القربان البديل.. المصالحات الثأرية في صعيد مصر

القربان البديل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتناول كتاب «القربان البديل.. المصالحات الثأرية في صعيد مصر»، للشاعر والباحث فتحي عبدالسميع، دوائر العنف في صعيد مصر وقضية المصالحات الثأرية بوصفها طقوساً متوارثة من أزمنة بعيدة، ترجع جذورها لثقافة مصر القديمة، وينطلق من ظاهرة العنف باعتبارها أم المشاكل جميعاً، وكيف تصدت لها الثقافة التقليدية عبر الطقوس، فعالجتها أحياناً وفق منهج العنف المضاد، وأحياناً وفق منهج اللاعنف.

جاء الكتاب في مقدمة وخمسة فصول، تناول المؤلف في المقدمة منهج اللاعنف في الثقافة الشعبية، كما تناول المصالحات الثأرية باعتبارها طقساً يعتمد على استبدال القتل الثأري، بقتل رمزي يستهدف تصفية جذور الشر في القاتل.

يفتتح المؤلف الفصل الأول «مفهوم القربان» بتناول فكرة القربان وجذورها في الثقافة الإنسانية، ويشتمل على أقسام عدة، منها: تعريف القربان، القرابين البشرية.

ويحلل المؤلف في الفصل الثاني المصالحات الثأرية بوصفها طقوساً قربانية.

وتطرق الكتاب إلى هوية طقوس المصالحات الثأرية وجذورها الثقافية والتاريخية، ذلك في أقسام عدة، مثل: طقس القودة وطقوس العبور. ويذهب المؤلف إلى أن هوية القودة ترجع إلى ثقافة مصر القديمة حيث ظهر القتل الرمزي في احتفالات العيد الثلاثيني الذي كان يقام بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على حكم الملك، ويبدأ العيد بقتل الملك نفسه لتجديد الحياة، وتدخل الكهنة لتقديم بديل لقتل الملك يتمثل في دفن تمثال للملك.

كما تظهر بعض عناصر طقوس الصعيد في لوحة نارمر الشهيرة، حيث يقوم حورس الذي يوازي قاضي الدم في الصعيد بشد المحكوم عليهم بالقتل وهم حفاة ومن دون غطاء رأس، ليقوم الملك بالعفو عنهم، والذي يوازي ولي الدم في طقوس الصعيد.

ويخصص المؤلف الفصل الرابع لتناول علاقة الثأر بالتسامح، ويذهب إلى أن التسامح قيمة عظمى، راسخة وشامخة، لدى الطبقة الشعبية.

ويجد عبد السميع أن أزمة التسامح الحالية غريبة على ثقافتنا الشعبية، ففي الثقافة التقليدية بشكل عام لا توجد أزمة تسامح، فقد كانت نظرة الناس للعالم مرتبطة بالطبيعة، وكانت الطبيعة في مجملها خيَّرة متسامحة، كانت أمَّاً بالمعني الكامل للكلمة، وكان عنفها استثنائياً، زلازل، براكين، عواصف.

كما يرى أنه في الثقافة الحديثة لم تعد الطبيعة أمَّاً، صارت عبدة ذليلة، وها هي تخضع لللبشر خضوعاً تاماً، لكن خضوعها لم يزدهم إلا عنفاً ووحشية، وبلغ الأمر حد تحول البشر إلى خطر رهيب على الطبيعة، وها هم يملكون من أدوات العنف ما يكفي لتدمير كوكب الأرض بكامله.

Email