«الراس» في ديرة عبق التاريخ وجواهر التراث بدبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل منطقة الراس جزءاً أصيلاً من منطقة ديرة القديمة في دبي، وهي تتميّز بأجواء تراثية بفضل الأسواق العريقة، مثل سوق الذهب.

حيث تُباع المجوهرات المزخرفة، وسوق التوابل الغني بالروائح الزكية، وتضمّ الشوارع الضيقة في المنطقة بيوت ضيافة على الطراز الإماراتي العتيق، ومتاحف مرمّمة يفوح منها عبق الماضي الجميل، وتنقل القوارب الخشبية الركاب عبر خور دبي إلى بر دبي، حيث يقع حيّ الفهيدي التراثي.

و«الراس» ذات الطابع التاريخي والتراثي العريق على خور دبي من جهة ديرة، تضم «فريج الراس»، الذي ما زالت فيه البيوت العربية القديمة من الطين، ومن يمر بهذا المكان يجد الأبواب والنوافذ الخشبية والبيوت، وكأن التاريخ يناديك ليريك مدينة آثار حية لم تلمسها المدنية الحديثة بمعناها الواسع، ولم تستطع إلا تغيير جزء بسيط منها لا يذكر في عمر التاريخ.

ويعتبر سوق الراس من أقدم الأسواق في دبي وأفضلها على الإطلاق، فهو من الأسواق النادرة التي حافظت على اسمها على مدار سنواتٍ حتى يومنا هذا، يعيدك السوق إلى ذكريات الطفولة التي لا يمكن نسيانها، فهو لا يزال يحافظ على تلك الرائحة التي لا تشبه غيرها في شيء، ويتفرد سوق الراس بأسعار منتجاته وبضائعه التي تُباع بالجملة.

كما يتميز بموقعه الاستراتيجي في منطقة ديرة، الأمر الذي يجعله وجهة ترفيهية للتسوق والتجارة بعيداً عن كل ما هو تقليدي ومعتاد. ويحتضن سوق الراس ديرة مجموعة من المحلات والمتاجر التي توفر أجود أنواع البضائع والمنتجات بأسعار أكثر من رائعة، مما يستقطب أعداداً كبيرة من الزوار إليه من مختلف الفئات العمرية، ولذلك ستلاحظ الكم الهائل من الكبار والصغار الذين يتجولون في أرجاء السوق بشكل يومي.

تشمل بعض المنتجات والبضائع التي يمكن العثور عليها في سوق الراس ديرة: البهارات والتوابل، والمكسرات، والمواد الغذائية، ومستلزمات المطبخ، ومنتجات العناية بالبشرة، والمنتجات النحاسية، والمصابيح القديمة، والأقمشة، والألبسة، والألعاب، والهدايا، والزجاجات الرملية، والأحذية، والإكسسوارات، والبخور، وغيرها..

أصالة جاذبة

يقول عبدالقادر يوسف، الذي يدير محل شقيقه لبيع الملبوسات في شارع السبخة: إن منطقة الرأس جذبته منذ الوهلة الأولى قبل 20 عاماً عند زيارته للإمارات التي سبقه لها شقيقه، وتيقن منذ ذلك الوقت أنها المكان المناسب لاستقراره، مرجعاً ذلك إلى أصالة المنطقة، ولكونها مزاراً سياحياً وتجارياً في نفس الوقت، مشيراً إلى أنه شجع شقيقه لامتلاك عمل خاص به، وكان يحلم أن تكون منطقة الراس مكان عمله وسكنه في نفس الوقت، وتحقق حلمه بعد سنوات قليلة.

ويفسر يوسف سر ارتباطه بمنطقة الراس بكونها بقعة تاريخية لها خصوصية في التجارة من واقع التنوع الذي تتميز به من جميع النواحي حتى أضحت مركزاً أثرياً واقتصادياً أسهم في بناء اقتصاديات كثير من الدول.

منطقة ملهمة

واتفق شيخ محمد، صاحب أحد المحلات التجارية في الراس، في خصوصية منطقة السوق وحالة الجذب التي يشعر بها كل من يزور منطقة الراس، وبدأ ارتباط شيخ محمد بمنطقة الراس قبل 28 عاماً بعد 5 أعوام عمل فيها في وظيفة مدير مخزن بأبوظبي، وجاء إلى الراس لتأسيس محله الذي يهتم بتجارة «الخردوات والكرتون»، ويقول إن تاريخ المنطقة ورمزيتها الأثرية دفعه للاستقرار فيها والتركيز على تأسيس عمله الخاص، بل إنه حرص لاحقاً على أن يسيّر اثنين من أبنائه في ذات الطريق ليكونا عوناً له.

ويعتبر شيخ محمد نفسه محظوظاً وهو يشاهد كل جديد يومياً في التاريخ القديم لدبي من خلال تجواله الدائم في منطقة الراس وعمله فيها، مشيراً لشعوره بالراحة النفسية من وجوده ساعات طويلة في السوق، وتعلمه أصول التجارة من كونه يتعامل مع مختلف الجنسيات، مؤكداً أن سوق نايف ومنطقة الراس منطقة ملهمة لمن يزورها، ناهيك أن يوجد فيها بشكل دائم.

ثراء تاريخي

ويقول الإعلامي محمد ثاني، أحد المهتمين بالبحث والتعرف على المواقع الجغرافية العتيقة في الإمارات عموماً وفي دبي على وجه الخصوص: إن منطقة الراس في دبي من أكثر المناطق ثراءً بـ«عبق التاريخ» والماضي الجميل.

مشيراً إلى أن تميز منطقة الراس تاريخياً نبع من كونها جمعت بين التجارة والسياحة في آنٍ واحد منذ القدم، وما زالت تحافظ على هذه الخصوصية بفضل الاهتمام بها ومواكبة التطور مع الاحتفاظ في نفس الوقت بتخطيطها ومعمارها التراثي في أسواقها والمباني المحيطة بها، وهي تمثل «وسط البلد».

وقال إن ارتباطه المستمر بها بحكم ميلاده ونشأته مع أقرانه في منطقة «سكة الخيل» في سوق نايف، وهي المنطقة التي تمثل لهم ملعب تجوالهم، فأصبحت جزءاً أصيلاً من حياتهم، منذ أكثر من نصف قرن، ويوضح محمد ثاني أن تسليط الضوء على مكان تاريخي بهذا الثراء أمر مطلوب من أجل التوثيق وتبادل المعلومات التي تجذب الأجيال الحالية عن المواقع التاريخية، ومنطقة الراس على وجه الخصوص تعتبر سوقاً عالمياً بمعنى الكلمة تعتمد عليه كثير دول العالم في تجارتها.

Email