اختلاف في صفوف الكاتبات حول مفهومه واتجاهاته الراهنة

«الأدب النسوي».. إشكالية المصطلح وهموم المبدعات

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

 رغم تشكل وظهور الحركة النسوية في القرن التاسع عشر، فلا تزال إلى الآن تطرح قضية المرأة الأديبة تحت عنوان كبير هو «الأدب النسوي»، نظرًا للظلم الذي يعاني منه هذا الأدب والذي لا يقتصر على المرأة فقط في ظل استمرار النظرة الذكورية لها، بل يمتد إلى التضييق على الانفتاح الإبداعي لها حتى ولو كان هذا الانفتاح في حدود العادات والتقاليد العربية.

وبرغم هذا التضييق والتجاهل أحيانًا لكتابات حواء، ظهرت خلال الفترة الأخيرة نماذج مبدعات استطعن اجتياز هذه العقبات، بينهن رضوى عاشور، التي ترصد ملامح وأبعاد المرأة بشكل عميق.

كذلك أهداب سويف، وسلوى بكر، وأحلام مستغانمي، ونوال السعداوي التي واجهت المجتمع وكسرت كل التابوهات الممكنة، لتقدم رؤية حرة بعيدة عن أي قيود، إلا أنها في النهاية نماذج قليلة مقارنة بأعداد الرجال في مجال الإبداع؛ ليبقى التساؤل قائمًا، هل لازالت مجتمعاتنا تعاني من عقدة الرجل والمرأة والتفرقة بينهما حتى في الإبداع؟، وهل بات هناك مبرر لإطلاق تسميات مثل أدب الرجل أو الأدب النسوي، باعتبار الأدب يعبر عن حالة إنسانية، بصرف النظر عن جنس كاتبه؟.

كسر «التابوهات»

الكاتبة رشا سمير، ترى أن الأدب النسوي في الوقت الراهن، مازال يعانى الظلم في مصر والعالم العربي، وتقول: «كثير من الكاتبات يخشين مواجهة المجتمع، ومع هذا هناك عدد لا بأس به على الساحة الأدبية، مثل رضوى عاشور، التي ترصد ملامح وأبعاد المرأة بشكل عميق، كذلك أهداب سويف، وسلوى بكر، وأحلام مستغانمي، ونوال السعداوي التي واجهت المجتمع وكسرت كل التابوهات الممكنة، لتقدم رؤية حرة بعيدا عن أي قيود».

محتوى

إضافة إلى ذلك ترى أن دور النشر أيضاً لا تهتم بالمبدعات من النساء وتهتم أكثر بمن يدر الدخل لها بغض النظر عن جودة المحتوى، حتى إن بعض دور النشر تعتقد أن توزيع إبداع الرجال يضمن توزيعا أكبر من كتابات النساء.

وبسؤالها عن تقييمها لكتابات المرأة أو ما يسمى الأدب النسوى، قالت: المرأة هي الأجدر على التعبير عن مشاعرها بنفسها، لاسيما مع الصورة السيئة أو النفعية التي يصورها بها الأدب الذكوري.

وتستطرد قائلةً: «الأدب شيء رائع وقيّم، ووجود عدد من الحركات النسوية في المجتمع يعد مجالاً لتعبير المرأة عن نفسها، فبلا شك أن الكاتبات يفرغن شحناتهن و تجاربهن على الورق، حتى دون أن يدرين، فخبرة الكاتبة هي التي تتحكم في إنتاجها الأدبي».

وتضيف قائلةً: «عن تجربتي الشخصية أجد أنني في كثير من الأحيان أكتب ما مررت به أو شعرت به، وهذا كان تعليق أستاذي جمال الغيطاني عن روايتي «بنات في حكايات»، والتي لا أنكر وجود بعض الجوانب من مشاعري وأفكاري بها.

تحفظ

وإذا كانت رشا سمير تدافع عن مصطلح الأدب النسوي، فإن هناك اختلافاً في صفوف الكاتبات العربيات حول مفهوم النسوية والجدوى منها في الوقت الراهن، حيث تعرب الكاتبة أمينة رشيد عن عدم تقبلها لمصطلح «النسوية»، مؤكدة أنّه يحصر المرأة في جانب واحد، وأنه في الأغلب يتم صياغته بصورة البيان أكثر منه تكوين صورة أدبية، وترجع رشيد السبب وراء ذلك أن طرح القضايا النسوية يعد هو الشغل الشاغل للكاتبات النسويات.

