الروائي الصدّيق حاج أحمد: تصالح الأديان والثقافات والأعراق ضرورة حضارية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقودنا هذا الحوار مع الروائي الجزائري الصدّيق حاج أحمد، الأديب الذي خرج من صحراء شاسعة، منحته خيارات تخيلية وإبداعية عديدة، ليشق طريقه الغني بتراث تلك الواحات التي تربى بها ونشأ مع قبائله من الطوارق، ومع معاني الحضور والغياب، تأتي دهشة الحدود الغنية، وتحضر أعماله السردية بأسرار مختلفة حول منطقته المعتقة برمال الذاكرة الزاحفة، والتي لم تضل طريق لغتها وعزلتها، لتشد رحالها إلى الينابيع الخصبة للرواية العربية، واستثمار ذكي في الأدب، لتصل رواياته القوائم القصيرة للجوائز الكبرى، فكان لـ «البيان» معه الحوار التالي:

مضمون عميق في روايتك «منّا» الصاعدة إلى القائمة القصيرة في الجائزة العربية العالمية 2023م، هل تحدثت للقارئ حول فكرة روايتك؟

تدور فكرة الرواية، حول جفاف 1973 الذي ضرب شمال مالي، فأهلك المواشي، مما دعا من تبقى أن يفرّ بجلده نحو دول الجوار، فاقتصاد إنسان الصحراء، المرتبط بالمراعي والمواشي؛ اقتصاد هشّ، فبين لحظة وأخرى، يمكن لمالك ألف رأس، أن يصبح فقيراً معدماً. طبعاً هذا الجفاف، فرّق التوارق ومن معهم من عرب الحسّان إلى شتات بدول الجوار.

فمنهم من استقرّ بالجزائر، ومنهم من اختار النيجر، والبعض موريتانيا وبوركينا فاسو؛ لكن الهجرة الحاسمة والمؤثرة كانت لليبيا، بعد أن استغلّ القذافي وضعهم، فدعاهم وفتح لهم معسكرات التدريب، على أمل أن يساعدهم في قيامة دولة (أزوادية) بشمال مالي، وذلك مطمعهم ومبتغاهم.

فالحكاية لا تتوقف هنا، إنما في استغلالهم من طرف القذافي، في خوض حروب بالوكالة في جنوب لبنان وتشاد، مقابل أمنيتهم المقدّمة كطعم شراك عند قدومهم، ليكتشفوا في النهاية سمكة أبريل كذبه عليهم، مما اضطرهم إلى القيام بثورة نحو شمال مالي سنة 2000م، وقذ ازداد أوارها وسعيرها بعد سقوطه، ونزوح ما تبقى منهم بسيارات الدفع الرباعي التويوتا المحمّلة بالأسلحة من مخازن ليبيا.

الصحراء الكبرى غنية بالأعراق المختلفة من العرب والأمازيغ والحراطين (الحراثين)، ومن أصول أفريقية وغيرهم... كل هذه الثقافات الغنية، والتراث الذي لا ينتهي في امتداده وجماله، كيف لكل هذا أن يصبح حرباً؟

حتى يمكن للروائي الذي ينبري لكتابة رواية حول تمثلات أحد الأحداث التاريخية المتخيلة بالصحراء الكبرى، عليه أن يفهم وجوباً ثلاثة مكونات إثنولوجية، وهي التوارق وتفرعات قبائلهم وتاريخها وخصوصيات كل قبيلة، فقبيلة إفوغاس التارقية، تختلف عن قبيلة إدنان التارقية وقبيلة شمنماس وغيرها، المكون الإثنولوجي الثاني هو القبائل العربية الحسّانية.

وهي قبائل كثيرة ومتعددة، منها البرابيش، وكنتة، وأولاد المولات، وغيرها، أما المكون الثالث وهو العرق الزنجي، وهو متنوع كذلك، فهناك قبائل البامبارا، وقبائل السنغاي، وقبائل الفلان وغيرها، إذ لا يمكنك تمثّل ذلك دون معرفة دقيقة بتفاصيل كل إثنية وذهنية تفكيرها وخلفيتها الثقافية التاريخية.

هل تعتقد من خلال السرد، العثور على الوضع الاعتباري للمجتمعات التليدة؟

الرواية صوت من لا صوت لهم كما يقال.. والسرد هو بنية الرواية وهيكلها، لذلك فإن تسريد الأحداث المهملة والمركونة في سلّة التاريخ، هو من مهام الرواية، فعن طريق خلخلة هذه الأحداث المسكوت عنها، ومحاولة طرح الأسئلة حولها، يقوم الروائي بابتعاث الوعي داخل الذات الموصولة بعالمها الخارجي.

فكم من ثقافات وحمولة تاريخ، طويت ردحاً من الزمن، وأحياها السرد الروائي، لذلك فلا عجب إذا كان السرد يفتّش عن الوضعيات الاعتبارية لهذه المجتمعات المغمورة، محاولاً إعادة صياغة حضورها الوجودي والكوني، من خلال التركيز على خصوصياتها ومكوناتها الثقافية المرتبطة بالفضاء الصحراوي.

ما حاجة عالمنا العيش ضمن ثقافة متعددة؟

تصالح الأديان والثقافات والأعراق، ضرورة حضارية، تفرضها العولمة والعيش في مناخها المستقطب، لذلك يسعى الروائي بطريقة وبأخرى، طمس تلك الفوارق والجدارات الجليدية بين الثقافات، مع الإبقاء على الخصوصية، التي لا يمكن تجاهلها.

كأديب وكفقيه لغوي وأستاذ محاضر وباحث، واليوم متفرغ لقضيتك كتابياً، ماذا تعني لك العزلة أو شبه العزلة، وهل هي محفزة على الكتابة والإبداع؟

العزلة ضرورية للكاتب، خلال الكتابة أو بدونها، فهو ينعزل في لحظات معينة، لمحاولة مراجعة ذاته وأسئلته الوجودية الحائرة، أما خلال الكتابة فشخصياً لا يمكنني كتابة نص بالبيت، فالسكون والتركيز عاملان أساسيان خلالها، لذلك وجدتُ في مزرعتي ملاذاً ومكاناً محفّزاً على الكتابة.

لديك متخيل أنثروبولوجي خاص بالصحراء، منذ روايتك الأولى «مملكة الزيوان» إلى أعمالك التالية، فما الجديد في جعبة الحاج أحمد؟

منذ البداية رسمتُ لنفسي مشروعاً سردياً واعياً، يتخذ من الصحراء الكبرى وبلاد الزنوجة المتاخمة لها، فضاء للكتابة، ففي كل مرة أحرث بجهة من جهات هذه الجغرافيا، ولعل روايتي الرابعة والقادمة، ضمن هذه المناخات؛ لكنها مغايرة للأعمال السابقة.

كيف هي طقوس الكتابة لديك؟ وأين تعيش؟ حدثنا عن عوالمك الإبداعية والواقعية؟

طبعاً لكل كاتب طقوسه الخاصة التي تعوّد عليها، فالسكون والموسيقى والمزرعة، من ملهمات الإبداع عندي، كما أن السفر يعتبر أحد العوامل المحرضة والموقظة للإبداع.

Email