مجمع اللغة العربية بالشارقة يستشرف مستقبل تعليم العربية في أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

في إطار مشاركته في الدورة الـ 33 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، نظَّم «مجمع اللغة العربية» بالشارقة، جلسة نقاشية تحت عنوان «تحديات تعليم اللغة العربية في أوروبا»، حاور فيها الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام للمجمع، كلاً من المؤرخة الفرنسية الدكتورة شارلوت كواري، الأستاذة بقسم الدراسات العربية في جامعة ليون 3، والدكتور أغناطيوس غوتيريث رئيس قسم الدراسات العربية في جامعة أوتونوما بمدريد.

وأجمع المتحدثون في الجلسة على أهمية اللغة العربية، بوصفها جسراً للتواصل الثقافي والحضاري بين الشرق والغرب، مشددين على ضرورة تطوير مناهج تعليمية تلبي احتياجات العصر، وتعزز من مكانة اللغة العربية في الساحة الأوروبية، وإعداد جيل جديد من المعلمين الشباب، القادرين على ابتكار أساليب متجددة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.

راهن ومستقبل

وفي بداية الجلسة، ألقى الدكتور امحمد صافي المستغانمي كلمة رئيسة، أكد فيها أن راهن العربية جيد ومستقبلها واعد، مشيراً إلى أنها تتمتع بخصائص تجعلها لغة عالمية بامتياز، ومشدداً على أن هناك فرقاً جوهرياً بين مجرد تعلم اللغة، وبين أن يعيش الدارس في اللغة ومن خلالها، حيث تتجاوز اللغة العربية حدود الكلمات والقواعد، لتصبح وسيلة للتعبير عن الهوية والثقافة.

وأضاف: «في هذا السياق، تبرز مبادرات الشارقة الرائدة التي يقودها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والتي تهدف إلى تعزيز الوعي باللغة العربية، وإثراء مكانتها على الساحة الدولية، وتسعى هذه المبادرات إلى تعزيز جسور التواصل بين الشرق والغرب، لفهم احتياجات طلاب العربية خارج إطارها الجغرافي العربي، وتشجيع الأجيال الجديدة على اكتشاف غنى اللغة العربية وتاريخها العريق، من خلال مثل هذه اللقاءات التي نسلط فيها الضوء على تحديات تدريسها، والمبادرات المتنوعة لتعزيز حضورها في الحاضر، كما كانت حاضرة عبر التاريخ».

الموسيقى العربية

وأشارت الدكتورة شارلوت كواري، في مداخلتها خلال الجلسة، إلى أن شغفها باللغة العربية قد تأصل من خلال إعجابها بالموسيقى العربية، وهو ما دفعها لدراستها كلغة أجنبية إلى جانب لغات أخرى، ولكنها سرعان ما اكتشفت الثراء اللغوي والثقافي الذي تحمله العربية، ما أثار حماسها للتخصص أكثر في علومها.

وحول التحديات التي تواجه تعليم العربية في فرنسا، أوضحت كواري أن المنهجية الفرنسية في التعليم، تختلف عن المنهجية التي يتبعها مدرسو العربية، وهو ما يجعل الطلاب الفرنسيين الذين يدرسون العربية، يواجهون تحدياً في سهولة الانخراط والتفاعل معها، ما يستدعي تغيير الأساليب التعليمية لتلائم احتياجاتهم.
 

تقسيم المناهج

وقالت كواري: «الطلاب لهم غايات وأهداف متعددة من تعلم العربية، فمنهم من يتعلمها للعمل في القطاع الأكاديمي، كتعليم اللغات، ومنهم من يتعلمها ليمارس التجارة، أو يدرس علوم الاقتصاد الإسلامي أو الدراسات التاريخية، فالمهارات المطلوبة، تختلف بحسب المجالات التي يرغب الطلاب في العمل بها، وهذا يتطلب تقسيم المناهج، بما يتناسب مع الفئات المستهدفة واحتياجات الطلاب، لضمان توفير تعليم لغوي، يلبي طموحاتهم، ويعزز من فرصهم في سوق العمل».

وعلى الرغم من انخفاض أعداد طلاب قسم اللغة العربية في السنوات الأخيرة، إلا أن الدكتورة شارلوت، أكدت أن اللغة العربية تحظى بإقبال كبير كلغة ثانية، ما يعكس الاهتمام المتزايد بالتواصل الحضاري مع العالم العربي. وأضافت أن الطلاب من أصول عربية في فرنسا، يواجهون تحديات في إتقان اللغة العربية الفصحى، أو حتى العامية كمحادثة، حيث إنهم يفهمون الكثير من المفردات، ولكن يجدون صعوبة في نطقها وتركيبها في جمل.

معايير

بدوره، عبّر الدكتور أغناطيوس غوتيريث عن انبهاره باللغة العربية، واصفاً إياها بأنها تتجاوز معايير اللغات العادية، بما تحمله من رصيد ثقافي وتاريخي عميق مع إسبانيا، منذ عصر الأندلس وما بعده. وأشار إلى أن دراسته اللغة العربية، لا تقتصر على كونها تخصصاً أكاديمياً اختاره، بل هي رحلة لاستكشاف الثقافة والتاريخ الإسباني من خلال اللغة العربية، مؤكداً أن هناك تجاهلاً في أوروبا للإسهامات العربية، وأن نشر اللغة والثقافة العربية، يعزز الوعي بأهمية الحضارة العربية في تشكيل الحضارة الأوروبية الحديثة.

جزء من الحل

وذكر غوتيريث أن العديد من الدارسين للعربية في إسبانيا من أصول مغربية، وهم يظهرون رغبة قوية في تعلمها، ومع ذلك، يواجه تعليم اللغة العربية تحديات، منها حاجة القطاع التعليمي إلى جيل جديد من المعلمين الشباب، القادرين على ابتكار أساليب تعليمية متجددة، تتماشى مع العصر الرقمي، وتلبي احتياجات الأجيال الجديدة، التي تعتبر الهواتف المحمولة والعالم الافتراضي جزءاً لا يتجزأ من حياتهم.

لافتاً إلى أن المساجد في إسبانيا، تلعب دوراً مهماً في تعليم اللغة العربية، وأن هناك ضرورة لبناء جسور التواصل مع كافة التجارب التعليمية الناجحة، سواء كانت تقليدية أو معاصرة.

وتطرق أغناطيوس إلى الإرث الثقافي العربي في إسبانيا، مشيراً إلى حاجة ماسة لدراسة العدد الكبير من المخطوطات العربية التي لم تُدرس بعد في المكتبات الإسبانية، مؤكداً أهمية أمريكا اللاتينية كمنطقة جغرافية ناطقة بالإسبانية، وضرورة توجيه الاهتمام العربي إليها، لما تمثله من امتداد للثقافة والحضارة الإسبانية التي تتجاوز حدود أوروبا، وتحضر فيها اللغة العربية بشكل كبير، من خلال الجاليات ذات الأصول العربية.

Email