للكاتب الإماراتي علي أبو الريش لغة خاصة، تأسرك بمجرد أن تبدأ التجوال بين حروفها، لا تجد فيها ما يصيبك بسهام الملل، فنصوصه تضج بالحياة، وجمله مسكونة بالجمال، وقد استراحت على دكة الفلسفة.
في كتاباته تعود أبو الريش أن يفصّل من الكلمات والجمل ثوباً جميلاً، وأن يقدمه لكل من يشتهي جمال لغة الضاد، وهو ما تجسد واقعاً في كتابه الأخير «إكسبو دبي 2020.. تضامن على الأرض.. عناق في السماء»، الذي لم يجنح فيه إلى لغة أهل الاقتصاد، وإنما آثر تصويره بلغة شاعرية، وهو الذي وجد في المعرض الدولي «سيمفونية رفعت صوتها عالياً»، بحسب تعبيره لـ «البيان».
حيث أكد في حواره معها أنه «عندما شرع في تأليف الكتاب، كانت دبي هي التي تضع الكلمات على السطور»، مبيناً بأن «أدب الرحلات كفيل بأن يستدعي المخيلة لتحضر معها كافة المضامين الإنسانية وتقدمها بصورة واقعية»، وأن «توثيق الأدب الإماراتي مهم جداً».
صنوف الجمال
بلغة أدب الرحلات، صاغ أبو الريش جمل كتابه الأخير، وراح فيه يروي ما التقطته مقلتاه من صنوف الجمال والانفتاح الثقافي، حيث في دبي، خلع الحدث عنه ثوب الاقتصاد ليتحول إلى «عرس ثقافي»، وهو ما استند إليه أبو الريش ليتمكن بحنكته الأدبية من تجاوز حدود اللغة ونوعية الحدث الأروع عالمياً، حيث يقول:
«لم أجد صعوبة في اختيار نوعية اللغة التي استندت إليها في الكتاب، لأن دبي جميلة وكل ما يفعله المليح مليح، فهذه دبي وهذه لغتها، وهذه الشاعرية التي ترسمها في خاطر كل من يزورها، ويتابع مشاريعها، ويتفحص منجزاتها».
ويضيف: «عندما شرعت في الكتابة عن «إكسبو 2020 دبي»، كانت دبي هي التي تضع الكلمات على السطور، وترسخ مفهوم اللغة الشاعرية في ضميري، وهي التي كانت تسهر معي، وترتب الجمل التي أختارها، وتهذب العبارات، وتنشد بصوت النهام عند كل نهاية صفحة، وأرتل أنا من بعدها تلك السيمفونيات التي رفعت الصوت عالياً وهي تستقبل الزوار الذين وفدوا من كل حدب وصوب».
ورغم ذلك يقتنع أبو الريش بأن «شعار إكسبو اقتصادي في المقام الأول»، وبرغم ذلك يقول: «كيف للاقتصاد أن يترنم، من دون قيثارة الثقافة والتي هي التي ترسم البهجة في نفوس الناس، وكل العشاق الذين جاؤوا وهم يحملون في أعطافهم ثقافات بلدانهم وحضاراتهم، وإرثها» واصفاً الاقتصاد بـ «شجرة إن لم نروها بعذب الإرث التاريخي، تصبح عجفاء، خاوية من المعنى».
«إكسبو 2020 دبي»، بدا لأبو الريش أشبه بـ «رحلة يطوف بها أروقة الأرض، ويقطف من زهرات ثقافاتها»، وهنا يعترف بأنه وعند زيارته للمعرض الدولي لم يضع في حسبانه رؤية الباقات التي ضمتها الأجنحة.
ويقول: «عندما تجولت في قلب المعرض، شعرت بأن هناك نبضاً جديداً يحرك مكامن الروح، وأن ما يحدث فيه جدير بأن يجعل دبي كوناً، تآلفت تحت سقفه كل الثقافات، وانسجمت، وتضامنت، وتعانقت في شفافية، وروح عالية».
جولات أبو الريش بين الأجنحة لم تكن تسريباً للوقت، بقدر ما مثلت تسجيلاً لما عاينه في أروقة الأجنحة، ولعل ذلك ما دعاه لتوسد «أدب الرحلات» في كتابه، ويبين أن «أدب الرحلات يكمن في قدرة المسافر على رصد المشاهد، وربطها في حبكة شبه روائية لتكون ملأى بالتشويق».
ويتابع: «شعرت فعلاً إنني زرت البلدان التي كتبت عنها في الكتاب، شعرت أن لأدب الرحلات ميزة قد لا تتوفر لأي كتابة إبداعية أخرى، وهي أنك تكتب عن ثقافة ما وتستدعي المخيلة لتحضر لك كل المضامين الإنسانية بصورة واقعية قد لا يقترب منها الخيال إلا في التصوير، والتشبيه والاستعارة».
زيارات أبو الريش المتكررة لموقع إكسبو كانت كفيلة بأن توقعه في «شباك هوى المكان»، الذي يصفه بأن «له شكلاً خلاباً، ومغرياً لكل من يمعن النظر في المضامين الجمالية».«المجموعة الكاملة»
قائمة إبداعات أبو الريش طويلة، وقد ظلت على مدار سنوات موزعة، قبل أن تجتمع كلها تحت عنوان «المجموعة الكاملة» التي رأت النور قبل نحو عامين، ليمثل ذلك خطوة أولى على طريق توثيق الإنتاج الأدبي الإماراتي، نالت إعجابه.
حيث قال فيها: «جميل أن تهتم مؤسساتنا الثقافية بإصدار المجموعات الروائية، أو الشعرية للأدب الإماراتي، لأن التوثيق مهم، وجمع ما تناثر يعيد للذاكرة كيفية الإمساك بالشذرات ومن ثم قراءتها، أو دراستها وهذا اختصاص المعنيين بالنقد».