وداعاً فريد نعمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء الصوت بعيداً واهناً مليئاً بالأسى وكأنه من أعماق بئر، قال: أنت فلان، قلت في خدمتك. قال أنا من أقرباء فريد نعمة، فتوجست. وأضاف: سأقول خبراً حزيناً، لقد مات فريد نعمة.

شعرت بغصة جافة، لقد مات زميل كاتب، بسبب عارض صحي مفاجئ وبطريقة غير متوقعة، في بلد الحرب والدمار: سوريا، وسرعان ما ذهب تفكيري نحو صورة ميتة قاسية بأداة حرب، لكن مبلغي قال، إنه مات نتيجة نوبة ربو حادة. من كان يتوقع أن تخطئه رصاصة طائشة ذات يوم وتستقر قرب مقود سيارته ثم يموت بعد أيام بنوبة ربو حادة؟

كتبت له حينها (عمر الشقي بقي)، فأجابني (أشكرك من كل قلبي على تعاطفك وردك الوجداني على ما يجري لنا داخل سوريا. أتذكر الجملة التي قلتها لك مرة «جرعة من الأوكسجين وقت الاختناق»، وقد قصدت أن الأصدقاء الإماراتيين اتصلوا بنا ليطمئنوا علينا وعرضوا المساعدة، لكن الأصدقاء السوريين في الإمارات، الذين خدمناهم كثيرا وكنا نعوّل عليهم، لم يكترثوا، ثم أتى الاتصال منك وكان كجرعة من الأوكسجين.

نظرت ملياً إلى تلك الرسالة الأخيرة ورحت أتذكر عشرات الرسائل التي كنا نتفق من خلالها على طريقة للتعاون، حيث ساهم فريد نعمة عشرات المرات في باب «أعمال خالدة». وبأمانة الحصيف النبيه كان يكتب كل جملة لتكون فيها الفائدة الكبرى للقارئ، طالما تابع نهجه ذلك، ممحصاً الفكرة، مقلباً الرأي، منقباً المعلومة. لقد كان من جيل الكتاب والمترجمين الذين بات وجودهم نادراً.

أتذكر مروره على (البيان) قادماً من أبوظبي، عارضاً ما لديه. كان في جعبته الكثير، وفي قلبه أكثر من الحب.

فريد نعمة سنفتقدك في هذه الصفحة، لقد كنت رجلاً طيباً.

 

 

Email