حـرف عريقة في مهب التكنولوجيا

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ثرية هي العاصمة السورية، دمشق، بصنوف جمالياتها وسيرها العريقة وألوان جاذبيتها. إذ تحفل بمفردات ثقافية ومجتمعية لصناعات تقليدية متميزة تتجلى في إحدى صورها البارزة بالمهن العريقة، والتي ارتبطت وتسمّت بها، منذ القدم، عائلات محددة امتهنتها. إلا أن تلك المسميات العابقة بأعطار المضامين الثقافية والتاريخية، باتت في مهب خطر وتهديد التكنولوجيا العصرية التي «سرقت»، بحقولها المتنوعة، أحفاد «صنايعيي» المهن الدمشقية العريقة.

تنسب أسماء غالبية العائلات الدمشقية إلى الكثير من أسماء المهن التقليدية، حيث نجد تسميات لعائلات عملت في مهن النسيج ومشتقاته منها بيت الحايك، الحبال، القطان، النويلاتي، المسلاتي، الصباغ، والصواف، وغير ذلك الكثير. كما نجد أن هناك عائلات امتهنت صناعة الأحذية سميت ببيت الجزماتي، السكافي، الكندرجي، البوابيجي، القباقيبي، فيما أطلق على العائلات التي امتهنت مهنة السمانة مثلاً، بيت الخضري، السمان، الفاكهاني، الكزبري، المخللاتي، العرقسوسي، الجبّان، اللبّان، الزيات، والشرباتي. وسميت العائلات العاملة في مجال الملبوسات والأقمشة بيت ﺍﻟﺨﻴﺎﻁ، الكوا، الحريري.

 

ومن الثابت أن هذه التسميات تحوز قيمة تاريخية واجتماعية مهمة، كونها ترتبط بمكون ثقافي وتاريخي يحكي قصص المكان ويعكس عراقته وملامح جاذبيته، ولكن اللافت أن هذه الكنى التي ارتبطت بمهن فريدة مهمة وكانت دلالة قوية على حضور مؤثر لها، حيث اشتهرت بها دمشق ومثلت رافعة لاقتصادها ونهضتها الحضارية، باتت بفعل تحول الأجيال الجديدة عنها باتجاه تخصصات وأعمال عصرية تقودها التكنولوجيا والتحديث، مهددة بخرط الذوبان والاندثار، فالأحفاد يهجرون أصول الحرفة أو يتخلون عنها كلياً، وأصبحوا يرونها غير مجدية ومربحة. وهو ما سيؤدي بالمستقبل إلى ضياع إرث غني كما يؤكد محمد سامر المحايري لـ«البيان»، الذي اشتهرت عائلته بحرفة صناعة الهودج ومن ثم الصناديق، ومن هنا جاءت تسميتها، حيث يبين أن مئات العائلات في دمشق ارتبطت أسماؤها بأسماء المهن باعتبار أن المدينة كانت مركزاً تجارياً واقتصادياً مهماً، لافتاً إلى أنه «يوجد العديد من العائلات تحمل نفس الكنية، ولكن لا يوجد بينهم أي صلة قرابة، وأحياناً يكونون من غير مدينة أو محافظة، ومن هذه العائلات عائلة المحايري على سبيل المثال».

وأشار المحايري، إلى أن التكنولوجية العصرية باتت خطراً حقيقياً يحيق بمكون تراثي تقليدي مهم، وهو مجموعة الحرف التقليدية، والتي راح يهجرها الأحفاد.

 

انعكاس

ويشير المحايري إلى أنه عكست تسمية العائلات بأسماء المهن التي كانت منتشرة في دمشق قيم وثقافة تلك العائلات ومستواهم الاجتماعي والاقتصادي. كما يوضح أن تلك الحرف ومعها العائلات، تركت كبير الأثر في حياة المجتمع الدمشقي، وهو أثر جميل لا يجدر أن يغيب، ولا بد من مشروعات متخصصة تحميه وتعنى به عبر صون مكون هذه المهن التقليدية.

ويتابع: تجد أنه تطورت مهن وانتهت بعض المهن تحول أصحابها لمهن أخرى، فآل الحلاق بعضهم انتقل للعمل في صناعة الصابون والتجارة في سوق البزورية، وآل عرقسوسي تحولوا للنجارة أيضاً، وهم في أصل كانوا يبيعون مشروب العرقسوس، وغيرها الكثير.

استمرار

بدوره، يقول محمود حمامي، الذي أصر على تحدي موجات الإغراء التكنولوجي وصون مهنة أجداده، حيث تعمل عائلته في مهنة الحمامات الدمشقية بأنه خريج حقوق، إلا أنه ما زال مستمراً بإدارة حمامات مملوكة للعائلة منذ عشرات السنين، لافتاً إلى أن «أشقاءه توجهوا للعمل في مهن أخرى، وهذا حال معظم العائلات التي ارتبط اسمها بأسماء المهن».

تنوع

جدير بالذكر، أن أسماء العائلات الدمشقية المشار إليها، ارتبطت بمروحة المهن المتنوعة، فعلى صعيد صناعة الحلويات نجد العديد من أسماء العائلات المرتبطة بهذه المهن، مثل: بيت الكعيكاتي، الحلواني، السكري، الكنيفاتي، البغجاتي. فيما نجد بيت القهوجي، الحكواتي، الراوي، التتونجي التنبكجي، والاركيلي.

وأما المهن المتعلقة بالتعليم فنجد: عائلات بيت الأستاذ، المدرس، المعلم، الخجا، والأسطة، فيما سميت عائلات اشتهرت بالعلم والثقافة والطب بيت الشاعر، والكاتب والكتبي وعربي كاتبي والحكيم والجراح والكحالة.

كما أن هناك العديد من العائلات حملت اسم مهنة الحدادة مثل : السنكري، البوابيري، المجلخ، وشيخ الحدادين، فيما أطلق على العائلات التي امتهنت صناعة الآلات الموسيقية بيت الوتار، والعواد، فيما سميت عائلات باسم بيت القلاع والحجار والصوان نسبة للذين امتهنوا مهنة مقالع الحجارة.

وهناك أسماء عائلات ارتبطت بمهن عسكرية مثل: بيت الجندي، المقدم، العسكري، العميد.

Email