الشعر الحلمنتيشي الإبداع يبسم من قلب المرارات

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يُوصف بأنه شعر فكاهي أو منولوجي. ويجمع بين الألفاظ العامية والفصيحة لوصف حالة أو سلوك اجتماعي، أو حتى مشاعر خاصة بالشاعر بشكل هادف تارة.

أو يعتمد على المفارقة المفجِّرة للسخرية، ما يجعله فكاهياً لفظاً ومعنى. هذا باختصار »الشعر الحلمنتيشي« الذي ازدهر في مصر والسودان والحجاز ودول حوض البحر المتوسط، ونفسح المجال له في »بيان الكتب« للغوص في أبعاده ومراحله ورواده، لا سيما مع عودته على استحياء، بعد سنوات من الخمول.

رغم قسوة هذا النمط من الشعر وسمته اللاذعة، إلا أن عديداً من الشعراء يؤكدون أهميته كقناة تنفيس عن الروح الساخرة، لا سيما مع امتياز العرب، وخاصة المصريين، بانتزاع البسمة من أحلك المواقف ألماً ومرارة، وكما يقول المثل المصري: »هَمٌّ يبكي وهمٌّ يضحك«.

وفي هذا السياق، يشير عضو اتحاد الكتاب حزين عمر، إلى أن الشعر الفكاهي الساخر، تعود جذوره إلى التراث العربي الذي بدأ مع الشاعر بشار بن برد والشاعر العباسي أبو الشمقمق في القرن الرابع الهجري.. ومجموعة من رفقائهم، إذ كانوا يستخدمونه لنقد أوضاعهم الحياتية وقسوتها.

ويردف: إن الشعر العربي كان فيه مجال للسخرية، حيث ظهر شاعر الحطيئة الذي سخر من نفسه حينما لم يجد من يسخر منه، وكذلك استمرت موجات السخرية حتى وصلت إلى ابن زولاق الشهير بسيبويه المصري، الذي عاصر الدولتين الإخشيدية والفاطمية في مصر، وكانت له إسهامات كبيرة في سياق الشعر الحلمنتيشي.

وتابع عمر: كما استمر حتى استخدمه شعراء العصر الحديث، ومن بينهم: أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. وتعاقبت السنوات حتى ظهر حسين شفيق المصري واستخدم الفصحى والعامية، كما كان للشاعر بيرم التونسي حضور قوي في هذا المجال وإسهامات عدة ضمن ما قدمه من شعر زجل، وخلال العقود الأخيرة، بلور الشاعر الأسيوطي شوقي أبو ناجي الذي توفي منذ مدة قريبة، الشعر الفكاهي المعاصر، وكان من الأصوات البارزة في المجال.

ويضيف: في عصرنا الحالي، هناك أصوات تعبر عن هذا النوع الشعري، مثل: عمرو قطامش وهشام الجخ. وغيرهما من الشباب الذين جذبهم هذا النوع الشعري. كما رُصدت هذه الأنواع وتطوره في كتاب بعنوان »الضاحكين«.

ويوضح عضو اتحاد الكتاب المصري، أن لهذا النوع سمات، أهمها: تغليب استخدام العامية في الشعر الفكاهي، خلط اللغة الفصيحة بعبارات عامية توجب الضحك وتحقق غرض السخرية، الحضور ويقظة الذهن. ومن أشهر الأسماء التي أطلقت على هذا النوع الشعري كان الشعر الحلمنتيشي، الذي يجمع بين الفصحى والعامية.

ويبين عمر، أيضاً، أن هذا النوع من الشعر يلقى رواجاً واسعاً أثناء نوبات الغضب والثورات، وهو يبرز أكثر في الفترات التي يتفشى فيها الظلم والفساد، كما حدث في ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير 2011.

ديوان العرب

من جهته، يؤكد أستاذ الشعر في كلية الآداب - جامعة القاهرة، د. أحمد عمار، أن الشعر الفكاهي أو الساخر، اختلط مع أنواع أخرى من الشعر، بفعل من يدعون انتماءهم إلى الساحة الشعرية، وأغلبهم لا يعي شيئاً عن قواعد الشعر.

