المكان ملهم للأدباء الصحراء أنشودة الكلمات وخيال الرواة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما شكلت الصحراء جزءاً من هوية العربي، تفاعل معها في الماضي والحاضر، بمعانيها وحضورها الذي يتعدى كونها جغرافيا وتضاريس، بل ساهمت في تكوين شخصيته من خلال اتصاله المباشر بها فارتبط بها ارتباطاً وثيقاً جعل من الصعب أن ينفصل عنها، وهذا التعلق بالبيئة الصحراوية جعل منها مصدر إلهام للأدباء والشعراء، فتردد ذكرها مراراً وتكراراً في القصائد الشعرية أو القصص والروايات المستوحاة من البيئة المحلية في الإمارات والخليج وغيرها من الأوطان التي شكلت الصحراء جزءاً من جغرافيتها، فتحولت مكاناً ملهماً للأدباء وأنشودة تصوغها الكلمات وخيال الرواة، فكيف كان حضور الصحراء في كتابات الشعراء والأدباء؟

بيئة

يقول الكاتب والإعلامي عبدالله السبب «الصحراء، مثلها مثل باقي البيئات؛ كلما كان المبدع ابن بيئته، كان الناتج الإبداعي أشد وضوحاً وأكثر صدقاً وأدق تعبيراً.. وهنا نؤكد على حقيقة واحدة: البيئة - أياً كانت - ومفرداتها، ومكوناتها، لا يمكن مثولها في الجنس الأدبي عنوة، دون أن تكون التلقائية هي الفعل الإبداعي الصادق والمعبر حقاً عن الفكرة أو القضية التي ينشدها الأديب من عمله الذي يعمل على إنجازه؛ سواء أكان مخططاً له، أم كان فكرة فجائية غير منشودة وطرأت دون سابق موعد في اللاوعي الكتابي.

وتابع: في الحديث عن المكون الجغرافي الصحراوي في النص، بمختلف دلالاته ورموزه (الجبال، الرمال، النباتات، الرياح الإعصارية المرادفة للفضاء الصحراوي، والكائنات على اختلاف أشكالها وأجناسها وأصنافها)، يتضح أثرها أكثر من خلال الأجناس السردية (الرواية والقصة)، دون إنكار مثولها في الشعر بكل صوره (القصيدة العمودية، قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر)؛ فالأمر يتعلق بقدرة كل من السارد والشاعر، في استلهام البيئة الصحراوية مثلاً في النص.

كذلك، فإن معجم الصحراء بما يتضمنه من مهام وممارسات بشرية (الصيد بالصقور، صيد الأرانب والغزلان، التخييم في الصحراء، ممارسة الرياضات التراثية: سباقات الهجن، والخيل، و...)، فإنها حاضرة بقوة في النص الإبداعي، لا سيما الشعر الشعبي.

قيم

وتتحدث الكاتبة فاطمة المزروعي عن عمق ارتباط البدوي بالصحراء وما يتعلق بها من قيم تناولتها القصص الشعبية والحكايات فتقول: «كانت الصحراء ولا تزال برمالها الذهبية الناعمة تثري مخيلة البدوي وتدهش الكاتب المعاصر، فما زال التغنى بالصحراء ومكوناتها وتضاريسها جزء من النصوص الإبداعية، وقد تجسدت الصحراء بمفهومها الواسع في أشعار الفرسان، كما وأن الواحات القديمة كانت مصدر مفاجأة لمن تقطعت بهم السبل وكانت خير منقذ في بطن الصحراء، ومن هنا تتجلى روعة الطبيعة وعظمة خالقها، والكاتب الإماراتي تأثر ببيئته الصحراوية فأثرت على كتاباته، فأنتج منها أفلاماً تتناول كرم أهل البادية وقيمهم وقصصاً عن الإيثار والبطولات وحكايات سفينة الصحراء، كما أنه حولها إلى ساحة فنون تحتوي على أعمال فنية مثل النحت والرسم ولوحات فنية متعددة الأفكار، لذلك فقد تحولت هذه الصحراء إلى قصيدة وقصة قصيرة ورواية ولوحة بديعة انتجتها أيادٍ وعقول إماراتية رداً للجميل وعرفاناً بقيمة الوطن».

الصحراء سجلت حضوراً قوياً في قصائد الشعراء، إذ جيء على ذكرها في كثير من القصائد النبطية، وفي هذا الجانب تقول الشاعرة نايلة الأحبابي: «الصحراء حاضره في قصائد الشعراء وأدب الأدباء وكأنها مساحة البوح للروح باتساعها وسكونها لتكون للإبداع ملاذاً، فيكتب الشعراء حين يقفون على الأطلال أو يعبرون الدروب أو يتوهون في متاهاتها، ليجدوا فيها واحات من الجمال وكنوزاً لا يعرفها إلا عاشق للصحراء، وبلا شك إن الشاعر ابن بيئته فلا عجب أن يتأثر بطابع الصحراء، ونحن كعرب لنا مع الصحراء قصة تجعل أرواحنا تسكن برؤيتها والعيش فيها، كما أن للشقاء والمعاناة جزءاً من الصحراء ليصبح العربي جزءاً لا يتجزأ من هذا الأرض، فيأخذ من طباع أهل الصحراء الشدة والصبر والتحمل والسعي وعشق الصحراء لقربها من روح الأدباء، فهي ساحة للفكر والتفكر ومكان للتدبر وفيها تتحد السماء مع الأرض باتساع وروعة لا يراها إلا عابر يغريه السراب ويلهمه السحاب والمطر، الصحراء قصيدة توثق مكاناً وتاريخاً ولا تخلو قصائدهم من وصفها أو ذكرها في أشعارهم، وأذكر هنا بيتاً نبطياً كتبته:

جيت لك يا طير شلوى عاشق روح الأصالة

                  طاوي عرض الصحاري بسيرة العز الطويلة

Email