بين الغموض والعجائبي.. أدب الخيال يفوز بقلوب الشباب

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

غدت قصص وروايات الخيال بمختلف أنواعه «العلمي والميتافيزيقي وغيره»، والرعب أيضاً، نوعاً أدبياً شائعاً بين الشباب واليافعين بشكل خاص، وهي تتميز بعوالمها الخيالية المذهلة وقصصها المرعبة التي تجذب القراء للتلهف لمعرفة المزيد مما سيحدث للشخصيات أو الأحداث، على الرغم من أنها في غالب الأحيان تتضمن شخوصاً وكائنات وهمية أو خرافية، وتجري أحداثها في أجواء من الرعب والحوادث المميتة أو النهايات المفجعة وغير المتوقعة.

وعلى الرغم من أنها تثير الخوف، إلا أنها بالفعل باتت الأكثر إقبالاً من فئة الشباب واليافعين، الذين قد يجدون فيها مهرباً من الواقع والحياة اليومية الاعتيادية، وتجعلهم ينغمسون في عوالم مختلفة وأحداث خارقة.

غموض وسحر

ترى الكاتبة عائشة سلطان أن هذه العوالم المختلطة بالغموض والسحر وما وراء الخيال والميتافيزيقا وما يسمى بالعوالم الموازية والعوالم الخفية، كلها قصص تجذب بالفعل فئة الشباب واليافعين، وهي ليست بظاهرة جديدة، فهي موجودة على امتداد التاريخ الأدبي، فقد كانت موجودة في الثقافة، وأبرز الأمثلة على حضورها القديم كتب «ألف ليلة وليلة»، التي تضمنت حكايات قائمة على العجائبية والفنتازيا والسحر والمغارات والكائنات الخيالية في البر والبحر وكل مكان، مشيرة إلى أن هذا الكتاب قرأه الكبار والصغار أيضاً، ويعرفه الجميع؛ إذ لم يكن مخصصاً لعمر معين.

وقالت: «ما حدث هو أنه في فترة من الفترات مر الأدب بموجة عقلنة، فصار الاتجاه أن يكون الأدب اجتماعياً وفلسفياً وأكثر عقلانية، مع الابتعاد عن الفنتازيا التي لم تتناسب مع العقل العلمي والنقد العقلي، لكن تمت العودة من جديد للكتابة في الاتجاه الفنتازي والخيالي الذي يتكلم عن الجريمة والغموض، وهو جزء كبير ومهم من الأدب سواء للشباب أو غيرهم، لكن الشباب واليافعين ينجذبون لهذا النوع من الأدب أكثر من غيرهم؛ كون تفكيرهم محكوماً بالفضول وحب الاستكشاف، فينجذب الشباب إلى الغموض بشكل عام، وهذا أيضاً نراه في السينما على سبيل المثال، حيث نرى جمهور أفلام الحركة والإثارة والرعب أكثر من جمهور القصص الاجتماعية أو الجادة».

نزعة

وفي رأي سلطان فإن الجمهور الأكبر سنّاً يستخدم المنطق كثيراً في تحليل الأمور التي يراها أو يقرأها مثلاً، على عكس الشباب تماماً الذين يقرأون تلك الأحداث ولا يخضعونها للمنطق والحقيقة، وهي ترضي نزعة الإثارة لديهم.

وأضافت: «من وجهة نظري، من غير المطلوب من الشباب واليافعين الذين تتراوح أعمارهم من 12 سنة إلى 14 أو ربما أكثر بقليل، أن يقرأوا بحثاً عن الإبداع أو المخزون المعرفي، هو لا يقرأ ليعرف، بل يقرأ ليرضي ويتتبع حس الإثارة والاستكشاف والتعرف إلى الظواهر الغامضة، أما المعرفة الحقيقية وأهداف القراءة فتتطور لدى الإنسان بتطور عمره وعقله ومداركه المعرفية، فجميعنا في سن 11 عاماً مثلاً لم نذهب لنقرأ توفيق الحكيم أو دوستويفسكي ولا الفلسفة، بل ذهبنا لقراءة ما يتناسب مع إدراكنا، مثل قصص الجريمة لأغاثا كريستي وأرسين لوبين، والمغامرون الخمسة، وعلاقات الحب الرومانسية، كونها كانت تتناسب وتتوافق مع أعمارنا، وتحاكي ما نود التعرف إليه، بمداركنا الصغيرة، ولو أعطاني أحدهم وقتها مسرحية لتوفيق الحكيم لما عرفت وفهمت ماذا يقول وإلى ماذا يرمي، ولا نيتشة ولا هوغو ولا غيرهم، لكن عندما قرأنا تلك القصص الخيالية البسيطة والغرائبية أولاً دربتنا وجعلت القراءة عادة لدينا، فكانت العتبة الأولى لتصبح القراءة عادة لدينا، وهذا مهم جداً، حيث يعتاد الإنسان منذ صغره على القراءة مهما كانت القصص خيالية، لأنها تدريجياً ستقوده إلى كتب أكبر وأعمق وأكثر معرفة، لأن القراءة عتبات متسلسلة ومراحل متطورة وكل مرحلة تسلمنا إلى الأخرى».

