«اليازرة».. «مضخة» الزمن الجميل

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل «اليازرة» وسيلة ري بدائية ابتكرها الأهالي في الماضي البعيد ومكنتهم من زراعة النخيل وغير ذلك من المحاصيل التي تسد احتياجاتهم الغذائية وتحقق لهم المكاسب المالية، لكن سرعان ما اختفت «اليازرة» عن الساحة بعد الطفرة الاقتصادية التي جاءت بأنظمة الري الحديثة، وتُعد «اليازرة» من أهم الوسائل المستخدمة في ري المحاصيل الزراعية، فهي هندسة إماراتية ابتكرها الأجداد قبل اكتشاف أنظمة الرّي الحديثة في الإمارات مثل التنقيط والرش أو استخدام الأنابيب لنقل المياه من باطن الأرض، وكانت هذه هي الوسيلة التي يتم الاعتماد عليها كلياً في ري الأراضي الزراعية والحصول على الماء العذب من باطن الأرض من البئر (الطوي).

كما أن مدة حفر «الطوي» تتفاوت بحسب مستوى وجود المياه تحت سطح الأرض فكلما قربت المياه قل عدد أيام الحفر من يومين إلى أربعة أيام، أما إذا بعدت عن السطح فربما تستغرق المدة التي تزيد على عشرة أيام، كما يساعد عدد الرجال القائمين على الحفر على إنجاز المهمة والتعجيل بوصول الماء كلما زاد العدد، إن اختيار مكان «الطوي» له أهمية كبيرة لدى المزارعين فعلى الرغم من معاناتهم في حفر الأرض الطينية الصلبة إلا أنها كانت الأنسب لحفر «الطوي» لأن الأرض الرملية سريعة الانهيار.

لا يحتاج المزارع لوقت وجهد وبحث عن مكان آخر لحفر بئر جديدة، فمهارة «اليازرة» تبرز في هذه الأثناء في الحصول على الماء الكافي لري محصوله في المدة المحددة، وكان المجهود المتواصل المُتطلب لعملية استخراج المياه يوضح أن المزارع القديم كان يبذل مجهوداً كبيراً حتى تخضر أرضه وتأتي بالخير له ولأهله، فبعد حفر «الطوي» أو البئر كان لا بد من وجود وسيلة لرفع الماء إلى السطح، وهو ما يتطلب تثبيت أربعة جذوع طوال من أشجار النخيل، تُوضع عليها بكرة لتسجيل عملية سحب الثور للحبل وفي آخر الحبل المجدول يثبت دلو أو اثنان يملآن بالماء بعدما يرخي الثور الحبل نزولاً ويرفعان مملوءين صعوداً، ومن الأدوات المستخدمة سابقاً كانت: الثور، التافر والسواعد والصدر، والمقيلة، والدوار، والحوض والترجيبة والمرافس، وتُسمى كل هذه الأدوات مجتمعة بـ«اليازرة»، بينما يسمى المزارع القائد لثور «اليازرة» بـ«اليازر»، وتُسمى الحفرة الأفقية المملوءة بالمياه «الخب»، ونظراً للمجهود الشاق الذي كانت تتطلبه عملية الري آنذاك من حمل وتفريغ الماء كان يُصاحب صوت «اليازرة» أغنيات قديمة تعمل على تحفيز المزارعين على العمل والمثابرة وتحمل المشقة أثناء عملهم في المزارع.

أدوات

كانت كل أدوات «اليازرة» يتم تصنيعها يدوياً وتُباع الحبال في الأسواق إضافة إلى مستلزمات الثور المصنعة من الجلود الطبيعية، بينما يحتاج الثور إلى تدريب ويتم اختياره بعناية وشراؤه كذلك ليكون لهذا الغرض.

أما ثور «اليازرة» فيحتاج إلى تدريب أولي للسير داخل المكان المخصص له، ومدة التدريب لا تقل عن شهرين ليكتسب مهارات سحب الدلو وتحمل ثقل المياه الذي يتضاعف مع طول المدة خلال أيام الري.

وبهذا تكون «اليازرة» هي وسيلة من وسائل الري المعروفة لدى مزارعي الإمارات، كما تم ذكرها آنفاً والتي كانت تعود عليهم بالخير.

Email