خلال جلسة حوارية في «مساحتكم عبر البيان»

دراما رمضان.. غابت الرؤية فتسيّد التخبط وضاعت بوصلة المسؤولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

منى بوسمرة: نحو خريطة طريق ناجعة تصوب المسار


أكدت منى بوسمرة، رئيس التحرير المسؤول في صحيفة البيان، في استهلال نقاشات الجلسة، أن الدراما تحمل رسالة جمالية وقيمية حيوية وتلعب دوراً مهماً في حياة المجتمع وفي تطوره، لذا فإن رصد ودراسة مدى تجسيد الأعمال الدرامية التلفزيونية عموماً وتلك التي تعرض خلال شهر رمضان المبارك خاصة، لجوهر هذه الرسالة، يعد قضية محورية لا بد من رصدها، وهو الاعتبار الأساس الذي تنطلق منه هذه المساحة النقاشية، خصوصاً بعد أن أصبح الكثير من صنّاع الدراما في العالم العربي، ينظر إلى الشهر الفضيل، وللأسف الشديد، على أنه فرصة ذهبية وموسم مثالي لتقديم أعمال هدفها تحقيق نسب المشاهدة العالية دون إيلاء أهمية للمضمون البنّاء والثري الذي يرتقي بالمجتمع.

وتابعت : إن الإضاءة على ما يعتور الدراما العربية حالياً من عيوب ومن ثم تحديد الأسباب والحلول عبر خريطة طريق حلول متكاملة دقيقة، مسؤولية مشتركة يجدر أن ينهض جميعنا بها لتبقى «درامانا» إيجابية في تأثيراتها ورصينة في أدوارها ومكانتها.



أكدت نخبة من الفنانين والإعلاميين والنقاد والكتاب العرب، خلال مشاركتهم في «مساحة البيان عبر تويتر»، النقاشية، أن الأعمال الدرامية في الموسم الرمضاني الحالي، تميزت بجملة جوانب إيجابية، ولكن، في الوقت نفسه، انطوت النسبة الغالبة منها على سلبيات ومآخذ كبيرة جعلتها تبرز مقلقة ولا تخدم مصلحة المجتمعات العربية بفعل ما تفرزه من تأثيرات هدامة، إذ ابتعدت عن رصد قضايا وهموم الواقع الفعلي.

وأوضح المشاركون في البرنامج الحواري «مساحتكم عبر البيان»، على حساب «البيان»، عبر منصة «Twitter Space»، بعنوان: «دراما رمضان في قفص الاتهام»، أن الموسم الدرامي الرمضاني 2022 شكل إلى حد ما، محطة محورية في خدمة الدراما العربية كون برز فيه عدد من المبدعين الشباب في مختلف جوانب العمل الدرامي. وشدد الفنانون والنقاد والإعلاميون في نقاشاتهم، على أن سبب الخلل الآن في أدوار الدراما غياب الرؤية الواضحة إذ تسيد بفعله التخبط وضاعت بوصلة المسؤولية المجتمعية، مشيرين أيضاً إلى ضورة البحث عن السبب في هذا، ومؤكدين ضرورة اتباع الدراما العربية استراتيجية ومنهجية ورؤية مستقبلية واضحة، في تقييم المحتوى الدرامي المقدم، وداعين كذلك إلى وجود منصة عربية موحدة وقوية تجمع الأعمال العربية، وإلى ضرورة إنتاج أعمال عربية تاريخية مهمة، من خلال تعاون المؤسسات في شتى أرجاء الوطن العربي.


شارك في حوارات الجلسة التي أدارتها الإعلامية والكاتبة عائشة سلطان، كل من: الممثل الإماراتي د. حبيب غلوم، الكاتب والإعلامي الإماراتي عوض الدرمكي، عادل خزام، مدير إدارة المحتوى في مؤسسة دبي للإعلام، الممثل والأستاذ الجامعي السعودي عبد الإله السناني، المخرج والسيناريست العماني طالب البلوشي، الكاتب والإعلامي الكويتي مفرح الشمري، الممثل السوري محمد خير الجراح، المخرج والسيناريست التونسي الأسعد الوسلاتي، الدكتور في علم الاجتماع الأردني أحمد فلاح العموش، الناقدة الفنية المصرية علا الشافعي.

استعرضت عائشة سلطان بداية، الدور الذي تلعبه الدراما في حياة الأفراد والمجتمع، مبينة أن مجموع الأعمال الدرامية التي خاضت السباق الرمضاني هذا العام، وصل إلى نحو 172عملاً، وكان نصيب مصر منها 36 عملاً منها، ونوهت بأن كلفة المسلسل الواحد، بحسب ما ذكر الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين، من 30 إلى 40 مليون جنيه مصري، بينما تبلغ كلفة إنتاج أعمال الدراما المصرية في عام واحد، ملياراً و200 مليون جنيه. كما أوضحت أنه هناك غياب حقيقي للأعمال التاريخية عن شاشات التلفزة في هذا العام، واكتفاء بعرض مسلسلات عربية وخليجية متكررة الأفكار والمضمون.


