السفر إلهام ينعش قريحة الشعراء

كغيره يتأثر الشاعر بما حوله من متغيرات وظروف، لكن الفارق يظهر في تحول هذه التغيرات إلى قصيدة، يترجم فيها الشاعر إحساسه ومشاعره لينقلها للآخرين بسجع الكلام وحسن اللفظ، فيتحول الظرف إلى إلهام يشجعه لكتابة النص الشعري، وهناك متغيرات اختيارية قد يلجأ لها الشاعر لتساعده على إثراء قريحته وإلهامه للكتابة، فتغير البيئة والطبيعة وأيضاً الأجواء محفز للإلهام.. فكيف يؤثر السفر على قريحة الشاعر وإلهامه لكتابة الشعر.

نص مختلف

قال الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير بيت الشعر في الشارقة: قدر الإنسان أن يكون مسافراً منذ الأزل، وما مراحل العمر إلا سفر في الزمن، والشعر جزء لا يتجزأ من حياة الشاعر، والسفر حركة تدافع السكون، ويكتشف الشاعر فيها فضاءات مختلفة متجددة، ومشاهد سينمائية تتحرك أمامه، فتشعل في داخله جذوة الفكر، وتمنحه دافعاً للمغامرة والاستكشاف، ليعود من سفره محملاً بصور كثيرة، وأخيلة أثيرة، وقاموس لغوي واسع، ولذلك تجد الشاعر الذي يتنقل بين المدن ينوع في مشهديات نصه، متسلحاً بالثقافة واختلافها من خلال الالتقاء بطاقات إبداعية لها رؤيتها التي قد تتوافق أو تختلف مع رؤاه، ولذلك فهو يدون في ذاكرته ما رآه، ليشكل بعد كل هذا رؤيته الخاصة التي تمثل لدى المتلقي تجربته الشعرية، وأرى أن على الشاعر أن يرحل حتى في السكون، أن يعيش الغربة حتى في مخدعه، أن يصادق الوجع ليجعله عود ثقاب لنصه، أن يتلذذ برؤية الوردة دون أن يقطفها، أن يطارد الظباء في البراري دون أن يصطادها، وهذا السفر مع الحرمان هو الذي يصنع الشاعر ونصه المختلف.

تجديد حسي

ويرى الشاعر محمد المشيخي أن السفر بالنسبة للشاعر هو تجديد حسي وروحي، وما يميز الشاعر عن غيره هو تأثير السفر شعرياً من وجهة نظره حسب مدة السفر والغربة خارج موطنه فيقول: «أحياناً فراق الأحبة يجعل الشاعر يكتب عن الفراق، مع أنه يستمتع بجمال السفر من جميع أنواعه، وأحياناً يكتب من جمال ما يراه حوله من طبيعة خلابة وخضرة وماء، فالسفر دافع جيد لولادة قصيدة مميزة، فعين قلب الشاعر ترى أشياء متغيرة تجعل القريحة الشعرية تتجدد معها».

ويفضل المشيخي السفر الفردي لأن الخلوة تساهم في التقاط كل شيء جميل يهيئ ويساعد ليحظى الشاعر بروقان ذهني ونفسي دون ضوضاء.

ويتحدث الشاعر طارق بالحاي المراشدة عن حالة الصفاء الذهني التي يعيشها المسافر وأثرها على الإبداع الشعري: «يساهم السفر في تغيير حالة الإنسان وصفاء الذهن، كما يمنحه كثيراً من الاسترخاء والاستمتاع بعيداً عن الضغوطات وروتين الحياة، بما يشاهده من أماكن طبيعية وحضارات مختلفة، وينعكس ذلك على إبداع الشاعر ومنحه مهارات أكثر، لها الدور الأكبر في إثراء موهبته الشعرية وإلهامه خيالاً أبعد وأجمل في تصوير التشبيهات التمثيلية في أبياته، كما أن اختلاطه بالكثير من الناس من مختلف الثقافات والشعوب يضيف له اهتمامات جديدة وشغف الإطلاع واكتساب المزيد من المعلومات والمعرفة».

مايسترو المشاعر

وأطلقت الشاعرة أسماء الكعبي لقب (مايسترو المشاعر) على السفر، لما له من دور كبير في التأثير على مشاعر ومكامن الإبداع لدى الشاعر، حيث يحلق بالنبضات بعيداً هناك إلى حيث تغرد الأحاسيس، وتشدو الأفكار على ألحان الطبيعة، هناك حيث تأخذ الشاعر إلى مرحلة استجمام القريحة، بعيداً عن ضغوطات الحياة، هناك حيث تنبت المشاعر من غيث الطبيعة.

حيث تتلاقى جميع المقومات التي تساعد الشاعر على الانطلاق بقريحته نحو الإبداع والإلهام. السفر دينامو الأحاسيس ومحرك الإبداع فكم من شعراء الزمن الجميل أبدعوا ونظموا أجمل القصائد في السفر والمواقف التي تحصل خلال رحلة السفر.

وتستذكر الشاعرة أسماء مثالاً على ذلك واحداً من أحب الشعراء إلى قلب كل إماراتي وعربي (الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه)، حيث كم أبدع وخط أجمل الأشعار التي تغنى بها فنانو الوطن العربي خلال رحلاته في القنص ومنها (يا طير وضبتك بتدريب... ابغي اصاوع بك هدادي..).