تحقيق

أطفالنا وحب القراءة العربية الفصحى حجر الزاوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعدّ أدب الطفل ومكوناته السردية من أهم الأجناس الأدبية المتداولة؛ كونه يشكل اللبنة الأولية في تشكيل شخصية وثقافة الأطفال، إلى جانب قدرته على التحفيز واختبار القدرات والمهارات التعبيرية.

ضمن منظومة الثقافة القرائية العربية، التي باتت تعيش صراعاً هجيناً بين استخدامات العامية واللغات الأجنبية، التي قد يراها البعض هي لغة المستقبل والارتقاء، واكتساب الثقافة المعلوماتية، ومنهجاً متفرداً للتفكير الإبداعي، تتناقلها الأكف الصغيرة بين كتب وروايات، لا ترتدى عباءة الموروث العربي، ولا سماته الشعبية لفن القصص والحكايات.

فبين مطرقة اللهجات واللغات الهجينة، وسنديان الحداثة، كيف ينظر الكتاب والباحثون لمستقبل اللغة العربية كونها منبعاً للهوية.

وأحد أهم مكونات الرواية والقصة المعاصرة للطفل في العالم العربي، بهدف توسيع نطاق الثقافة القرائية باللغة العربية الفصحى وتعميقها وترشيدها، وإشراك أكبر شريحة من الأطفال في أنشطتها التفاعلية كونها من أكثر اللغات تحدثاً، ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، وتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة في الوطن العربي؟

اكتساب اللغة

تؤكد الكاتبة نور عرب من مؤسسة دار نور للنشر، أن موضوع اكتساب اللغة عند الطفل ليس موضوعاً وليد هذا العصر، بل قد شغل أذهان العرب القدامى، حيث قال ابن خلدون: «إن اللغة هي ملكة إنسانية ظهرت في البداية على شكل طبع وفطرة، ثم تحصل هذه الملكة بممارسة الكلام، وأتى فيما بعد العالم تشومسكي بنظريته بأن الطفل يولد ولديه استعداد فطري يساعده على اكتساب اللغة.

حيث يكون الدماغ نشطاً للغاية في اكتساب مخزون عالٍ للغة في مرحلة الطفولة، وتتراجع هذه الملكة كلما تقدم الطفل بالعمر، وبإمكان الطفل استخدام اللغة بشكل متقارب من الكبار عند بلوغه السنة الرابعة من عمره».

مخزون الهوية

وتضيف نور، التي أصدرت من مؤلفاتها ما يزيد على الثلاثين قصة للأطفال عن فئة الطفولة المبكرة تحت عنوان «نايا»، وأخرى للفتيان تحت عنوان «سمسوم»: كل هذه الدراسات تؤكد أن الطفل يمتلك القدرة الكافية لاكتساب اللغة الفصحى من الطفولة المبكرة.

ولكن كيف له اكتسابها إن أهملنا اللغة الفصحى ولم نكتف بالتكلم معه بالعامية على مدار اليوم، بل لجأنا إلى اللغة العامية أيضاً في كتابة قصص الأطفال، وكوني كاتبة وناشرة متخصصة بكتاب الطفل أحرص دوماً على تقديم جميع إصدارات الدار باللغة الفصحى الصحيحة.

لأن كتاب الطفل أفضل وسيلة لإثراء المخزون اللغوي عند الطفل، وله دور رئيسي في الطلاقة اللغوية عند الأطفال، وتجاهلنا لهذه الحقائق ستؤدي بأطفالنا إلى عزوفهم عن ممارسة أو اكتساب مهارات اللغة الفصحى. برأيي علينا أن نثق بقدرة الطفل اللغوية.

اللهجات العامية عديدة ومتغيرة، ولكن اللغة الفصحى هي اللغة الرسمية في كل أنحاء أمتنا العربية، ولا يمكننا الاستغناء عنها أو بالتهاون بها بأدب الطفل إن أردنا أن ننشئ جيلاً مثقفاً فخوراً بهويته ومتمكناً من لغته الفصحى.

رؤية تكاملية

وحول الأهمية البارزة لأدب الأطفال جعلت منه موضوعاً شغل العديد من الكتاب والأدباء في العالم تعتقد الكاتبة ورسامة كتب الأطفال بولي دنبار أن الأدب بشكل عام من منظور معاصر يطرح رؤية تكاملية، تثري لغة الأطفال، من خلال ما يزودهم به من ألفاظ وكلمات جديدة، كما أنه ينمي قدراتهم التعبيرية، ويعودهم الطلاقة في الحديث والكلام لما يزودهم به من الخبرات المتنوعة.

وهو يساعد على تحسين أداء الأطفال، ويزودهم بقدر كبير من المعلومات التاريخية والجغرافية والحقائق العلمية، والجدير بالذكر أن الأدب العربي يحوي العديد من العناصر الثقافية الملهمة، التي تشمل اللغة العربية الفصحى والعادات والتقاليد والألعاب الشعبية، وغيرها من القيم الروحية والمجتمعية وأساليب التعلم وميادين التربية، وتابعت:

حققت دوله الإمارات في فترة قصيرة إنجازات مذهلة في مجال رعاية الطفل، ولكن الطموح أكبر مما تم إنجازه، فنحن نطمح إلى توسيع نطاق الثقافة القرائية وتعميقها وترشيدها، وإشراك أكبر شريحة من الأطفال في الأنشطة الثقافية.