تنوع وحراك


ورأى د. حبيب غلوم، في حديثه بالجلسة، أن المشكلة التي تعاني منها الدراما العربية بشكل عام، هي غياب المنهجية، فهي غائبة عن المحطات التلفزيونية بنسبتها الغالبة، وعن المنتجين وعن المشاهد، فلا أحد منهم يعرف ما يريد. وتابع: إن الجميع شريك في تحمل المسؤولية بهذا الخصوص، فليس المنتجون فقط هم من يتحمل المسؤولية.

لا بد من وجود خريطة واضحة وعلمية بالخصوص، ومن المهم أن يعنى المنتجون بعكس القضايا الحقيقية البناءة التي يجدر طرحها وأن تساعدهم وتدعمهم المحطات التلفزيونية لتقدم محتوى ثري يرتقي بالمجتمع. وأضاف: «المحطات التلفزيونية في عالمنا العربي، كأنها من كوكب آخر، فقبل رمضان بفترة وجيزة، تبدأ بانتقاء المسلسلات، دون الاطلاع على محتواها وتقييمه، ما يؤدي في أغلب الأحيان، إلى مشاهدة عمل درامي ذي محتوى هزيل».


نقاط وركائز


وقال عبد الإله السناني: « إن الموسم الحالي للدراما العربية في شهر رمضان يتميز بكونه جميلاً ومهماً..وينطوي على مضامين وأدوار حيوية. وأنا راض جداً عن ما يقدم..ولا يجب أن ننظر إلى ما يصرف على الإنتاج الدرامي من أموال، فكلما صرفنا على الدراما أكثر قدرنا على توفير عمل متميز بالمضمون والنواحي الفنية..». وتابع: يجب أن نحرص على تنظيم آليات العمل في عمليات الإنتاج الدرامي وفق منهجية مهمة نستطيع معها إيلاء المسؤوليات لمتخصصين محترفين. كما أود أن أشير إلى أهمية أن تبقى مؤسسات التلفزة الرسمية منخرطة بعمليات الإنتاج الدرامي.


إدارات خاصة


و بين عوض الدرمكي، أن بعض القنوات التلفزيونية احترمت ذائقة المشاهد، وقدمت طرحاً يرضي المجتمع المحلي المحافظ، لذا، نجد ردود الأفعال عن هذه الأعمال مشجعة ومحفزة، طبقاً لما قال. ولفت إلى أن قنوات تلفزيونية محددة، بالمقابل، نجدها تتخبط في انتقاء الأعمال، وخاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، وذلك التخبط يعود لعدم التخطيط الجيد في اختيار الأعمال، وإلى غياب إدارات متخصصة في تقييم مضمون ما يعرض من برامج ومسلسلات. وتمنى الدرمكي أن يكون هناك تقييم للمحتوى المقدم وخطوات مدروسة في هذا الشأن في رمضان القادم. وعن حجة ومبرر صناع الدراما والقنوات التلفزيونية : «الجمهور عاوز كده»، قال الدرمكي: «إن هذه العبارة شماعة، يضع عليها صناع العمل مآخذ العمل».


وأضاف الدرمكي: « لدينا تاريخ عربي مليء بالعظماء من قادة وفلاسفة وشعراء، ومن الضروري تجسيدهم في أعمالنا الدرامية». وحسب رأي الدرمكي، فإن غياب الرؤية الواضحة عن الدراما، أساس تراجعها، ونحتاج دماء جديدة مبدعة في الدراما العربية، ومنهجيات واضحة لمواكبة تطلعات المستقبل.


تحديات


تحديات كثيرة تواجهها الدراما العربية في وقتنا الحالي، تطرق إليها عادل خزام مدير إدارة المحتوى في مؤسسة دبي للإعلام في حديثه وقال : «إن عدد الأعمال الدرامية شيء إيجابي، وظاهرة صحية، وخاصة مع إمكانية فرز الجيد والسيئ والضعيف. والدراما العربية تواجه الكثير من التحديات، ليس فقط ناحية المحتوى والإنتاج، بل كذلك التحدي على صعيد المنافسة».

وأضاف: «في السابق، كانت المؤسسات الإعلامية تذهب للإنتاج وتعنى به هي، لكنها اليوم لا تستطيع أن تنتج كل الأعمال، بسبب التكلفة الباهظة، لذا فإنها تضطر إلى شراء الأعمال من ما هو معروض في السوق، ذلك بحسب إمكانية كل مؤسسة، ومؤسسة دبي للإعلام، من أقوى المؤسسات الإعلامية التي ساهمت في رفع مستوى الدراما العربية منذ سنوات عدة».


