«التوبة».. شاهد على فن العمارة في العهد الأيوبي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خارج أسوار دمشق القديمة كان هناك خان يرتاده المسافرون يُعرف بخان الزنجاري، كثرت فيه الموبقات والمحرمات، مما دفع الملك الأشرف موسى الأيوبي إلى شرائه وهدمه، وأمر أن يُبنى مكانه جامع سمي بجامع التوبة.

تميز هذا الجامع، الذي يوجد بحي العقيبة في نهاية سوق ساروجة، بأنه من أكبر الجوامع في دمشق، ويعتبر شاهداً على فن العمارة في العهد الأيوبي، يحاكي في تصميمه الجامع الأموي، وعلى الرغم مما تعرض له هذا الجامع خلال 8 قرون إلا أنه بقي محافظاً على طابعه المعماري، وكان موئلاً لأهم علماء القراءة والفقه في بلاد الشام. 

 يقول إمام الجامع الشيخ ياسر البرهاني لـ«البيان»: «إن جامع التوبة هو الثاني من حيث المساحة بعد الجامع الأموي الكبير في دمشق، بني في عام 632هـ/ 1133م»، مضيفاً: إن «هذا المسجد له قصة مميزة من ناحية الموقع الجغرافي، الذي بني عليه، فهذا الجامع بني خارج أسوار مدينة دمشق، ودائماً ما تكون المقابر خارج أسوار المدن، حيث يوجد بالقرب منه مقبرة الدحداح».

وتابع البرهاني: إن «مكان هذا الجامع كان يوجد خان يدعى «خان الزنجاري»، وانتشرت في هذا الخان جميع الموبقات من خمر ونساء، وبعد استياء الناس منه، قام الملك الأشرف (أبو الفتح موسى ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب)، بشراء الخان وهدمه وأقام مكانه جامعاً أسماه جامع التوبة، وأوقف له دكاكين وممتلكات».

وأردف قائلاً: يُشهد للملك الأشرف الأيوبي أنه بنى الكثير من الصروح الدينية منها «دار الحديث الأشرفية»، التي سبقت بناء هذا الجامع بعدة أشهر وما زالت موجودة حتى يومنا هذا في حي العصرونية.

تصميم هندسي

وفي ما يخص التصميم الهندسي للجامع، قال البرهاني: إن جامع التوبة بُني على طراز الجامع الأموي من ناحية الحرم والمسجد والأروقة والصحن والبحرة، إذ لا يوجد فروقات بينهما إلا من حيث المساحة.

ويتألف الجامع من صحن مستطيل الشكل تتوسط بركة مربعة، وتحيط به 3 أروقة شرقي وغربي وشمالي تقوم على قناطر وأعمدة من الحجر، فيها نوافذ قوسية مدببة الرأس، الحرم مستطيل، وفيه محراب غني بالزخارف، ومكسو بالرخام في أسفله، ثم تعلو ذلك طبقة تحتوي على رسوم نباتية جميلة تتخلّلها كتابات وزخارف، يعلوها رسم هندسي ونباتي، وعلى جانبي المحراب عمودان من الرخام.

والجدار الشمالي للجامع ذو ارتفاع شاهق يتوسطه باب كبير، كما توضع المئذنة الجامع بالزاوية الشمالية الشرقية، وتحتها يوجد الرواق الشمالي للجامع، كما يوجد الباب الرئيسي للجامع في الجهة الشرقية تعلوه مقرنصات، وهناك باب غربي أغلق منذ فترة طويلة بحسب إمام الجامع.

وأورد البرهاني بأنه «عندما شب حريق في الجامع الأموي استعانوا بتصميم بحرة جامع التوبة لإعادة ترميم بحرة الجامع الأموي».

الترميم 

تعرض الجامع للخراب والدمار عدة مرات، ومع ذلك تم ترميمه وبقي محافظاً على تصميمه العمراني، وكان الجامع احترق في عام 699 هـ خلال فترة اجتياح ملك التتار غازان لدمشق، ثم تم تجديده، كما تعرض للدمار والخراب في فترة احتلال تيمورلنك لدمشق في عام 803هـ، فتم ترميمه من قبل الأمير شاهين الشجاعي وأوقف فيه حلقة لتدريس القرآن عرفت بالشاهينية، كما تعرضت مئذنته للدمار في زلزال 1173، بسبب الزلزال وتم ترميمها في ما بعد.

وقال البرهاني: إن القبة والمئذنة تعرضتا للدمار جراء العدوان الفرنسي على دمشق، وتم ترميمها كما، تم في العقود الأخيرة رصف الجامع بالبلاط، وإغلاق الأروقة بأبواب حديدية، وترميم السقف لمعالجة الشقوق، التي تُدخل مياه الأمطار، وإدخال التدفئة والتكييف إلى الجامع.

وتابع البرهاني: في الأشهر الأخيرة تم ترميم القسم الغربي على يمين المنبر، فكان هناك تشقق في الجدار، بسبب هبوط بالأساسات، وقام فريق مختص بالترميم بالتعاون الإداري مع وزارة الأوقاف، وتم تدعيم أساسات الجهة الغربية للجامع.

موئل للعلماء

أوضح البرهاني أن «الجامع كان موئلاً للعلماء من شتى علوم القرآن (القراءات – الفقه – الحديث) مثل آل الحلواني والبرهاني، وقاموا على العمل في خدمة هذا الجامع، وأدوا رسالتهم بشكل يؤجرون عليه، وكتب التاريخ تؤرخ ذلك على مدى العصور».

وتابع البرهاني: من أبرز خطباء جامع التوبة كل من بدر الدين وإبراهيم، وهما من أبناء العز بن عبد السلام، وكان الأخير يسمى «سلطان العلماء وبائع السلاطين»، حيث إنه باع المماليك وأعاد أموالهم إلى بيت مال المسلمين، وبعد أن اشتراهم وأعتقهم وأصبحوا أحراراً قال لهم الآن تستطيعون أن تحكموا، كما كان ابن الجرزي القارئ المعروف خطيباً في هذا الجامع. 

وأضاف: أما على مدى الـ 200 عاماً الأخيرة قام آل الحلواني بحمل عبء المحافظة على قراءة القرآن الكريم كما أنزل، وكانوا يجيزون في القراءة، وهم الأصل لجميع قراء دمشق، وتوالوا على هذا الجامع من الجد للابن ثم الحفيد.

Email