ورش تفاعلية

وفي ما يتعلق بأفضل الوسائل لدفع الأطفال للقراءة باللغة العربية الفصحى تقول الكاتبة المرشدة التفاعلية سناء شبّاني المتخصصة في أدب الطفل والحاصلة على ماجستير الإرشاد المدرسي من الجامعة اللبنانية كلية التربية، ونشرت أكثر من 15 كتاباً ومسرحيتين:

إن تشجيع القراءة والاطلاع هو الطريق الأمثل لتثقيف الطفل، وأقصد بتشجيع القراءة بذل الجهد والتحفيز المستمر، عبر الورش التفاعلية والحلقات النقاشية، التي تحفز الطفل نحو القراءة بصفة مستمرة بدافع الحب والرغبة في الاستكشاف، وهذا يقودنا للنظر بتعريفات القراءة من زوايا متعددة.

والتي هي نقطة تكوين المهارات النفسية والعقلية، خلال العديد من التفاعلات الذاتية، وعبر عملية القراءة، والتي تشمل إدراك المعاني واستيعاب مضامين الكلمات، والصور، والأرقام، في إطار عملية التعلم والتواصل، ونقل الأفكار وغرس القيم والاستمتاع بالمطالعة، ومن ثم اتخاذها كونها هواية مستمرة بمرور الوقت.

تنمية معرفية

وتشير الكاتبة والمترجمة هديل غنيم الحائزة على اتصالات عن فئة كتاب الطفل لعام 2020 عن كتابها «ليالي شهر زيزي»: المجال التنموي المعرفي يعزز قوة أدب الأطفال ومفرداته من اللغة العربية الفصحى، لأنه يشجع على التفكير العميق في الأدب، ويمكن الأطفال من تعلم تقييم وتحليل الأدب، وكذلك تلخيص وإنشاء فرضيات حول موضوع ما،.

حيث يوفر أدب الأطفال للطلاب وسيلة للتعرف على تراثهم الثقافي وثقافات الآخرين، ومن الأهمية أن الأطفال يتعلمون القيم من خلاله، لأن تطوير المواقف الإيجابية تجاه ثقافتنا وثقافات الآخرين أمر ضروري للتطور الاجتماعي والشخصي.

تفكير نقدي

وتضيف هديل، التي قامت بترجمة العديد من كتب الأطفال إلى العربية، أبرزها سلسلة الكتب الشهيرة «جيرونيمو ستيلتون»: يساعد أدب الأطفال المكتوب باللغة العربية الفصحى الطلاب على تنمية التفكير النقدي، إذ تمتلك القصص القدرة على تعزيز التطور العاطفي والأخلاقي.

ومن هنا يستحق إبراز دوره وترشيده إلى هدف بنائه وتناوله من قبل المجتمع الأكاديمي بالبحث والنقد على مستوى أوسع حتى نتمكن من تطوير أدب موجه للأطفال، يصب في الرفع بمستواهم الشعوري والوجداني والعاطفي والتعليمي أكثر من حشو أذهانهم بقراءات لا جدوى منها.

لغة البلاغة

وتشدد المستشارة القرائية للطفولة الكاتبة وصانعة المحتوى هيا القاسم على ضرورة الحفاظ على اللغة العربية في ما يخص أدب الطفل، لما لها من تاريخ عريق وإعجاز بليغ، وكونها من أكثر لغات العالم التي تحوي مفردات ومعاني، وتقول: شهدنا بالآونة الأخيرة مرحلة مختلفة في تهميش العربية.

وتمكين الجيل من اللغات الأخرى، وأهمها الانجليزية كونها لغة عالمية مشتركة، بداية لنتفق أننا لسنا ضد تمكين الطفل من أي لغة أجنبية، فهذه طريقة ليتابع العالم، لكن هل هذا مبرر لتهميش العربية؟ اليوم أصبح من واجبنا أن ننشئ أطفالنا ببيئة، نستطيع من خلالها نقل الثقافة العربية للأجيال القادمة، وألا يكون لنا يد بدثر هذه اللغة.

مبادرات

وتضيف هيا: للأسف لدينا كذلك صورة مغلوطة عن اللغة، وبذات الفصحى، وأصبح من واجبنا فتح عيون أطفالنا على قوتها وما تحوي من جمال وفخامة، وتثبت أن الأطفال دون ست سنوات قادرون على اكتساب 4 لغات، واليوم في دولة الإمارات العربية نجد تدخلاً قوياً من الحكومة الرشيدة لتمكين العربية عن طريق البرامج والمبادرات.

وكذلك الأنشطة التي تقام على مستوى الدولة وحتى على مستوى العالم العربي مثل تحدي القراءة العربي، ومبادرة بالعربي، وكذلك مبادرة لغتي، التي كان لها الدور الفعال بتقديم العربية عن طريق التكنولوجيا والألعاب التطبيقية.

اللهجة العامية

وفي ما يخص اللهجة العامية وتأثيرها على حضور الفصحي تقول هيا: خُلقنا شعوباً وقبائل مختلفة، وعملت عديد من العوامل على تكوين اللهجات.

وتبقى الفصحى هي الطريقة المثلى لإيصال الفكرة بوضوح من دون أي لغط، وقد تكون هناك مساحة بسيطة لوضع بعض العبارات والجمل أو الكلمات العامية، التي تخدم النص إن كان يحاكي فكرة عن موروث شعبي، لكن الكتابة بالمطلق بالعامية ليست الخيار الأمثل، ولا يحبذ أبداً وجود مثل هذا المحتوى ضمن المشهد الأدبي.

Email