وتشير رشيد إلى أنه لابد التعامل مع الأدب في بيئته العادية، فلا يوجد ضرورة تحتم الكتابة بصيغة نسوية، حيث إن الكتابة عن المرأة لا تقتصر على المرأة وحدها، فهناك أعمال توصف بالنسوية ويكتبها أدباء رجال. وتتفق الروائية آمال الشاذلي مع هذا الرأي، حيث ترى أن الأدب هو الأدب، ولا يختلف باختلاف جنس كاتبه، وتدل على هذا في الأدب العربي بكتابات الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وتصفه بالعلامة، حيث عبر عن المرأة ومشاعرها وما يدور بوجدانها بشكل رائع، يفوق في تصويره خيال المرأة ذاتها.

سياق نقدي

وفي سياق نقدي، يقول الكاتب صلاح عيسى: «لا أعترف بما يطلق عليه الأدب النسوي، حيث إن الأدب معروف، ويتم تحديد جماليات من خلال أبعاد رسم الشخصيات، والسرد، والبنية الدرامية، وغيرها من الجوانب التي تقيس جماليات الأدب، بعيدًا عن نوع الكاتب، رجلاً كان أو امرأة».

ويضيف: «مصطلح الأدب النسوي أو حتى أدب الرجل، يعد حصرًا لإبداع الكاتب و تطلعات القارئ، حيث يتم حصر قيمة العمل، بشكل كبير، والأدب بشكل عام، يعتمد على تجارب صاحبه، التي تنعكس في أعماله بعد ذلك».

ويتابع قائلا: «لا أجد مبررًا لوجود مثل هذه التسميات، حيث إن النساء أصبحن أكثر تحررًا وانفتاحًا ولم تعد المرأة تشهد قيودًا كالسابق، ففي الماضي كانت تلجأ المرأة للأدب لتعبر عن مشكلاتها مع المجتمع القهري، سواء في الغرب أو الشرق».

وأجد أن هذا المصطلح برز ونمى في مناخ كانت المرأة فيه مضطهدة أو لم تأخذ حقوقها كما ينبغي، فتوجهت المرأة للأدب حتى يكون متنفسًا لها، تواجه به العالم بمفاهيمه القهرية، فظهرت عائشة التيمورية وعائشة عبد الرحمن الملقبة بـ«بنت الشاطئ»، وغيرهما من الكاتبات اللاتي تألقن في سماء الأدب والكتابة العربية.

ويختتم عيسى قوله: «هناك العديد من الكاتبات الموجودات على الساحة الأدبية وبقوة، ولا أريد حصر أسماء بعينها، ولكن أؤكد أن الأدب لا يُقاس بجنس كاتبه، الكتابة فعل إبداعي ولا تعد حكرًا على أحد».

الجذور وإرهاصات البدايات

دخل مصطلح «الأدب النسوي» حقل التداول الثقافي والنقدي في العقد السابع من القرن التاسع عشر في فرنسا، ولعبت الصحافة الأدبية دوراً هاماً في هذا المجال إذ كانت أول من طرح المصطلح للتداول الأدبي، مما جعل المصطلح يشير في معناه إلى الأدب الذي تكتبه المرأة، رغم أن الهدف الأول منه آنذاك كان التخلص من ظلم وقمع المجتمع البطرياركي «الأبوي».

والعودة مرة أخرى للمجتمع الأمومي الأول، حيث إن أصل المجتمعات أمومية وتعتمد على المرأة بشكل كامل، حتى ظهر الرجل والاستراتيجية التوسعية التي اتبعها، فكانت في صورة الفتوحات وأوجه الاستعمار بعد ذلك مع مرور الزمن.

التنظير والتكوين

يعتبر الباحثون التوجه النسوي لازال حديث العهد سواء في التنظير أو التكوين، مما يجعله لا يقف على أرض ثابتة، مؤكدين أن الأدب النسوى مازال غير واضح المعالم بالمعنى الكامل، سواء في الغرب أو الشرق، لاسيما مع ظهور كاتبات تتطرق إلى القضايا النسوية في أعمالها.

ويرجع الباحثون ذلك إلى خصوصية الأدب النسوي الذي يصدر من وعي محدد لدى المرأة أو الكاتبة، دون أن تبالي بالجوانب المحيطة بها، ولفتوا أيضًا أن الكاتبة تظل في بحث طوال الوقت حول مفهوم الحرية محاولة تحقيقه، دون أن تصل إلى نتيجة، لاسيما أن بحثها يكون عن مفاهيم مجردة مثل «الحرية والعدالة والمساواة»، الأمر الذي يجعلها أسيرة لذلك.

ما بعد النسوية

ظهر توجه يحمل اسم «ما بعد النسوية» في ثمانينات القرن العشرين، وظهر لتفادي التناقضات الملحوظة التي ظهرت في الحركة النسوية الأولى، ويتناول التوجه الجديد أمرا هاما وهو أن لا علاقة بين الجنس والمعايير الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وينبغي أن تكون الأمور مناصرة للمرأة دون أن تكون ضد الرجل.

Email