أجيال

وأشارت سلطان إلى أنه مع النضج لم يعد الجيل الذي قرأ تلك الروايات الخيالية البسيطة والمتنوعة بحاجة لقراءتها الآن، فلا أحد مثلاً من أبناء جيلنا سيعود لقارة أغاثا كريستي أو المغامرون الخمسة أو ألف ليلة وليلة، وربما نضحك لو أوصانا أحدهم بقراءتها، غير أننا في وقت من الأوقات أخذناها على محمل الجد، وكانت من أهم الكتب لدينا، بحسب درجة وعينا ومداركنا الصغيرة.

وأكدت أن ما يحدث في العالم العربي من توجه جيل الشباب بالآلاف لانتظار توقيع كتاب لكاتب في الفنتازيا هو أمر يدعو للفخر، ولا يجب أن يتم الحكم عليه بقسوة أو سطحية، فهؤلاء أثبتوا أولاً أنهم يقرأون رغم حداثة سنهم، وأن الحياة التقنية لم تجرفهم بعيداً عن الكتاب مهما كانت القصة، بل وأن هذا هو الاستثمار والبداية الصحيحة التي ستقودهم إلى التوجه نحو كتب أكثر جدية وعمقاً فيما بعد.

تجربة مستمرة

الكاتبة نورة النومان أشارت إلى أن تجربتها الشخصية بدأت مع حبها لقراءة الفنتازيا والخيال العلمي منذ أن كان عمرها 15 عاماً، وإلى اليوم لم تتوقف عن ذلك، بل زاد ولعها بهذا الفن وبالكتابة فيه، وترى أن جيل الشباب إذا ما توفرت لهم كتب الخيال والفنتازيا بمختلف أشكالها وحكاياتها فسيتجهون إليها بكل تأكيد، تماماً كما يحدث مع أفلام السينما التي يتهافتون عليها بكثرة، وهي من هذا النوع من القصص، ولو توفرت لهم كتب باللغة العربية ترضي فضولهم المعرفي في مجال الفنتازيا والخيال، لما اتجهوا إلى الكتب أو الأفلام الأجنبية.

وقالت: «معضلتنا أن قصص الخيال العلمي والفنتازيا باللغة العربية شحيحة ونادرة، وعندما يجدونها بجودة عالية فإنهم يتوجون نحوها بحب وشغف، وهذا ما لاحظناه مؤخراً مع أحد الأخوة الكتّاب العرب الذي تمكن من أن يجمع آلاف الشباب نحو كتبه في مختلف أنحاء الوطن العربي، وهذا بيّن لنا مدى التعطش من قبل الجيل الشاب لهذا النوع من الحكايات».

وأشارت النومان إلى أن القراءة في هذا الاتجاه نتاجها الطبيعي أن يكون لدينا كتّاب أكثر، لأن القارئ الحقيقي يتحول إلى كاتب، ولو توفر عدد أكبر من الكتّاب في هذه النواحي لوجدنا أيضاً نوادي للقراءة، خاصة فقط بهذا النوع من الكتب كما يحدث في العالم الغربي. 

وأكدت النومان أن هذه الأنواع من الكتب الخيالية هي في النهاية ليست بعيدة عن الواقع أو منفصلة عنه، فلا يمكن الكتابة عن أمر لا يمكن تخيله، وفيها تكهن بالمستقبل، وجدير بنا التأكيد أن هذه النوعية من الكتب تقوي خيال الشباب.

Email