في اعترافاته حمل خصومه مسؤولية الاتهامات التي وُصم بها

حافظ نجيب الأديب المُحتال والمُغامر المُبدع

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يحقِّق الباحث والناقد المسرحي د- سيد علي إسماعيل في حياة الفنان والأديب المصري حافظ نجيب الذي كأنَّه كان مصاباً بلوثة عقلية لشدَّة إصراره على أن يعيش أدواره متنقلاً بين ثيمتي الخير والشر بصفته طرفاً منتجاً لهما دون أن يعنيه الضرر الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي الذي يلحقه بالمتعاملين معه.

وهو الذي تحوَّلت حياته إلى مسلسل تلفزيوني «فارس بلا جواد» عام 2002 من بطولة الفنان محمد صبحي، حيث أحدث المسلسل ضجة سياسية وفنية لفتت إليه أنظار العالم.

ومن الآثار السياسية العالمية لهذه الضجة، أن قدَّمت السفارة الأميركية في مصر احتجاجاً على عرْض المسلسل؛ لأنَّه يُعادي السامية، لاعتماده على كتاب بروتوكولات حُكماء صهيون..

وقد أذاعت شبكة «أي بي سي» الفضائية الأميركية خبراً حول هذا الموضوع، ونقلَتْ عن إبراهام فوكسمان رئيس مكتب مكافحة العداء للسامية في نيويورك نقْدَه للحكومة المصرية، لسماحها بعرض مسلسل يزيد الكراهية لليهود. كما طالب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي بمنع المسلسل أيضاً، فقام أعضاء لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان المصري برفض هذه المطالب وهذه الاحتجاجات.

دفاع

الفنان محمد صبحي بدوره حينها قام بالدفاع عن عمله، من خلال توضيح بعض الأمور، منها أنَّ المسلسل يعتمد على الحقبة التاريخية، التي اعتمدتها «اعترافات حافظ نجيب» الذي قاد المقاومة ضد الإنجليز. وأنَّ إعجابه بحافظ نجيب كان بسبب قدرته على التنكر، وهو أمرٌ اكتسبه من صديقه عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية.

ومن عجائب القدر كما يرى الباحث، أنَّ مسلسل «فارس بلا جواد» لم يكن أوَّل عمل فني يُعْرَض على الجمهور عن مغامرات حافظ نجيب! فقد قام حافظ نجيب منذ عام 1915 إلى عام 1921 بتمثيل مغامراته بنفسه أمام الجمهور، من خلال مجموعة من المسرحيات كان ألَّفَها حافظ عن حوادثه ومغامراته. ومن هذه المسرحيات: الجاسوس، قوَّة الحيلة، الحب والحيلة محور السياسة، المصري.

لكن حسب ما يرى د- سيِّد علي إسماعيل فإنَّه إذا أَرَدْنا أن نتعرَّفَ على حافظ نجيب كما جاء في اعترافاته بعيداً عن إشارات وطنيته المشكوك فيها، فسنجده إنساناً جاحداً لأهله، ضائعاً لا هدف له، يسعى وراء غريزته الحيوانية وشهواته، ولا حرام ولا حلال عنده إلاَّ ما يرضي غرائزه.

وبالرغم من ذلك كله نجده ينفي عن نفسه تهمة النصب والاحتيال، ويدافع عن نفسه ضد هذا الاتهام دفاع المستميت، وكأنَّ جريمة النصب والاحتيال أهم وأكبر من ارتكابه للكبائر! ولعل هاتين الصورتين، هما الصورتان الوحيدتان المعروفتان عن حافظ نجيب، رغم ما يحيطهما من شكٍّ وجدل!

فإما أن تُتَّخذ صورةُ حافظ نجيب الوطني الثائر كما جاءت في المسلسل، وإما أن تُتَّخذ صورة حافظ نجيب الزنديق كما جاءت في الاعترافات! ولكن هناك صورة ثالثة غائبة ومجهولة، لم يَطَّلِع عليها القارئ إلا في إشارات يسيرة، وهي صورة حافظ نجيب الأديب! ولعلَّها الصورة الحقيقية والواقعية، والتي لا تقبل الشك أو الإنكار؛ حيث إنَّ وثائقها وآثارها وأدلتها موجودة بين أيدينا.

يتساءل المؤلف د- سيد إسماعيل: لماذا كتبَ حافظ نجيب اعترافاته؟! ويجيب حافظ عن هذا السؤال قائلاً: أولادي يُلِحُّون عليَّ لكتابة اعترافاتي. وقد عصيتُ هذا الإلحاح زمناً طويلاً؛ لأنني أنْفِر من نَبْش الماضي، ولكن الإلحاح المتكرِّر وصل إلى حدِّ الضغط الشديد والإكراه فخَضَعْتُ وأَطَعْتُ.

وليس يهمني رأي الناس إذا عرفوا الحقيقة؛ لأنني قسوت على نفسي بحكمي، ولست أكتب اعترافاتي لهؤلاء، إنما أكتبها لأولادي استجابةً لرغبتهم، وهذا القول يطرح سؤالاً آخر: لماذا ألَحَّ أولاد حافظ نجيب عليه لكتابة اعترافاته؟!.

ولماذا قاموا بنشرها بعد وفاته، رغم أن المنطق يقول إنَّها اعترافات غير مُشَرِّفة وتُدِين صاحبها وتتهمه بالمجون والزندقة والكفر! فهل أراد الأولاد تلويث سمعة أبيهم أمام الناس بعد وفاته؟!

أليس من الحكمة إخفاء هذه الاعترافات ودَفْنها مع صاحبها؟! الواضح أنَّ أولاد حافظ نجيب وقْت كتابة ونشْر اعترافات أبيهم، كانوا أصحاب مراكز مرموقة، وبلغوا من العمر درجة النضوج، وأصبح لديهم مستقبل مشرق أرادوا الحفاظ عليه، وتنقيته من أية شوائب كانت موجودة في الماضي!

