تعلم حفظ الأمثال والمواقف التي تحدث من مجالسة الكبار

محمد بن ضاوي الكعبي يجمع في ذاكرته بذور الحكمة وجذور المعرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الراوي زاوية تبرز الرواة الذين توارثوا مهارة السرد ونقل المضامين من الذاكرة إلى الواقع، وذلك عبر المجالس والاجتماعات والفعاليات، وتناولوا التراث المحلي الإنساني للإنسان عبر السنوات أباً عن جد، وربما عالجوا من خلال القضايا الاجتماعية وأبرزوا التراث والشخصيات والقبائل، خاصة أن لكل منهم أسلوبه المميز للحديث عن الأماكن والقبائل وفي الشعر والقصص والمواقف البطولية، ويعتبر الراوي الذاكرة الحية التي تضيء لمن أشكل عليه أمر أو معلومة، وهو المعلم في مجال سرد المعلومات التي تم تناقلها جيلاً بعد جيل، وقد كان الراوي الوجهة التي يقصدها الباحث للحصول على المعلومات، كما تقصدها الجهات الرسمية في مناسبات كثيرة لذات الهدف، ولكن اليوم ومن هنا نتوجه للرواة لنتعرف على نبذة من حياتهم؛ لنوثق سيرة مختصرة عن كل واحد منهم تكريماً لهم ولدورهم الإنساني.

 

الراوي محمد ضاوي علي ضاوي الكعبي، من مواليد منطقة سيح الغْرٍيف القريبة من المدام والروضة، والمتوقع أن سنة مولده عام 1952، والذي يقيم في منطقة سيح الشعيب التي توجد في الجزء الشمالي من مدينة العين، حسب تقدير العمر عندما التحق بالحرس الأميري الذي تأسس عام 1968، وقد تنقل بين عدة مناطق كعادة البدو في التنقل ومن تلك المناطق اليفر والخوالد ومليحة وطوي السامان، وقد جاور بن ضاوي مجموعة من الشخصيات ومنهم ضحي بن خليفة والمطوع بن خدوم وأيضاً سعيد بن سالم بن جرش الكتبي وفي فترة الستينات كان الجار مطر بن خلية بن ختروش، وتأثر محمد بن ضاوي بالمطوع (شيخ دين) خدوم بن عبدالله بن خدوم الكعبي وهلال بن سرور المياسي الكعبي وجمعة بن مشروم الكعبي، حيث كان يجالسهم ويستمع إليهم ليجمع في ذاكرته بذور الحكمة وجذور المعرفة التي سقيت من منهل مجالس الأجداد، حيث وجد مناهل للتاريخ الإنساني والتراث والعقيدة وقصص الأجيال التي رحلت عندما كان يكبر وسط أجواء الصبر على البيئة التي ارتبط بها.

يخبرنا بن ضاوي الكعبي أنه من ضمن العادات لدى السكان الإماراتيين والتي لا تزال اللقاء اليومي ببعضهم البعض، وحين يتناولون القهوة وعلى صوت الفناجين تبدأ القصص حول المواقف اليومية ومنها كل ما له علاقة بما يحدث كل يوم، ومن التجمع يسمع الصغار والشباب من الكبار الذين يعلمونهم عملياً معنى الرجولة (المرجلة) وكيف يكون الرجل (فزاع) يهب لمساعدة من يطلبه وهو خلق له علاقة بالنخوة والشجاعة والتصدر لتحمل المسؤولية ويحرص الكبار على أن يتأكد كل منهم أن أبناء المنطقة يستطيعون تحمل أعباء الحياة، وفي ذلك الوقت تعلم محمد ضاوي حفظ الأمثال والمواقف التي تحدث، وهكذا كانت تلك اللقاءات هي عبارة عن مدارس عملية يحرص الغالبية على التلاقي في مساحة صغيرة (مكونة من أشجار المرخ) ولكنها جلسات مفعمة بالتكافل والتلاحم المعنوي وقد عرف الناس عنه أن لديه ذاكرة قوية وصاحب ذكاء حاد، ولذلك يحفظ كل موقع مر به بالاسم ويحفظ الأودية بكل ما فيها من شجر ومدر حتى لو كان الوقت ليلاً، ويحفظ الآبار وموارد المياه والتي كان يستخدم لها أدوات بدائية لأجل الحصول على حاجتهم اليومية.

وكانت المطايا (الركاب) هي الوسيلة للتنقل، وبسببها تتم رعاية الإبل وتكريمها حتى اليوم؛ لأن الأمر ليس فقط مجرد وسيلة نقل، ولكنها ذلك الكائن الذي يستفاد منه في نواح كثيرة.

بدأ الكعبي في التحدث في مجال نقل التراث والأحداث التي وقعت في المناطق منذ مرحلة مبكرة، ولا يزال يسرد الماضي والحاضر بشكل سلس غير معقد وفي مرحلة من مراحل حياته حاول أن يتعلم حروف الهجاء وحفظ القرآن ولو أجزاء بسيطة وعندما التحق بالحرس الأميري في إمارة أبوظبي درس حتى الصف السادس الابتدائي في تعليم الكبار، ومع الوقت بدأ الباحثون في اللقاء به ليأخذوا عنه أسماء القبائل والأنساب وما له علاقة بالعادات والتقاليد والأحداث، وأيضاً سجل في المتحف العسكري في المرقاب في إمارة الشارقة وخاصة المعلومات المتعلقة بما قبل قيام اتحاد الإمارات وقيام الدولة وأكثر حدث أثر في محمد بن ضاوي المجاعة التي أصابت العالم إبان الحرب العالمية الثانية، وقد استمع لما حدث خلالها من الأهل والأجداد حتى إن الأرز كان نادراً وغالي الثمن.

Email