيئات مختلفة قد تفاجئنا أحياناً مصائرها، وقدرتها على إيجاد وصل آخر ثالث، يسمى القارئ.

حدثنا عن طقوسك أثناء العمل الإبداعي؟

لم تعد لدي أي طقوس مستقرة، أحاول فقط أن أكتب كلما أمسكت بلحظة هدوء أو صمت أو عزلة.

Email