وأظن أنَّ الشوائب الموجودة في اعترافات أبيهم كثيرة، ولكنها لا تُؤَثِّر عليهم، بل تؤثِّر على سمعة أبيهم وحده، إلا شائبة واحدة، هي التي يَخْشَوْنَها، وهي تهمة «النصب والاحتيال» فهذه التهمة وحدها كفيلة بأن توصمهم بالعار مدى الحياة؛ لأنهم سيُوصَمُون بأبناء النَّصَّاب المحتال.

اتهاماتٌ

حافظ نجيب في اعترافاته، كان يدافع عن نفسه أمام تهمتَي النصب والاحتيال بكل قوَّة، وكان يبرِّر الاتهامات الموجَّهة له، بأنَّها اتهاماتٌ من تدبير الأميرة فيزنسكي!. وعندما يتعرَّض إلى اتهام معيَّن من الصعب تبريره، كان يمر عليه مرور الكرام، ولا يوضحه، وهنا يسأل الباحث: هناك هاجس يراودني، ويتمثَّل في شكوك حول الاعترافات نفسها، فأنا أشكُّ في أنَّ حافظ نجيب هو الذي قام بكتابة الاعترافات، وأشعر بأن أحداً آخر قام بذلك، من أجل تبرير تُهم النصب والاحتيال!

وهذا الاحتمال له أسباب عديدة، منها أن حافظ نجيب اعترف بتصرفات مخزية كثيرة فلماذا يتهرب من الاعتراف بجرائم النصب والاحتيال؟!

ومن الأسباب أيضاً؛ أنَّ معظم أحداث الاعترافات التي نُشرت عام 1946 تمَّ نشْرها في مسرحيات وقصص مُمثَّلة ومنشورة منذ عام 1915، قام حافظ بتأليفها وتمثيلها ونشْرها، والاعتراف بأنَّها قصص من حياته! لذلك كان من السهل أن يقوم أي إنسان، بتجميع هذه الأعمال والعبث في بعض أحداثها، ونشْرها على شكْل اعترافات.

أما آخر الأسباب وأهمها -برأي المؤلف- والذي يؤكِّد أن هذه الاعترافات تمَّ العبث بها من قِبَل آخرين، أنَّ حافظ نجيب توقَّفَ عن إصدار مجلته (الحاوي) بعد صدور العدد رقم 41 بتاريخ 24/3- 1927، ثم أعاد إصدار المجلة مرة أخرى عام 1929وفيها بدأ في نشْر اعترافاته، قبل أن تَظْهَر في شكل كتاب بعد وفاته عام 1946.

فرقة جديدة

توقَّفَ حافظ نجيب عن عروضه المسرحية، حوالي أربعة أشهر تقريباً، وفي مارس 1927، بدأ في تكوين فرقة مسرحية جديدة، ضمَّتْ مجموعة من الممثلين، على رأسهم الفنان حسن فايق، والمطربة ملك. وبدأ العمل على قَدَم وساق، لعرض المسرحية الجديدة «الهوسة» وهي من تأليفه..

ومن نوع الفودفيل أيضاً، وقد تَقَرَّر عرضها يوم 21 مارس 1927على مسرح سميراميس بشارع عماد الدين. وقبل العرض بأيام قليلة، نَشَرَ حافظ إعلاناً، أخبر فيه الجمهور بتأجيل افتتاح مسرحيته «الهوسة» إلى الخميس 24 مارس 1927، وفي يوم العرض الأول للمسرحية، ذهب الناقد الفني لمجلة الفنون بدعوة شخصية من حافظ نجيب، كي يشاهد المسرحية ويكتب عنها!

وبالفعل ذهب الناقد ولكنه تفاجأ بعدم وجود مسرح أو عرض مسرحي، فالقوَّة للكذب. فكتب الناقد مقالة قصيرة جداً: حافظ نجيب محاط بالعجائب والغرائب دائماً، وأَعْجَب ما شهدناه أننا دُعينا منه لحضور رواية الهوسة التي سيمثلها على مسرح سميراميس. ولكن ما كان أعظم دهشتنا، إذ ذهبنا في الموعد المحدَّد، فإذا بالمسرح موصد الأبواب! فسألنا، فقال أحدهم: إنَّه يستريح الليلة ليستعدَّ لتمثيل رواية! وقال آخر: إنَّه لم يجد إقبالاً عليه فعطَّلَ التمثيل! وقال ثالث: إنَّه أراد أن يَضْحَكَ من الناس ويهزأ بهم! وعلى أية حال فقد ذهبنا فلم نجد لا حافظ نجيب، ولا فرقة حافظ نجيب، والسلام.

وكانت هذه الكلمات، آخر كلمات نُشِرَتْ عن حافظ نجيب كمسرحيٍّ! فلم نسمع عنه كمسرحي بعد ذلك، ولم نجد أية إشارة تدل على تمثيل مسرحية «الهوسة»، ولم نجد أي خبر عن فرقته! وهكذا يُسدَل الستار على نشاط حافظ نجيب المسرحي، ذلك النشاط الذي كان مجهولاً للجميع.

الكتاب: حافظ نجيب الأديب المُحتال/ دراسة

تأليف: د- سيِّد علي إسماعيل

الناشر:

مؤسَّسة هنداوي للتعليم والثقافة – القاهرة 2015

الصفحات:

200 صفحة

القطع: متوسط

المؤلف في سطور

الدكتور سيِّد علي إسماعيل باحث وناقد مسرحي وأستاذ الأدب المسرحي بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة حلوان بمصر.

Email