القصيدة كانت «بيته ولحده.. نعمته ونقمته»

«هولدرلين».. سيرة وعوالم شاعر ألمانيا الشهير

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتناول كتاب «هولدرلين»، لمؤلفه الدكتور عبدالغفار مكاوي، سيرة حياة وإبداع الشاعر الألماني. ونتبين من الكتاب أن شغف الكاتب بهذا الشاعر، جعل من فصول دراسته مفاتيح تُمكّن القارئ من الدخول إلى عوالمه الخفية، كاشفاً عن اللبس الذي أحاط بسيرته الذاتية والشعرية، حيث كانت القصيدة عنده «بيته ولحده، نعمته ونقمته».

ولد فريدريش هولدرلين، كما يوضح الكاتب في مُقدمة دراسته، في العشرين من شهر مارس سنة 1770 في بلدة «لاوفن» الألمانية. وفقد أباه طفلاً صغيراً. واستجاب لرغبة أمه فدخل معهد الوقف الديني ليدرس اللاهوت. بقي في «هذه الزنزانة اللاهوتية» كما أطلق عليها، خمس سنوات قبل أن يُصمم بينه وبين نفسه على الهروب من أغلال اللاهوت، والانصراف إلى موهبته الشعرية المتفتحة.

طبعت الحياة الفكرية والروحية في ألمانيا اتجاهات عدة في ذلك العصر، تمخضت عن بروز تيارات تجديدية، لعل أبرزها تلك التي تأثرت بالثورة الفرنسية التي أشرقت أنوارها على القارة الأوروبية، وبدت كأنها فجر الخلاص والأمل في الحرية وتقدم الإنسان وتحرره من الظلم والعبودية.

ويُشير المؤلف في كتابته لسيرة هولدرلين، إلى الظروف المعيشية البائسة التي عاشها، واضطراره القيام بأعمال لا تتلاقى وطموحه، إلى أن حالفه الحظ وأحب امرأة ميسورة كانت تُدعى سوزيته.

وجد في تلك المرأة الرقة والحب. وكانت عنده مِثال الإنسانية الجميلة الطاهرة، فجعلته يشعر بأنه قريب من الروح الإلهي الخالد. بادلته الحب نفسه، ومدت يدها إلى روحه الغريقة في الكآبة والظلام. لكنها لم تكن سبيله للخروج من المأزق الوجودي الذي أغرقه في الكآبة والهم. فحاول بعد افتراقه عنها الانتصار على التّمزق والألم، داعياً إلى تربية جمالية تُعيد للإنسان توازنه وانسجامه.

وتبعاً لمقدمة الكاتب، فإن هولدرلين ظل ّيقول الشعر حتى بعد أن غاب عن الوعي والحياة. وقصائده في تلك الفترة أوغلت في الغموض والوحشة والظلام. وابتعد في شعره عن عذابه الذاتي وأصبح أكثر موضوعية.يُشير المؤلف في قراءته لسيرة هولدرلين، إلى ارتباط هذا الأخير بصداقة حميمة جمعته بمواطنيه الفيلسوفين هيغل وشلنج.

وكان من قدر هذه الصداقة العظيمة أن تؤثر في روح العصر كله. واعتبرها هيغل من أكثر الصداقات دفئاً في شبابه. ويقول عنها: «إنني أُحبّ رجال العقل الهادئين، إذ يستطيع الإنسان أن يهتدي برأيهم كُلما التبس عليه الأمر في علاقته بنفسه والعالم».

ويتناول الكاتب في سياق قراءته لسيرة هولدرلين، نتاجه الشعري والأدبي، فيعرض لمضمون روايته الوحيدة «هيبريون».

وعن مسرحية «موت أنبادوقليس» التي كتبها هولدرلين بين سنتي 1798 -1799، يقول الكاتب إنها مسرحية شعرية غنائية، أو بالأحرى قصيدة درامية أعاد صياغتها مرات ثلاث.

وعن شعره يُوضح المؤلف أن هولدرلين كان شاعراً مهماً ومنسياً في وقت واحد. وظل مجهولاً أو شبه مجهول حتى أوائل القرن العشرين. لتتوالى الدراسات عن شعره وعبقريته.

ويتوسع المؤلف في الفصل الأخير من كتابه في قراءة سيرة هولديرين في الثلاثين سنة الأخيرة من حياته. إذ قُدر خلالها لهولدرلين أن يعبر صحراء الجنون و«يُجرّب الموت في الحياة والحياة في الموت». كما يلفت إلى أنه اتفقت أقوال الشهود الذين عاصروا هولدرلين على توصيف حياته التي حوّلت صراعه الوجودي إلى مسعى ميؤوس منه. فهو كان لا يكفّ عن محادثة نفسه، وهو ينحدر إلى ليل الجنون العقلي.

Email