«الأمريكي الذي قرأ جلجامش» صراعات ومحبة في أسلوب روائي مشوق

يقدم الروائي السعودي أحمد الشويخات، روايته «الأمريكي الذي قرأ جلجامش»، بصياغة واقعية وخيالية متمكنة، وكأن الرواية حوار مجازي، بشكل غير مباشر، مع «ملحمة جلجامش» الشهيرة، بأحداثها التي حدثت بين الصديقين «جلجامش» و«أنكيدو»، قبل خمسة آلاف سنة، من خلال البطل «ديفيد بوكاتشيو»، المترجم الأمريكي، المتقن للعربية، وصديقه السعودي رجب سمعان الشاعر والمترجم، بشخصيته العميقة، والمترجم لمعنى الوجود كأستاذ جامعي، وبأسلوب فلسفي لا يشبه الكثيرين.

الرواية في شخصياتها المبدعة، توضح كيف يدخل المثقف في عالم شتى القضايا الإنسانية والاجتماعية، وهي إشكالية كل زمان ومكان، مثل ديفيد المترجم الأمريكي الآتي من جذور إيطالية، وأسرة مثقفة، ومن سلالة تاريخية، فجده البعيد هو الشاعر والمؤلف الإيطالي جيوفاني بوكاتشيو، بين القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي، والذي كان له أثر كبير في النهضة الإيطالية، حيث تعرف إلى صديقه رجب سمعان، في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية.

علاقة وجودية

تسلط الرواية الضوء على صراع محبة بين المترجمين الصديقين، ديفيد بوكاتشيو، ورجب سمعان، كما كان صراعاً محباً وحزيناً في العلاقة الأسطورية بين جلجامش وصديقه أنيكدو، الذي فقده ورفض دفنه. أما كمثقفين صديقين، فقد تعمقت علاقتهما أكثر، حين ذهبا يوماً إلى جزيرة تاريخية، ورغبتهما لشراء تمثال أثري صغير لجلجامش، من أحد التجار في هذا المجال، إلا أن المشهد الشرائي الذي لم يتم، كان مشهداً مسترجعاً، وبشكل فني أثناء السرد الروائي، لتبقى علاقة الصديقين علاقة وجودية، من خلال أطروحاتهما حول الترجمة نفسها، بأنها ليست ترجمة لغوية فقط.

مشاهد

ولأن الصديقين مغرمان بالترجمة والمعاني المتسعة، يموتان في ظروف مختلفة، رجب سمعان يموت غرقاً، وديفيد بوكاتشيو في انفجار.

الرواية بأحداثها العميقة والجديدة، وبأحداثها المشوقة، تبدو كفيلم سينمائي، يحمل مشاهد بصرية باذخة وعميقة، وكأن القارئ في نهاية الرواية، يتمسك بما قالته صوفيا والدة ديفيد المعتدة بعائلتها، عن مدى صدق المؤرخ الفعلي «لا تصدقوا أحياناً ما يقوله ويكتبه المؤرخون، فهم أشخاص مثلنا».

الروائي أحمد الشويخات، شخصية موسوعية ولغوية وتربوية مترجمة، كان مدرساً للغة الإنجليزية واللسانيات بجامعة الملك فيصل، ومديراً لمشروع الموسوعة العربية العالمية، صدرت له هذه الرواية من مركز الأدب العربي 2022.