الغرافيتي في دبي..حكايات جمالية بنكهة التراث

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تغيب حكايات الماضي عن شوارع وجدران دبي، فبعضها يبوح بذكريات أولئك الذين عاشوا في المكان، وكل من مروا في الطرقات، تاركين بصمة ذهبية تذكرنا بالماضي، جل هذه الذكريات تتجلى في الرسومات التي تحملها جدران شارع الثاني من ديسمبر، ومناطق أخرى في دبي، بعضها يميل نحو توثيق التراث، وألعاب الصغار، ومن بين خطوطها تخرج أصوات البحارة الذين طالما رددوا «يا مال» خلال رحلات الغوص والسفر، جدران دبي تعلي شأن «فن الشوارع» أو «الغرافيتي» التي تتجسد بصيخ جكمالية جاذبة معطرة بنكهة التراث وحكايات المكان، إذ تتجسد على جدران متنوعة في أركان ومناطق دبي، ومن بينها جدران بيت الفنان الإماراتي فاروق العوضي، والذي ما أن تجد بيته بجدرانه وإطلالاته ومطارحه، حتى تكون على موعد مع تفاصيل التراث، وبعض صور الماضي، حيث يأسرك الفنان العوضي بأفكاره وبطريقته الفريدة في توثيق مفردات التراث، الممزوجة بـ «العصرنة»، ليحملنا معه في مركبه العامر بـ «صنوف الجمال»، التي توقظ في النفس الإلهام، والإبداع الداخلي، وهو يؤكد في حديثه لـ«البيان» أن دبي باتت أيقونة متفردة في كل ميادين الإبداع والتقدم، وعلى رأس ذلك الفن وخاصة فنون الغرافيتي، إذ تحتضن مدارس الفن والجمال بتنويعاتها كافة.

ألوان متعددة

فاروق العوضي، فنان أكمل نصف قرن من الزمن في رحاب الفن التشكيلي، بعض لوحاته تميل إلى السريالية، وبعضها الآخر ظلت داخل حدود التراث، بينما ذهب في لوحات أخرى ناحية التعليم، لتظل لوحته المعنونة بـ «دبي المستقبل» بمثابة الجوهرة التي تزين عقد أعماله اللؤلؤية، التي تحمل بين ثناياها دعوات للحب والخير والإنسانية، والتسامح.

لم يترك العوضي المسكون بجماليات التراث، في جدران بيته مساحة جرداء، فقد زينها بألوانه المتعددة، فاتحاً العين على تفاصيل التراث، ذلك يتجسد في لوحته التراثية التي تلعب بطولتها بعض النساء اللواتي يتوسدن جرار الماء، وهناك لوحات أخرى توثق لمجموعة الأبواب التي كانت قديماً تستخدم في البيوت، ليعيدنا بالزمن إلى الوراء كثيراً، ويقول لـ «البيان»: «كل لوحة أو جدارية تحمل رسالة صالحة لكل زمان، أقدمها للأجيال القادمة، لتظل على صلة دائمة مع تراثنا وهويتنا، وأعتقد أن وجود مثل هذه اللوحات يعد طريقة سهلة لإيصال الفكرة المطلوبة، حيث تقدم للأجيال القادمة نظرة خاصة على الزمن الماضي، وكيف كان السكان يعيشون في دبي، وأبرز طقوسهم وعاداتهم وكذلك الأدوات التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية»، ويتابع: «ذكريات الأمكنة التي عشت فيها بدبي، زادت من المخزون في ذاكرتي، وهي التي شحذت همتي وشجعتني على إطلاق موهبتي الفنية، ولذلك لا يزال التراث مفصلاً مهماً في مسيرتي الفنية ولوحاتي، التي أعكس فيها الماضي وواقعنا المعاش»، ويواصل: «يشكل الرسم والفن عموماً، متنفسي وعالمي الجمالي الذي أرفه وأخفف به عن نفسي. كما أنه زادي الذي يعينني في الحياة».

عبق التراث

جداريات ولوحات العوضي، لم تظل محصورة في الماضي وعبق التراث، وإنما حملت نظرة إلى المستقبل، فها هو يقف متأملاً لوحته «دبي المستقبل»، التي يقدم من خلالها نظرته إلى دبي خلال 50 عاماً المقبلة، ليقدم عبر لوحته تصميماً خاصاً مستوحى من حروف اسم دبي، بالإنجليزية، قائلاً عن هذه اللوحة: «أقدم نظرتي إلى مستقبل دبي، كمدينة اقتصادية وسياحية وترفيهية في الوقت ذاته، والتي أجمع تفاصيلها في حروف دبي بالإنجليزية، حيث لكل حرف معناه وفكرته الخاصة، وقد صممتها بطريقة «ثلاثية الأبعاد»، بحيث يمكن رؤيتها من علو، وهي منطقة تمتد لنحو 3 كيلومترات، بينما عرضها لا يتجاوز كيلو متر واحد»، ويؤكد العوضي أنه قام بتسجيل اللوحة في مبادرة دبي المستقبل، كفكرة نوعية ومبتكرة.

الجولة مع العوضي داخل بيته لم تكن قاصرة على جدارياته، فهو يعد محترفاً بـ «فن الكاريكاتير»، حيث جنح إلى تجسيد بعض أفكاره على شكل مجسمات كبيرة، لكل واحد منها فكرته ورسالته.

وعن ذلك يقول: «معظم هذه المجسمات مستوحاة من الحياة اليومية، أما أدواتها فهي معاد تدويرها، ووراء كل واحد منها تكمن فكرة ورسالة ما يمكن للمتفرج أن يلتقطها بمجرد النظر إليها».

بعض تلك المجسمات جاء على شكل حيوانات، وعنها يقول: «هناك حيوانات كثيرة عاشت في الصحراء، ومن خلال تجسيدها بأحجام كبيرة، أعطي الفرصة للأطفال والصغار لأن يتعرفوا عليها، وأن يتلمسوها عن قرب». ملاءة مجسمات الفنان العوضي بدت واسعة، حيث ضمت تجسيداً لأفكار عدة، نابعة من التأمل، يقدمها لنا بعد أن يحررها من صورها النمطية.

Email