وتابع : «إن مؤسسة دبي للإعلام من أولى المؤسسات التي ترحب بأي عمل درامي وتاريخي، يقدم الثقافة والحضارة العربية». وأشار إلى ضرورة إنشاء منصة عربية موحدة قوية مهمة، تقدم أقوى الأعمال الدرامية.


رهان أساسي


أوضح المخرج والسيناريست العماني طالب البلوشي،: «إن الدراما العربية هذا العام، تتراوح بين السلب والإيجاب، وبالنسبة لعبارة «الجمهور عاوز كده»، ذهبت، وأصبحنا اليوم في عبارة «القنوات عاوزه كده»، فهناك بعض المسلسلات التي تعرض في أكثر من جزء، وهي خالية من الأفكار المفيدة. وبالنسبة للزخم الكبير في الإنتاج هذا العام، فهو شيء إيجابي، إذ نلحظ تجارب درامية جديدة على مستوى الطرح والأفكار».


هادئ ومتنوع


من جهتها، بينت علا الشافعي، أن موسم رمضان الحالي، يعد إلى حد ما هادئاً ومتنوعاً في طبيعة نتاجاته. ولفتت إلى أنه أفضل من سابقه، ففيه برزت وجوه جديدة، ونجوم مخضرمون. واستطردت: «نطمح لرؤية أعمال تاريخية على الشاشات العربية في السنوات القادمة..ليس لدينا دراسات متخصصة في مصر حول ميول الجمهور لأنواع الأعمال الدرامية، فنلحظ تفاوت نسب نجاح العمل بين مواقع التواصل الاجتماعي وأرض الواقع».


غياب مؤسف


هناك أعمال ناجحة وأخرى لا تتسم بالنجاح في هذا الموسوم الدرامي..ذلك بفعل ضعفها من الناحية الفنية أو عدم قوة وغنى النص.إن الضعف مصدره صناع الدراما الذين دخلوا المجال لأجل الربح فقط».

هذا ما أكده مفرح الشمري موضحاً أن العمل التاريخي يغيب للأسف لأننا لم نعي بعد بعمق أهمية وقيمة العمل التاريخي وكيف نعرض ونجسد شخصياتنا وحقائقنا التاريخية. وتابع: إن ظهور شركات الإنتاج الخاصة في الثمانينيات، أدى إلى قلة الإنتاج في التلفزيون أو المحطة العامة.


غياب شبه تام


من جانبه، تحدث محمد خير الجراح، عن واقع تميز الدراما السورية في هذا العام، بالحيوية والنشاط الكبيرين جداً، إذ شهدت عودة عدد من النجوم والفنانين الكبار، وقدمت وجوهاً مبدعة. إلا أن الجراح بين في الوقت ذاته، أن هناك ضعفاً في نسبة وحضور الأعمال الكوميدية. وإلى حد ما، هناك ابتعاد للدراما العربية، عن قضايا المجتمع وهموم الناس، فضلاً عن الغياب شبه التام للأعمال التاريخية.


وتابع: «نحن كفنانين وكمبدعين وكمنتجين عرب، محكومون بما نقدمه برغبات وطلبات المحطات، التي من المفترض أن تمتلك استراتيجية وخطة عمل معينة ولا تحوز أهدافاً تسعى إلى تحقيقها ( وطبعاً دون أن أعمم هنا فبعضها يتبع مسلكاً منهجياً محكماً يخدم المجتمع).

 

وقال الأسعد الوسلاتي: «إن الدراما التونسية في تقدم، سواء ناحية طرح المواضيع التي تحاكي المجتمع أو غيرها، وتتميز أغلب الأعمال الدرامية التونسية، بطرح مواضيع تصنف كونها «خط أحمر»، وهذا جزء من دور الدراما». وبين أن مسلسل «حرقة» التونسي في جزئه الثاني، يتطرق إلى موضوع شائك ومهم يهم تونس وبعض الدول الأوروبية وهو الهجرة غير النظامية للشباب التونسيين، ودوافعها وإفرازاتها. وأوضح في السياق، أن الدراما معنية بقضايا المجتمع.


وسيلة


من جانبه، أكد الدكتور في علم الاجتماع، الأكاديمي الأردني أحمد فلاح العموش، افتقاد عالمنا العربي ثقافة متخصصة بالدراما، وهناك تناقض في الدراما العربية، وهي ليست متخصصة لفئة عمرية محددة، فيشاهد العمل، الكبير والصغير، وتؤثر أحداث بعضها في سلوكيات البعض، وخاصة النشء، كما أشار إلى أنها تعاني غياب التقييم والرقابة. وتابع: «إن الدراما العربية بعيدة جداً عن الواقع وقضايا المجتمع وهمومه، وهي وسيلة للتلاعب بالوعي، من أجل المردود المادي، دون الاكتراث للمردود المعنوي والثقافي».

Email