سيف الرحبي.. أدب الرحلة بلغة فاتنة

صدر للأديب العماني سيف الرحبي، كتاب بعنوان «رحلة إلى جبال سراييفو»، حول رحلةٍ عائليةٍ، لكنه يصاحب القارئ إلى أسرار خبيئة لقضايا شاسعة إبداعية وجمالية.

ليذهب معه إلى رحلة ورواية وتأمل من ذاكرة وطفولة وآراء صريحة، وشعر يربك الأسوار العالية لفكر سيف الوجودي والقلق، من خلال رؤيته لهذا العالم رغم طبيعته وجماله، إلا أن انتكاسة الإنسان فيه واضح وجلي في كل حقبة وأرض.

في كتابه الصادر عن دار العين للنشر والتوزيع، يسرد سيف الرحبي المتأمل لكل ما حوله تارة بشكل عائلي حميمي، وتارة في وصف الطبيعة حوله بشعرية عالية، معلقاً على المعاني حوله وكل القوى التي تحكمت في القرن العشرين إلى الواحد والعشرين.

من الفندق المسكون والمنزل الريفي والعريشة التي يجلس أسفلها ساعات مع دفاتره وكتبه، يتأمل سيف الرحبي ويكتب بلغة فاتنة كل العالم بماضيه وحاضره، بسواده وعتمه، بإنسانه من الملتزم والمقتحم إلى القاتل.

وكل ما هو قادم من الأنظمة الغربية الرأسمالية السوقية إلى الحرية والديمقراطية مروراً بالأدباء العرب أصدقائه وذاكرته معهم التي لا تمحى حول لقاءاتهم النادرة وتعليقاتهم التي قل من سمعها.

ودواخلهم التي لا تشبه ما يعيشونه في الواقع، وكتاباتهم التي هيمنت عليها المناطق المجهولة واللايقين.

في هذا الكتاب الممتع، نجد أدباً للرحلات بين الطبيعة من غابات وأمطار، لجبال سراييفو دون أن ينسى الطبيعة العمانية التي ولد فيها، ذاكراً الطبيعة المهيمنة برقتها ووحشيتها، والطبيعة التي زارها في مختلف أنحاء العالم، دون أن يترك الأنظمة المهيمنة بقسوتها الشديدة المسيطرة على الإنسان في كل العصور، وهو ليس بتعليق بقدر ما هو تحليل عميق لمُنَقّبٍ وجوال ومنعزل.

وفي خضم الرحلة بما فيها من حيوانات وطيور وأنهار وجمال، يتذكر الرحبي بيروت ودمشق والقاهرة وكل المدن التي رسخت في قلبه محبة أبدية بعد تجارب يستعيدها كل حين، بأوضاعها الآنية، وأدبائها.

وما كتبوا، ويعرج تارة أخرى إلى أدباء العالم من كالفينو وبورخيس ودرويش وكل الفلاسفة والشعراء والكُتّاب، ليستثمرهم حضوراً بين السطور، مع دهشة الأسئلة وحوارات النفس التي يؤسس من خلالها استشرافاً وهو يمضي في رحلة لطيفة مع أولاده.

حيث القرى في سراييفو وجبالها، ليشعر القارئ أنه في حضرة أديبٍ كبير، وسفر اعتنى بكل تفاصيله، لتصبح أنت أيها القارئ برفقة سيف الرحبي المفكر والكاتب والشاعر والسارد، بلغة ممتعة في خرائط المتخيل بمواطنها الجمالية وقضاياها الأساسية.