ويستطرد: إن كثيراً من الشعراء الحاليين أو ممن يسمون »رواد مواقع التواصل الاجتماعي« من الشعراء، يكسرون قواعد الشعر بدعوى التمرد على القواعد، وبالتأكيد، الشعر الحلمنتيشي تأثر بهذا، مثله مثل غيره من الأنواع التي تواجه صعوبات في الوصول إلى المتلقي.

ويلفت عمار إلى أن الشعر ديوان العرب وسيظل هكذا ببقاء العرب، حيث إنه النوع الأدبي الأسرع في الكتابة والتلقي، وتواريه خلف ستار هيمنة الرواية والقصة لا يعني اختفاءه أو غيابه النهائي عن المشهد الأدبي.

الضاحك الباكي

يشدد الناقد الأدبي د. شريف الجيار، على أن الشعر الحلمنتيشي يعتمد على مفارقة السخرية في بنيته، وكان له حضور على مر العصور ومختلف العهود، لما يحمله من مغزى معبر عن الواقع المعاش.

ويوضح أن الشعر الحلمنتيشي تجلى في الشعر العربي بقوة في فترات الضعف السياسي والثورات، لما يحمله في طياته من نقد اجتماعي وسياسي، ولحاجة الشعب إليه، ولما يحمله من تعبير عن أوجاع الناس وآلامهم. ويتابع: الشعر الحلمنتيشي له حضور ملحوظ في البلدان التي شهدت أحداث الثورات وما سمي (الربيع العربي) خلال السنوات الفائتة، إذ برز كملبٍ لحاجة الشعوب ومعبرٍ عنها...

كما أنه تطور في الفترة الأخيرة لما دخل عليه من إحداثيات لغوية من اللغة العامية. كذلك اختلف نظْمه، كحال الأنواع الشعرية الأخرى. وأطلق على هذا النوع الشعري، اسم »الضاحك الباكي«، لأنه يضحكنا من حيث المفارقة الشعرية، لكنه يبكينا عبر ما يكشفه من حياتنا وواقعنا المعاش.

من قلب المجتمع

الشاعر أشرف عامر، يرى أن هناك فرقاً بين الشعر الفكاهي والشعر الساخر، حيث يهدف الأول إلى الإضحاك فقط، أما الثاني فيعتمد على السخرية والإضحاك كمدخل للمستمع لعرض قضاياه، وفي الأغلب، حسب رأيه، يعتمد النوع الشعري على طبيعة القضايا الاجتماعية أو السياسية وذات الصيت الواسع في المحيط المجتمعي.

ويردف: الشعر الساخر يعتمد على السخرية لتوليد قدر من المرارة، وهذه الصراحة التي يعتمدها، هدفها الإضحاك والبكاء في آن واحد، وهو ما يزيد من أهمية هذا النوع الشعري، لا سيما في الأوساط الشعبية.

ويختم: إن هذا النوع الشعري برز في فترة ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، مع تكور شعر الزجل الذي وجد له رحابة شعبية كبيرة، وكان من رواده: بيرم التونسي الذي قدم وجبة شعرية دسمة تعتمد على التأمل في اللغة العامية المحملة بالنقد والسخرية للمجتمع.

أبو نواس الجديد

لُقب حسين شفيق المصري، بفارس الشعر الحلمنتيشي (1882 - 1948). ويعد أحد أهم رواد هذا الفن الشعري، رغم أنه لم يكمل تعليمه الأساسي، وبدأ حياته الشعرية بنظم قصائده الفكاهية في بداية حياته، كما أصدر جرائد فكاهية نقدية ساخرة، منها: السيف والأيام. وتولى رئاسة تحرير مجلة »الفكاهة« طوال أربعة عشر عاماً، كما تولى رئاسة تحرير مجلات صدرت عن دار الهلال، مثل: »مجلة كل شيء« و»مجلة العالم«.

