العلم في خدمة من.. الصانــع أم المستهلك؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

التاريخ الحديث زاخر بالأحداث والوقائع التي تدلّ أن الكثير من المواد الضارّة بالصحّة والمسببة لأمراض خطيرة وللموت في بعض الحالات موجودة في تركيب الكثير من المنتجات والسلع المتداولة على نطاق واسع. والمستهلك «ضائع» بين ما يقال ومدى حقيقة ذلك.

 في الأمس غير البعيد تمّ الحديث عن وجود مادة «الرصاص» في وقود السيارات وثبت منذ وقت طويل أنها «تحتوي على بعض السموم». واليوم تتعالى الأصوات المحذّرة من أخطار مبيدات الحشرات.

هذا فضلا عن «مواد التلويث الكيميائي» و«الإشعاع النووي» وغير ذلك من مصادر تهديد الصحّة العامّة. فكيف تستطيع الشركات الصناعية أن تطرح في الأسواق منتجات ثبت بالبراهين العلمية أنها مؤذية للصحّة؟ وماذا يتم إخفاؤه عن البشر المعنيين؟ ولمصلحة من يعمل العلم؟

الباحثة الاجتماعية الفرنسية «آني تيبو ــ موني» تقدم الإجابة على هذه الأسئلة في كتاب تحت عنوان «العلم في الخدمة».

وهي تبحث فيه المسائل المتعلّقة بـ «الصحّة العامّة والتحالفات القاتلة بين أرباب الصناعات والباحثين»، كما يدل العنوان الفرعي للعمل. وتعتمد في المعلومات التي تقدّمها على تجربتها المهنية الخاصّة، كما على بعض العاملين في المجالات العلمية والطبية ممن التزموا بـ النزاهة العلمية » وبـ «واجب المواطنة».

المثالان البليغان الأكثر حداثة على «التعاون الوثيق» بين «أرباب الصناعة ورجال العلم» تجدهما المؤلفة في «مبيدات الحشرات» و«مادة الأميانت» الموجودة في بعض المنتجات المستخدمة في عالم البناء التي كانت موضوع «الفضيحة» التي أُثيرت في فرنسا بعد ثبوت أنها كانت وراء إصابة عدد من العاملين في قطاع البناء بأورام سرطانية وأدّت بالسلطات المعنية إلى «هدم العديد من المنشآت مع فرض خلو الأبنية الجديدة من تلك المادة «المسرطنة».

وتقدّم المؤلفة نماذج من آراء أطباء ورجال علم وأناس عاديين «قرعوا جميعهم ناقوس الخطر» حيال المخاطر التي تتضمن عليها مجموعة من المواد التي قد تكون مصدر الإصابة بأورام خبيثة أو بأمراض عصبية أو بتأثيرها على قدرة الإنجاب أو بمرض السكّري.

وتشرح المؤلفة أن المجموعات والشركات المعنية تستخدم في ردّها على «خصومها» مختلف «التكتيكات» التي تقتضيها «المعركة». ذلك انطلاقا من البحث عن «تفنيد الحجج» التي يستخدمها أولئك الخصوم «مهما كانت جدّية الدراسات التي تثبت حججهم»، ثم اللجوء إلى الالتفاف عليهم عبر تقديم تفسيرات جديدة بالاعتماد على معطيات لها علاقة بالسلوك أو بالمورّثات..

ووصولا إلى استخدام ما تسميه المؤلفة «الجرعة اليومية المسموح بها». هكذا مثلا يتم الحديث في المجال النووي عن «الجرعة القابلة للاحتمال» في السياق الذي زاد فيه إيقاع «الحوادث النووية» بالتواكب مع الحالات المرَضية العائدة إلى الإشعاع النووي. وكذلك التمسّك بنفس الخطاب أمام ثبوت أن بعض أنواع الزجاجات البلاستيكية ـ بما في ذلك التي يتم استخدامها في رضاعة الأطفال ــ تحتوي على مواد «خطيرة».

Email