الكشف عن جذور الحضارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت الإمبراطورية الرومانية، مركزا للعالم المتقدم خلال فترة طويلة من الزمن، وإيطاليا الحديثة هي، من حيث النسب، وريثة تلك الإمبراطورية العريقة. وهناك العديد من المؤرخين الذين اعتبروا أن روما ظلّت في واقع الأمر، أسيرة التاريخ الروماني الإمبراطوري، ما جعلها تتسم بقدر كبير من الجمود، بعيدا عن التحولات التي عرفها العالم الحديث بشكل عام.

ويذهب الأستاذ في جامعة فرجينيا الغربية، جوشوا ارتور، إلى البحث عن جذور النظام الفاشي الذي أقامه موسوليني، خلال فترة ما بين الحربين العالميتين إلى أصول رومانية إمبراطورية. وهذا ما يكرّس له كتابه الذي يحمل عنوان "الكشف عن جذور الحضارة". ويتمثل موضوعه الرئيسي في الماضي الروماني لإيطاليا الفاشية، مثلما جاء في عنوانه الفرعي.

يبين المؤلف انه يعود أصل كلمة فاشية إلى تعبير إيطالي هو فاشيو، يعني الحزمة، والتي تمثّل شعار الفاشية، وأحد رموز السلطة في روما القديمة . وأخذت به مجموعة شبه عسكرية، غداة نهاية الحرب العالمية الأولى، بغية إسماع صوت المحاربين القدماء، الذين أحسّوا بالحرمان كونهم لم يستطيعوا التمتع بتوسع حدود الإمبراطورية الذي كانوا وراءه. وتحوّلوا نحو الحياة المدنية ووضعوا أنفسهم في خدمة أرباب العمل الكبار، من أجل قمع العمّال، وانضمّوا في إطار حركة سياسية شعارها: "القناعة والطاعة والقتال".

أما الأفكار الرئيسية لتلك الحركة، فتمثلت في القول إن قيم الحدود معرّضة للخطر، والأمة مهددة، والديمقراطية وهم خادع، ذلك أن نظاما سلطويا يستطيع وحده أن يحقق الثورة الوطنية التي تصنع إنسانا جديدا، والفرد لا قيمة له. فالجماعة هي كل شيء، وأخيرا، القائد يقرر والشعب ينفذ. وهذه الأفكار كلها، وجدت ترجمتها في نسخة متجددة، إلى هذه الدرجة أو تلك، مع نظام بينيتو موسوليني الفاشي في إيطاليا.

ويشرح المؤلف أن روما الفاشية في عهد موسوليني، كانت متأثرة إلى حد كبير، بـرؤية راديكالية للحداثة، جرى فرضها خلال فترة ما بين الحربين العالميتين. ويقدم في هذا السياق، العديد من الأمثلة، عن انتماء الفاشية الإيطالية إلى الماضي الروماني.

وأن ما يعرف بالفضائل الفاشية المتمثلة خاصة في الانضباط واحترام التسلسل والنظام، إنما تجد منبعها الأصلي في روما الإمبراطورية. ومن ثم إن الإنسان الفاشي، الإنسان الجديد، حسب القاموس المستخدم في ظل موسوليني، نسخة من الإنسان الروماني، وتجسيد لفضائل الرجولة التي كان عنوانها: "المواطن- الجندي"، الذي كان ركيزة أساسية لقيام وتوسع الإمبراطورية الرومانية. ومن الأفكار التي سادت في روما القديمة، تأكيد قادتها وأباطرتها على توسيع رقعة نفوذها، لتشمل حوض البحر الأبيض المتوسط، بجنوبه وشماله الأوروبي.

ومثل هذه الفكرة وجدت ما يقابلها في إطار الحداثة الفاشية الإيطالية لدى موسوليني، الذي طمح إلى إقامة منظومة متوسطية يكون هو نفسه على رأسها. وبهذا المعنى، يرى المؤلف أن الإمبراطورية الرومانية كانت في أصل نشوء نزعة تجاوزت حدود إيطاليا، لتأخذ بعدا أوروبيا أو نظاما أوروبيا جديدا، إلى جانب السيطرة على حوض البحر الأبيض المتوسط.

وفي الوقت نفسه، يشرح المؤلف، أن روما أو "رومانينا"، كما شاعت التسمية القديمة، خدمت لدى الفاشية الإيطالية باعتبارها مرجعا لعدد من الأفكار التي شاعت في الفكر الفاشي. وفي مقدمة تلك الأفكار، الخشية من انحسار السكان الأصليين، والاضطراب على خلفية عنصرية .

يسوق المؤلف، على مدى فصول الكتاب، قراءة لمحاور اهتمام الفاشية الإيطالية "الموسولينية"، على ضوء الإرث الذي تركته روما القديمة، مشيرا إلى أنه لم يكن محض صدفة، أن موسوليني تبنّى طريقة التحية الرومانية، كعنوان لطموحه، في أن يكون وريثها الحقيقي، ورجل بناء "إمبراطورية متوسطية جديدة".

ويرى المؤلف، أن الاحتفاء بـ"الانتماء الروماني"، هو في عمقه، محاولة لـ"بعث العالم الحديث"، عبر الفضائل الرومانية القديمة، للانضباط واحترام الهرم الاجتماعي والسياسي.

المؤلف في سطور

يعمل جوشوا ارتور، أستاذا للتاريخ في جامعة فرجينيا الغربية في الولايات المتحدة الأميركية. حصل على الدكتوراه من جامعة شيكاغو. أولى اهتمامه الرئيسي لدراسة تاريخ أوروبا الغربية والوسطى وحوض البحر الأبيض المتوسط.

 

الكتاب: الكشف عن جذور الحضارة، الماضي الروماني لإيطاليا الفاشية

المؤلف: جوشوا ارتور

الناشر: جامعة كورنيل 2012

الصفحات: 232 صفحة

القطع: المتوسط

 

Excavating modernity

Joshua Arthurs

Cornell University Press - 2012

232 pp.

 

Email