عُرف المصري أيضاً، بأبي نواس الجديد، ذاك في تشبيه بالشاعر العباسي أبي نواس الذي امتاز أسلوبه بقدر من الإضحاك، وقال الكاتب الساخر محمود السعدني عنه: »ظل حسين شفيق المصري يتدحرج طول حياته وينقلب في مهن كثيرة، من كاتب محام إلى مصحح في الجرائد.. إلى زبون دائم في مقاهي القاهرة وعلى أرصفتها الشهيرة..

ومن خلال هذه المهن الغريبة، استطاع العبقري أن يرى الحياة كما لم يرها أحد من قبل«. واشتهر المصري بقصائد نظمها تحت اسم »المشعلقات«، وهي قصائد مستوحاة من المعلقات السبع، حيث وجد المصري في المعلقات مادة جيدة للسخرية، واستخدم اللغة العربية الفصحى أيضاً لنظم تلك المشعلقات، فكان لها بالغ الصدى في وقته آنذاك.

رواد معاصرون

يعد محمود شوقي أبو ناجي، وهو شاعر من محافظة أسيوط في صعيد مصر، أحد الرواد المعاصرين في نظم الشعر الحلمنتيشي، وهو محافظ على القافية والوزن والنحو واعتمد على معارضة القصائد، أي إنه يعكس مضمون القصيدة المكتوبة من قبل للشعراء.

رواد

يزين الشاعر مصطفى رجب حقول الشعر الحلمنتيشي عن طريق دواوين في هذا النوع الفريد من الشعر، ويعتبر مصطفى رجب عضو اتحاد كتاب مصر أحد أضلع الشعر الحلمنتيشي في الوقت المعاصر. وتناولت أعماله الأوضاع السياسية عن طريق تعبيرات فكاهية مستخدماً إيقاعات الشعر العمودي. وهناك: عبد الحميد الديب ومحمود غنيم وياسر قطامش وسمير القاضي وعمر عسل وهشام الجخ ومحمود السعدني.

حسين شفيق المصري أول من أطلق هذا المسمى

رغم أن الشعر الساخر ضارب في القدم ضمن تاريخ الشعر العربي، إلا أن للشاعر حسين شفيق المصري الفضل في التسمية التي التصقت بهذا النوع الشعري، وهو الشعر الحلمنتيشي، إذ ترجح كافة الدلائل أنه من أطلق عليه هذا الاسم، بعد عدد من الأسماء التي سمت هذا الشعر: الفكاهي.

ويمتاز الشعر الحلمنتيشي بجمعه بين الفصحى والعامية وبعض الألفاظ الإنجليزية الدخيلة إذا احتاج الأمر، ويعد نظْمه من أصعب الأمور، حيث يعتمد على الحفاظ على الوزن والقافية الخاصة بالشعر العمودي، كما يحتاج إلى روح ساخرة في الكتابة وقاموس لغوي متمكن ما بين الفصحى والعامية التي يتم دمجهما سوياً في أغلب الأحيان.

أدب ناقد كلاسيكي مادته مستقاة من الواقع المُعاش

يعاني الشعر العمودي الموزون من صعوبات في الساحة الشعرية الحالية، وهو ما يؤرجح وضع الشعر الحلمنتيشي الذي يعتمد في نظمه على الشكل العمودي الموزون. مع هذا، يرى النقاد أن الشعر العمودي يحاول العودة مجدداً، لا سيما مع عدم الترحيب بالقصيدة النثرية، وهو ما يدعم وجود الشعر الحلمنتيشي، خاصة مع تدهور أوضاع بعض البلدان العربية..

والتي يبرز فيها الشعر الحلمنتيشي الساخر الناقد للأوضاع الاجتماعية والسياسية. ويستمد الشعر الحلمنتيشي المعاصر مواده من التراث الكلاسيكي، كأشعار أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري وأبي فراس الحمداني وابن الرومي وأبي نواس، كما حظيت المعلقات المطولة بنصيب من الحضور في أبيات الشعر الحلمنتيشي الرشيق.

Email