خليل صويلح: «حفرة الأعمى» دعوة للتخلص من الثرثرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ملاحظات، وصايا، إرشادات، وحتى ما يسميه «أوهام» يوجهها الروائي السوري خليل صويلح بوصفها خريطة طريق سردية في كتابه الجديد «حفرة الأعمى»، الذي قام بتوقيعه في غاليري «ألف نون» بدمشق.

صويلح، الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب بدورتها الثانية عشرة 2018 عن روايته «اختبار الندم»، قال لـ«البيان»: إن الكتاب دعوة للتخلص من الثرثرة، والفائض اللغوي في الرواية. وهو شهادة شخصية كي لا أقع في «حفرة الأعمى».

لأسباب مختلفة يموت يومياً آلاف البشر، لكنّ طريقة ما في الموت ستشير إلينا من دون مُواربة بأنها القصة التي تستحق أن تُروى، كما لو أنها ثمرة ناضجة أو مغناطيس أو صفعة، شرط أن نتجنب حفرة الأعمى في السرد، بتفاصيل هامشية تعيق عمل المركز.

مجموعة مقالات

الكتاب الذي صنّفه الناشر تحت تسمية «مقامات»، مجموعة مقالات عن كل ما يتعلق بفن الرواية. يقول صويلح: «سُمي مقامات لأنه عصي عن التجنيس»، هو رابع كتاب متابعات نقدية لما وصفها «الكتابة ضد المألوف». وتابع «القاعدة أن تخرج عن القاعدة».

يستحضر صويلح قراءات كتب، وتجارب كتابتها، وملاحظات نقدية حولها، ويقول تحت عنوان «بعض خسائر ورشة الخيال»: في سياق الجري المحموم بين المُخيّلة الروائية، والوقائع اليومية التي يصوغها كوكب طائش ومجنون وسريالي، سيقع الأدب في أقرب حفرة ويخسر المباراة؛ إنه في ورطة حقيقية أمام عجائبية الواقع التي لا تتوقف عن اقتراح حقائق ومعجزات وأهوال تتفوق بمراحل عمَّا تنشغل في ابتكاره ورشة الخيال.

مضيفاً: بالنسبة إلى روائي اليوم المحاصر بأعلى درجات استبداد الواقع وغرائبيته وعنفه، لن يجد بسهولة منفذاً للأحلام كي يصوغ قراءة مُغايرة لمطحنة العيش.

سرديات الهجرة

وبخصوص سرديات النزوح والهجرة والمنفى في الرواية يقول صويلح: تتجه سرديات الألفية الثالثة إلى أرشفة أوجاع الهجرة والنزوح والمنفى. مكابدات الهروب من جحيم الحروب والكوارث بأمل النجاة وتنفس هواء آخر. بشر عالقون بين كابوس الوطن الأصلي وحلم العبور نحو الفردوس الأوروبي، قوارب مطاطية وغرقى بلا أسماء، ناجون يَروُون حكاياتهم المرعبة، وموتى منسيون. ولكن أين الرواية وسط هذا الصخب؟

ستصاب بالدهشة عندما تكشف الإحصاءات النقدية عن 400 رواية عن الزلزال السوري وحده. ليس لجهة الأرقام فقط، إنما لهذا العدد المهول من الروائيين المجهولين، وكيف تمكنوا من طهي هذه المقادير كلها من باذنجان المأساة.

 

نسخة محلية

يضيف «مثلما هناك هجرة غير شرعية خارج حدود البلاد، توجد هجرة غير شرعية إلى الرواية. أقصد روائِّيي القوارب المطاطية المثقوبة. في الكتابة نحتاج إلى هذه القدرة على الالتفات لاصطياد طرائد اللغة والأفكار الصغيرة التي تختبئ في الظل».

ويشير صويلح إلى حاجتنا إلى نسخة محلية من فرانز كافكا، هذه الأنواع كلها من الاستبداد والأوجاع والعزلة، لم تُّهيئ لنا نسخة محلية من فرانز كافكا، يتجول في شوارعنا التي تتدلى من أسوار بيوتها ثمار الإذعان والعبودية والعسف.

ما كنا نعده أدباً كابوسياً يخص جغرافيا بعيدة، ها هو يقتحم حيواتنا بجرعات كبيرة. نقرأ قصص ومسودات كافكا الأصلي، المسودات التي نجت من التلف وإذ بها مكتوبة لأجلنا، نحن أباء الخرائط الملتهبة، فهنا لدينا كلُّ ما يلزم في تفسير أحوال الأذى البشري. ويختم: «هذه المؤونة من الكوابيس المتراكمة، تحتاج حتماً، إلى كافكا آخر بقيد نفوس محلياً وبمهمة محددة».

Email