عوالم الثقافة الغربية تعيد ألق النقد وتأثيره في حياة المبدعين العرب

الإجابة عن مدى حضور النقد في المشهد الثقافي العربي في الغرب، تقودنا لبداياته التي أثبت فيها حضوره بميزاته وخصوصياته وتحرره الأدبي، ولكنه يخفق أحياناً في نيل حقه ضمن الدوائر الثقافية قبل ترجمته إلى لغات بلد الهجرة. وتساهم الآن الكتابة بلغة بلد المهجر، وظهور دارسين وأقطاب ثقافية جديدة، في بناء مشهد فسيفسائي بتجارب إبداعية مختلفة، لتنشيط دوره المهم.

اهتمام واسع

يرى د. يونس توفيق، كاتب وناقد عراقي مقيم في إيطاليا، أن الحضور الثقافي العربي في الغرب واسع ومتشعب. فهناك طبقة من الأدباء والنقاد المهاجرين من السبعينيات من القرن الماضي، ونخص بالذكر لبنانيين وعراقيين وقلة من الأدباء المغاربة الذين يكتب معظمهم بالفرنسية. ومع بداية الثمانينيات وصلت نخبة من الأدباء العراقيين للاستقرار في الغرب، حيث ارتفع الحضور بعد حرب الخليج الثانية.. بدأ بعضهم يكتب بلغات أوروبية.

اللافت للانتباه في رأيه، أن العديد منهم لم يفقد العلاقة باللغة الأم، حيث كتبوا أعمالهم الأدبية باللغة العربية ونشروها في الغرب عن طريق دور نشر عربية مقرها أوروبا، مثل دار النشر العراقية «الجمل» في ألمانيا، ودار «رياض الريس» اللبنانية في لندن.

ويصف الإبداع الأدبي العربي، المكتوب بلغة غير عربية أو المترجم من اللغة الأم، بأنه حاز اهتماماً واسعاً من النقاد والباحثين الأجانب، على أنه أدب متميز وله خصوصيته؛ لأنه مزج بين ثقافة بلد المنشأ وتلك المتبناة.

أقطاب جديدة

تصف د. سناء درغموني، أستاذة جامعية ومترجمة وناقدة مغربية مقيمة في إيطاليا، دور النقد العربي في الغرب بأنه بات مهماً جداً، نظراً للحضور المكثف للمثقفين العرب ونشأة بعض الأقطاب الثقافية الجديدة، كما هو الأمر في ألمانيا مثلاً.

وتقول: أظن أن النقد العربي في الغرب أصبح متحرراً وواعياً بذاته بعد أن تأثر في بداياته بالمنهجيات النقدية الحاضرة في المدارس والتيارات الغربية وأصبحت له خصوصياته وميزاته.

يرتبط نيل الناقد العربي حقه في المشهد الثقافي العربي في الغرب، حسب رأيها، بالوسط الذي ينتج فيه الناقد ويتفاعل معه وأيضاً باستعداد دور النشر أو الصحف والمجلات لقبول الكتابات النقدية، فغالباً ما يكتب الناقد أعمالاً تحظى برواج بين نخبة معينة أو فئة قليلة من المهتمين بالموضوع ولذلك لا ينال حقه بالكامل كمثقف ينتج في مجتمع ما، أو يظل عمله مرتبطاً بالبحث الأكاديمي فلا يستقطب الأنظار في المشهد الثقافي العام.

استراتيجيات

د. خالد حسين، كاتب وناقد سوري مقيم في سويسرا، يصف النقد الراهن في الغرب بأنه عبارة عن إحاطة بالنتاج الأدبي الخاص بالجاليات الشرقية، السورية مثلاً، وهو نقد يعتمد على مرجعيات جرى التأسيس لها هناك من خلال توظيف النظريات الغربية، مثل البنيوية وما بعدها، نظريات الاختلاف، السيميائيات في مناحيها المختلفة، وكذلك نظريات النقد الثقافي في الوقت الراهن.

ويشير حسين إلى أن تفاعل الناقد واستفادته من التجربة النقدية الثرية في الغرب مرهونان بتمكن الناقد ذاته من اللغات الأوروبية الرئيسة أو الاعتماد على النتاج المترجم من هذه اللغات، ونظراً لشيوع الترجمة فإنها تملك أثراً قوياً جداً في بناء الرؤية النقدية لدى الناقد أو ذاك.

أما محمد ميلود غرافي، كاتب ومترجم وأكاديمي مغربي مقيم في فرنسا، فيجد أن المثقفين العرب في الغرب لا يشكلون صوتاً فكرياً وإيديولوجياً وإبداعياً موحداً، فهم لا ينضوون تحت رابطة قلمية أو حزب أو اتجاه واحد وموحد، بل يشكلون مشهداً فسيفسائياً بتجارب إبداعية مختلفة ومواقف فكرية وأحياناً سياسية متنوعة، ثم إن المثقفين العرب في الغرب لا يكتبون كلهم بلغة واحدة، بحيث إلى جانب الذين يكتبون بالعربية ثمة العديد من المبدعين لا يكتبون سوى بلغة البلد الذي يقيمون فيه.

فنحن إذاً أمام «دياسبورا» إبداعية مهمة في الغرب تنخرط بشكل أو بآخر في المشهد الثقافي في بلد الإقامة وأحياناً في المشهد الثقافي لبلدانهم الأصلية.

تحولات

تجد هدى فخر الدين، كاتبة وناقدة لبنانية وأستاذة للأدب العربي في جامعة بنسيلفانيا في أمريكا، أن مساهمات النقاد العرب نادراً ما تعار الاهتمامَ في الدوائر الأكاديمية والثقافية في أمريكا وأوروبا، وتصل بعد أن ينتبه إليها المترجمون وتصبح متوافرة بالإنجليزية أو الفرنسية.

أما دور النقاد العرب في الغرب، وفي أمريكا بالأخص برأيها، فغالباً يقتصر على تدريس اللغة والترجمة، فيبقى التفاعل الفكري والنقدي مع الثقافة العربية حكراً على الخبراء، وهذا حسب وصفها ينبع من بقايا إرث الاستشراق، الذي قامت عليه دوائر وأقسام دراسات الشرق الأوسط في أمريكا.

وتقول: لحسن الحظ نشهد في السنوات الأخيرة تحولاً بفضل الدارسين الذين يتابعون المشهد الثقافي العربي ويلتفتون إلى أهمية مساهمات النقاد العرب في التعليق على النتاج الأدبي العربي. إضافة إلى تحوّل في فهمنا لدور الترجمة في هذا السياق، إذ إنها ليست وسيلة مجردة لإتاحة مادة أولية للدراسة، بل هي عمل نقدي وقراءة ذات دوافع وأغراض.